أثار اغتيال النائب العام ، المستشار هشام بركات، صباح الاثنين 29 يونيو المنصرم، عددا من الأسئلة، هي: مَن الذي قتل النائب العام؟ ولماذا النائب العام تحديدا؟ وما دلالة اغتياله في ليلة 30 من يونيو؟ وما هي السيناريوهات المتوقعة بعد هذه الجريمة؟ وما هي إجراءات تولية النائب العام الجديد في القانون والدستور؟ ومن هي أبرز الأسماء المرشحة للمنصب السامي؟ وفي محاولة منها للبحث عن إجابات لهذه الأسئلة التي طرحتها swissinfo.ch على كلٍّ من: ناجي الشهابي، رئيس حزب "الجيل الديمقراطي"، ورئيس مجلس إدارة جريدة "الجيل"، الخبير السياسي الدكتور علاء عبد الحفيظ، رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة أسيوط، الباحث السياسي مصطفى زهران، الخبير في شؤون الحركات الإسلامية، والباحث في مركز ستا للدراسات بالقاهرة، الناشط السياسي صفوت عمران، رئيس قسم الشؤون السياسية بجريدة الجمهورية، وأمين عام تكتّل القِوى الثورية الوطنية، والكاتب والمحلِّل السياسي محمد جمال عرفة. أيدي داعش في داخل مصر! في البداية، أوضح زهران أن المشهد القائم بأدواته الفاعلة والتي أحدثت هذه الواقعة الأشَد خطورة منذ عقود، يؤكِّد بما لا يدَع مجالا للشكّ، أن الأيْدي الداعشية بدأت ترسم لها خطوطا واضحة من الإرهاب في الداخل المصري. فالدّقة في رصد الهدف، والحجم الإستخباراتي الكبير الذي اتّسمت به العملية، والنتيجة التي أفضت إليها، لا يمكن أن تقوم بها جماعة مُحدّدة أو حركة محلية تقليدية بسيطة، وإنما جماعة انتقلت من إطارها المحلي والآخَر الإقليمي، وأكبر تمثيل لذلك، هي ولاية سيناء. وفي تصريحات خاصة ل swissinfo.ch، قال زهران، الخبير في شؤون الحركات الإسلامية: "معروف أن لولاية سيناء ثأر كبير مع الدولة المصرية، بدأ مع عرب شركس، التي ينتمي أعضاؤها الذين حُكِمَ عليهم بالإعدام، إلى ولاية سيناء، وهي التي توعّدت بأخذ ثأرها منهم في تسجيل مصور، وقبل اغتيال النائب العام بساعات، وفي مساء الليلة التي قبل الحادث، نشر التنظيم فيلما مصورا عن استهدافه لثلاثة قُضاة". مَن الذي قتل النائب العام؟ تبايَنت ردود الخبراء على سؤال مَن قتل النائب العام؟ ففيما يرى عبد الحفيظ أن "التحقيقات ستتوصّل إلى مدبِّري هذه الجريمة الإرهابية"، معتقدا أن "هذا العمل لا يمكن أن يكون فرديا، وإنما وراءه منظمة إرهابية، قد يكون لها امتدادات بالخارج" يجزم الشهابي بأن "الذي قتل النائب العام هو الإرهاب الإخواني المدعوم من أمريكا ومخابرات عدّة دول كبرى، وأيضا التقصير الأمني الواضح في جمع المعلومة وحماية الشخصيات الرسمية"، وهو الرأي الذي ذهب إليه عمران، الذي يرى أن "الذي قتل النائب العام، هي جماعات العنف والتطرّف، التي تقودها جماعة الإخوان المسلمين وترعاها أجهزة استخبارات دولية". أما عرفة، فيقول إن "هناك ثلاثة احتمالات: الأول، أن يكون (اغتيال قصر)، أي مِن داخل النظام، في ظلّ الصراعات التي باتت معروفة داخله بين أصحاب النفوذ في السلطة الحاكمة. والثاني، أن تكون خلية داعشية (نسبة إلى تنظيم داعش الإرهابي) وراء العملية، أو ما يُمكن تسميتهم، كما قال تقرير الخارجية الأمريكية (الذِّئاب المنفردة) أو المستوحدة، التي يجري استقطابها عبْر الإنترنت وتدريبها بسبب الحرفية وكمية المتفجِّرات العالية واستخدام التفجير عن بعد، وهو ما ذهبت له صحف أجنبية. وفي تصريحات خاصة ل swissinfo.ch، يرى عرفة أن التفسير الثالث يشير إلى مسؤولية مُعارضي السلطة، وهو ما يدعمه إعلان جماعتيْن هما: "المقاومة الشعبية"،و"مجهولون ضد الانقلاب" مسؤوليتهما، ثم نفيهما ذلك لاحقا، وأن صاحب المصلحة في قتله، هو جماعة الإخوان خاصة، والتيار الإسلامي عموما؛ مرجِّحا "وقوف ذئاب تنظيم داعش المستوحدة وراء اغتيال النائب العام المصري المستشار هشام بركات". لماذا النائب العام تحديدا؟ أما عن أسباب استِهداف شخص النائب العام على وجه التحديد، فيردها عرفة إلى كوْنه "يمثل رمزا للقُضاة الذين يصدرون أحكاما، يصفها العالم كله بأنها غيْر مطابقة للعدالة، أو الإجراءات السلمية"، مشيرا إلى أنها "في تقديري رسالة لباقي القُضاة، بأنه قد تمّ المسّ بأكبر رأس، وقد فهم المستشار أحمد الزند، وزير العدل، الرسالة جيدا، وقال في الجنازة إنه الثاني وعليه الدَّور". بينما يتّفق كلٌّ من الشهابي وعمران وعرفة، على أنه، بحُكم منصبه ك "محامي الشعب" والأمين على إقامة الدّعوى العمومية، ولأنه الشخصية القضائية الأهَم في مصر والمسؤول الأول عن محاكمات الإرهابين وإحالتهم إلى محاكم الجنايات، معتبرين أنه "قُصِدَ باستهدافه إخافة القُضاة وجعلهم يتردّدون في إصدار الأحكام طِبقا للقانون"، فضلاً عن كونها "رسالة بأن جميع قيادات الدولة في متناول أيديهم". دلالة اغتياله ليلة 30 يونيو واعتبر الشهابي أن تنفيذ عملية اغتيال النائب العام في هذا التوقيت "مقصود لإفساد فرحة الشعب المصري بالذكرى الثانية لاندلاع ثورة 30 يونيو 2013". وأضاف عمران أن "توقيت العملية في ليلة 30 يونيو، يستهدف إفساد الاحتفاء بذكرى الثورة، وإرهاب الشعب". فيما يرى "زهران"، أن "التوقيت جاء بدون تخطيط، وأنه جاء فقط متزامنا مع الحدث، وليس له أية علاقة بذكرى 30 يونيو وما تلاها". من جانبه، يقول عبد الحفيظ في تصريحات خاصة ل swissinfo.ch، إن "دلالة هذا التوقيت هو ذكرى ثورة 30 يونيو، وهو ما يُشير إلى رغبة المهاجمين، منفِّذي عملية الاغتيال، في التشكيك في شرعية النظام السياسي الحالي، والتأثير السلبي على الاقتصاد المصري، الذي بدأ يتعافى، وعلى الإستثمارات الأجنبية التي تستهدِفها مصر في الفترة المقبلة، وأيضا على علاقات مصر الدولية". أما عرفة، فيعتبر أن "هذا مؤشِّر غامض لأنه يُفهَم على أنه دعمٌ لنظرية المؤامرة، والتي ترى أن جهة ما في النظام قتلته لأسباب مجهولة لوقف المظاهرات، وعمل حشد مضاد، أو يفهم على أنه رسالة من المعارضين أو داعش سيناء، بأنهم ربما سينفذون عمليات أخرى بالقاهرة، وهو بالطبع مقصود لتبرير هذا اليوم، لو صحّت نظرية المؤامرة، أو كمؤشر على "تسليح الثورة"، لو جاز التعبير، أو مؤشِّر على أن داعش تلعب على وتَر الغضب الشعبي ضد أحكام القُضاة، وهذه سياستها في جلب التعاطُف معها". سيناريوهات ما بعد الجريمة أما عن السيناريوهات المتوقّعة في المرحلة المقبلة، فيلخِّصها عبد الحفيظ في "استمرار العمليات الإرهابية، في ظل استمرار عمليات الإختراق للأجهزة الأمنية ومؤسسات الدولة، وتشديد القبضة الأمنية ومحاولة الإستفادة من تجارب الأخطاء السابقة وعدم تكرارها، فضلا عن التأثير السَّلبي على العملية السياسية، خاصة انتخابات مجلس النواب المقبلة، والتي يمكن أن تؤجّل مرة أخرى". وبينما يتوقّع الشهابي استمرار استهداف الإرهاب للشخصيات العامة والرسمية في الدولة، مع تعديل الدولة لقانون الإجراءات الجنائية، بهدف تقصير مدة الطعن أمام محكمة النّقض، على أحكام محاكم الجنايات، بحيث تتحقّق العدالة الناجِزة وتنفذ الأحكام الصادرة بأسْرع وقت ممكن". لا يَستبعِد زهران أن "تشهد مصر سيناريو مماثلاً لما حدَث في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، وهو ما يؤكِّد حساسية المشهد القادم وخطورته على الدولة المصرية". أما عمران فيرى في تصريحات خاصة، أن "السيناريوهات المتوقّعة هي: أحكام قضائية رادعة بإعدام قيادات الإخوان، غلق ملف المصالحة نهائيا، مواجهة حاسمة بين الدولة وجماعات العنف، وتعديل قوانين محاكمة الإرهابيين". فيما توقّع عرفة تكثيف "داعش" العمليات في القاهرة، وتكثيف النظام المحاكمات واختصارها، وتعجيل قانون المحاكم بإلغاء درجات التقاضي، وتسريع الأحكام للإعدام والسِّجن"، مشيرا إلى أن "تصريحات السيسي في جنازة بركات صبّت في هذا الصّدد صراحةً، ومجلس الوزراء سينظر التعديلات ويقرّها". الإجراءات وأبرز المرشحين للمنصب ويرى خبراء القانون أن الإجراءات القانونية تُحتِّم أن يقوم المستشار علي عمران، النائب العام المساعد بأعمال النائب العام، باعتباره أقدم نواب العموم المساعدين الثلاثة (المستشارون: مصطفى سليمان، زكريا عبد العزيز سليمان، وعلي عمران)، إلى حين ترشيح مجلس القضاء الأعلى أحد القُضاة، ليصدر به قرار من رئيس الجمهورية. وتنص المادة (189) من الدستور، على أن "النيابة العامة جزء لا يتجزّأ من القضاء، تتولّى التحقيق وتحريك، ومُباشرة الدّعوى الجنائية، عدا ما يستثنيه القانون، ويحدِّد القانون اختصاصاتها الأخرى. ويتولّى النّيابة العامة نائب عام، يختاره مجلس القضاء الأعلى، من بين نواب رئيس محكمة النّقض، أو الرؤساء بمحاكم الإستئناف أو النواب العامين المساعدين، ويصدر بتعيينه قرار من رئيس الجمهورية لمدة أربع سنوات أو للمدة الباقية حتى بلوغه سِنّ التّقاعد، أيهما أقرب، ولمرة واحدة طوال مدة عمله". وهناك عدّة أسماء قد تكون من بين المرشّحين لتولي منصب النائب العام، خلفا للمستشار هشام بركات، من بينهم المستشار زكريا عبد العزيز عثمان، الرئيس بمحكمة استئناف القاهرة، والمنتدب للقيام بأعمال المحامي العام الأول، المستشار مصطفى سليمان، المحامي العام الأول بالمكتب الفنّي للنائب العام، المستشار عمر مروان، رئيس المكتب الفني بمحكمة استئناف القاهرة وأمين عام اللجنة العليا للإنتخابات، والمستشار هشام سمير صبحي، النائب العام المساعد ورئيس المكتب الفني.