اختيار د. كمال الجنزورى رئيسًا للوزراء خلفًا للدكتور شرف، يعكس حجم الأزمة والحيرة التى أصابت المجلس العسكرى. كان من المفترض، أن يتغير كل شىء بعد الثورة.. وأن نرى وجوهًا جديدة وشابة، تحمل روح الثورة ووهجها وتعبر عن التيار الأساسى الذى صنعها.. غير أن المسألة باتت تشبه إلى حد كبير عملية "تدوير" النظام السابق، وكأن البلد مازال منطقة جغرافية خاليًا من أية كفاءات إلا من "جُرِّبوا" فى الثلاثين عامًا الأخيرة وتحت المظلة الإدارية والسياسية والأمنية للرئيس المخلوع. والجنزورى رجل مسن، وليس بوسع أحد أن يتوقع من رئيس وزراء فى مثل عمره، أن يؤدى عمله بكفاءة أو بربع كفاءة، فيما لم يعد فى مصر من يتحمل استنساخ الحكومات المصرية التى تعاقبت منذ تولى مبارك الحكم عام 1981، حيث تحول مجلس الوزراء إلى دار إيواء للمسنين، ناهيك عن دقة المرحلة الحالية وتعقيداتها، وهى المرحلة الأخطر فى تاريخ مصر المعاصر، وكانت تحتاج إلى كفاءة سياسية شابة قريبة من شباب الثورة وأكثر فهمًا لأحلامهم وأشواقهم. والحال أن الوضع خارج مقر وزارة الدفاع، لم يكن مشجعا على الإطلاق، لمد جسور التواصل، أو الثقة فيما هو مطروح من أسماء وشخصيات، إذ بدت المعارك والصراعات على مقعد رئاسة الوزراء بين النشطاء السياسيين، تشبه إلى حد كبير "خناقات" الأطفال والصبية فى الشوارع، وبادر البعض فى "تقطيع" ملابس البعض الآخر، ولم ير كل من يعتقد فى نفسه بأنه الأنسب، فى الآخر من "المرشحين" للمنصب، أية ميزة أو حسنة تؤهله لخلافة عصام شرف، ولا يرى إلا نفسه منقذا للبلاد والعباد، وعلى النحو الذى دفع صانع القرار إلى الانصراف بعيدا عن المشهد التقليدى وطفق يبحث عن "خليفة" ليس طرفًا فى الصراعات التى تلت إقالة الحكومة.. غير أنه وللأسف لم يجد إلا "دفاتره القديمة" ليخرج منها كمال الجنزورى. اختيار الجنزورى.. قرار يعكس حجم الأزمة، بل ربما يفسر أبعادها، إذ يظل عقل ما قبل الثورة، هو العقل القائم على أدوات تقدير الموقف ورسم السياسات واقتراح الحلول والأفكار، وهى فى مجملها "كارثة" سياسية تدفع فى اتجاه الصدام مع الشارع، لأنها فى حالة قطيعة حقيقية مع روحه ونبضه، فيما تعزز من أواصر علاقات "النسب" مع النظام القديم، وتحمل ذات جيناته الوراثية. ويبدو لى أن جزءا من الأزمة يتعلق بمستشارى المجلس العسكرى، إذ تؤكد التقارير أنهم يمثلون قوى وتيارات فكرية وسياسية لا تبدى أية مشاعر ودودة تجاه الثورة أساسًا، وتمتد أصولهم السياسية والمهنية إلى عهد الرئيس السابق، ويتحمل هؤلاء المستشارون مسئولية الدفع بالبلاد إلى هذا المأزق السياسى الخطير. [email protected]