ذاهب إن شاء لممارسة حقى فى إختيار من يمثلنى فى البرلمان.. ولن يحول بينى وبين صندوق الاقتراع إلا الموت.. وأرجو أن يفهم أصدقائى هذا الشعور الكاسح.. وهذا الإصرار لرجل حُرم -على مدى تسعة وخمسين عاما- من الإدلاء بصوته واختيار نائبه وحكومته بحرية لا يشوبها التزوير أو التزييف لأول مرة فى تاريخ مصر الحديث .. لقد عُدت من بريطانيا للإدلاء بصوتى فى الانتخابات ولأُثبت لأول مرة وربما لآخر مرة ، أننى أمارس حقا مقدسا وواجبا شرعيا أشعر بالإثم إذا أنا تقاعست عن أدائه.. من أجل ذلك أرى أن تأجيل العملية الانتخابية أو تعويقها أو التشويش عليها تحت أي عنوان هو جريمة لا تُغتفر... يشترك فى هذه الجريمة أطراف لم تعد خافية على أحد.. فى السلطة أو خارجها.. وما يهمنى الآن هو أن أعرض على القراء هذه الخواطر الملحّة: أولا- أن مجموعات من الذين اشتبكوا مع الشرطة فى شارع محمد محمود بالذات قد اختلطت فيهم عناصر من أصحاب حق الدم من الشهداء ومن الجرحى فهم أصحاب ثأر، ومن شباب من المتظاهرين أغرار، استطاعت الشرطة استدراجهم إلى هذا الشارع المشئوم.. وعناصر من العاطلين والبلطجية مستأجرة لإثارة الشغب، كل ذلك بتدبير مسبّق، وبغرض إحداث فوضى.. وتبرير عمليات القمع الوحشي الذى مارسته الشرطة.. بغباء يعيد إلى الأذهان جرائم العادلى ومبارك ومباحث أمن الدولة. ثانيا- كان يمكن للمجلس العسكري أن يبطل هذه المؤامرة و يحفظ دم الشهداء والجرحى من أول يوم.. فيأمر الشرطة بوقف أعمال العنف ووقف بقية إجراءات هذه المؤامرة الخسيسة.. التى وُجّهت فى أول الأمر ضد عدد من المعتصمين لم يبلغ عددهم أكثر من مائتى شخص ولكنه تراخى كالعادة.. مما أدى إلى تأجيج المشاعر حوّلت ميدان التحرير إلى ثورة شعبية عارمة.. ثالثا- كانت استجابة أعضاء المجلس العسكري كالعادة بطيئة وغير موفقة وتدل على سوء فهم لعقلية الشعب وطبيعته وحساسياته.. وبصفة خاصة سوء فهم للتغيّرات الجذرية التى اكتسبها خلال ثورة 25 يناير.. وأنه قد بات يرفض بصفة قطعية أى مساس بحريته ، بقدر ما يرفض الوصاية عليه وروح الاستعلاء التى مارستها عليه أنظمة قمعية سابقة.. وأنه قد كسر حاجز الخوف من السلطة .. أىُ سلطة كائنة ما كانت.. وأنه لم يعد يأبه بالموت أو التهديد بالقتل.. أو الإصابة مهما بلغت خطورتها.. لقد حذّرت فى مقالات سابقة بعد الثورة وخلال شهر فبراير الماضى فى عهد حكومة أحمد شفيق من المماطلة فى تحقيق مطالب الثوار، كاملة غير منقوصة، وسمّيّت أسلوب المجلس العسكري فى استجاباته البطيئة الممطوطة "بالتنقيط المُمِل " وحذّرت من العواقب التى يمكن أن تترتب على هذا الأسلوب الذى انطبعت به مواقف المجلس العسكرى -بعناد مستفزّ- وكانت النتيجة أنه فقد مصداقيته عند الجماهير واستنفد رصيده الشعبىّ من ثقة الناس وتوحّدهم به كممثل للجيش المصرىّ الذى يُكنّ له الشعب كل حب وتقدير.. لو كان لهذا المجلس مستشارون وطنيون على مستوى، يشعرون بنبض الشعب الحقيقي.. ويستشرفون توجهات حركته وتطورات فكره، لنصحوا المجلس أن يتبرّأ من وثيقة على السلمى المشئومة.. صراحة وفى وقت مبكّر.. قبل أن تُحدث الغليان الشعبي .. الذى تبلور فى غضبة ميدان التحرير.. ولتفادينا بذلك كل التداعيات التى ترتبت عليها، ولكن (وللأسف) لدينا مستشارين يتحسسون –فقط- نبض المجلس العسكري ويزينون له رغباته وطموحاته حتى ولو كانت فى تصادم مع رغبات الشعب وإرادته، وحتى لو كانت غير مبررة فى الدساتير والقوانين المحترمة