وزير الكهرباء يقول إن الشريحة المنخفضة في الاستهلاك حتى 200 كيلووات ساعة لم يتم رفع أسعارها، وهذا خبر سار من وجهة نظر معاليه، جيد. ويشرح الوزير بأنه من صفر إلى 50 كيلووات فإن السعر هو 5ر7 قرش للكيلو، ثم من 51 إلى 100 كيلووات بسعر 5ر14 للكيلو، ثم من صفر إلى 200 كيلووات بسعر 16 قرشا. إذن الشرائح الثلاث تلك وحسب الوزير تناسب محدودي الدخل، وهى ثابتة لجميع المستهلكين من يصل استهلاكه 10 كيلوات إلى 1000 كيلوات، أو اكثر. الزيادة - حسب الوزير - بدأت في الشرائح التالية: الشريحة الرابعة للاستهلاك وهى من 201 إلى 350 كيلوات ستكون بسعر 5ر30 قرشا للكيلو، ومن 351 إلى 650 كيلووات ب 5ر40 قرشا للكيلو، ومن 651 إلى ألف كيلووات بسعر 71 قرشا للكيلو، وأكثر من ألف كيلووات بسعر 84 قرشا للكيلو. شكرا معالي الوزير أنك كنت رئيفا بأصحاب الشريحة المنخفضة التي يصل سقفها إلى 200 كيلووات استهلاكا في الشهر؟. لكن بالمنطق البسيط قل لي - إذا كنت مطلعا على طبيعة الحياة في مصر- ما هو البيت، أو الشقة حتى لو كانت صغيرة التي سيصل أقصى استهلاك شهري لها 200 كيلووات حتى يدفع صاحبها 32 جنيها؟. هذا المستوى من الاستهلاك صعب جدا إن لم يكن مستحيلا لأنه يعني أن يكون الاستهلاك في اليوم الواحد 6,7 كيلو وات فقط، لمبة معلقة في السقف يمكن أن تستهلك هذه الكمية من الكهرباء بمفردها. لم نتحدث عن عدد من اللمبات مضاءة معظم الليل، ومنها ما هو مضاء بالنهار للضرورات، ولم نتحدث عن جهاز تليفزيون واحد، وغسالة وثلاجة ومكنسة وخلاط ومفرمة وغلاية مياه وجهاز كمبيوتر أو لاب توب، نتحدث عن جهاز واحد من كل نوع، وليس أكثر، ونتحدث عن عدد من المراوح في الصيف، والطامة إذا كان في البيت جهاز تكييف هواء شباك أو سبليت، فماذا سيكون الاستهلاك لو كان في البيت جهازين، أو أكثر. ونرد سريعا على الوزير، أو من سيتطوع نيابة عنه ليطالب بالتقشف وتنظيم الاستخدام في الكهرباء أو لماذا التكييف مثلا، وسنقول له بأن الأجهزة الكهربائية لم تعد رفاهية، ولم تعد خاصة بالميسورين والأغنياء وعلية القوم فقط، بل صارت جزء أساسيا من كيان أي بيت حتى لو كان غرفة واحدة بمنافعها، لم يعد ممكنا لأي أسرة أن تتخلى عن استخدام الكهرباء أو الأجهزة التي تعمل بها وتيسر الحياة والمعيشة، قبل وصول الكهرباء في بعض القرى بالدلتا والصعيد كانت تلك الأجهزة ترفيه فعلا ولم يكن يفكر أحد فيها لا ثلاجة ولا مروحة ولا خلاط ولا مكنسة أو أي قطعة في المطبخ ، كانت الحياة بسيطة ومتواضعة، وقد عايشت سنوات من عمري في تلك المرحلة، وكان الناس راضين وقانعين بالعيش البسيط، لكن لما دخلت الكهرباء صار مستحيلا دفع الناس للعودة إلى القديم، هل يمكن لسيدة أن تغسل في "الطشت"، أو تطبخ على "الكانون" أو "وابور الجاز"، أو يجلس أحد في ضوء لمبة الجاز أو "الكلوب"، أو تشرب العائلة من "القلة" و"الزير"، حتى الأجيال التي نشأت مع الكهرباء عندما تحدثها عن تلك الفترة وطبيعة الحياة فيها تنظر إليك وكأنك قادم من عالم آخر بدائي. الخلاصة يامعالي الوزير، أن شريحة الاستهلاك المنخفض حتى 200 كيلووات غير واقعية، ومن فضلك لا تربطها بمحدودي الدخل، فهذه الكمية من الكهرباء يمكن استهلاكها في أسبوع مع التقشف في الاستخدام، وأنا أقول ذلك من واقع تجربة شخصية في شهر مايو الماضي عندما وجدت فواتير بمبالغ كبيرة جدا فأخذت أخفف تشغيل الكهرباء لأقل حد ممكن حتى كاد من في البيت يضجون، ومع ذلك كان عداد واحد يسجل أرقام استهلاك عالية ومجموعها شهريا سيتجاوز ال 200 كيلووات بكثير. إذن، شريحة الاستهلاك المنخفض من صفر إلى 200 كيلوات هى لذر الرماد في العيون، ولاستدعاء مسألة محدودي الدخل وأن السلطة تحنو عليهم وتراعي ظروفهم في خدمة أساسية لم تعد الحياة تسير بسهولة من دونها. يجب على السلطة أن تسمي الأشياء بأسمائها، ولا تلتف أو تناور أو تتلاعب بمحدودي الدخل كما تلاعبت بهم كل سلطة سابقة لإظهار تعاطفها معهم بينما الحقيقة أن الفقراء والبسطاء ومحدودي الدخل ليسوا في وارد اهتمام السلطة بشكل كاف وواقعي، ثم إن ارتفاع تكاليف الحياة بشكل لا يُصدق كما تحدثنا أمس صار يحتاج لتعريف جديد لمحدودي الدخل إذ مع تزايد سقف كلفة المعيشة في كل تفاصيلها ستندرج فئات ذات دخول كانت تعتبر مرتفعة فيما سبق في شريحة محدودي الدخل التي تتسع دوما لتضم إليها قطاعات عديدة في مجموع الشعب المصري. الفقير بحسابات الأمس، صار هو من يعيش تحت خط الفقر بحسابات وأسعار اليوم، والمستور بالأمس صار هو فقير اليوم. قضية العدالة الاجتماعية هى أكثر القضايا صعوبة وتعقيدا في مصر، وهى التي ينبغي التصدي لها برؤى جديدة مختلفة لا تجعل الدولة تنسحب من القيام بدورها فيها، بل إن دورها يتزايد ويكون مطلوبا أكثر، لكن بجدية وعلم وعمق وليس بالشعارات والعواطف. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.