كنت أتوقع اشتعال ميدان التحرير والعودة للمربع صفر عندما كتبت معارضا الذهاب إليه لرفض وثيقة السلمي وقلت بوضوح إن مكانها الطاولة وليس الشوارع والميادين. ما حدث يومي السبت والأحد وضع مصر في منطقة باهتة من مساحة الربيع العربي. أعطى انطباعا بسقوط الدولة وفراغ السلطة وفشل الثورة، بل وحنين البعض إلى عهد مبارك. فقد وضحت حالة الانقسام التام بين القوى السياسية التي كل همها الوصول إلى الحكم أو التهام جزء من الكعكة. صارت مصر للأسف كعكة يطمع فيها الإسلاميون والليبراليون بدون اعتبار لما يحيط بها من خطر عظيم بسبب سلوكياتهم. في ظل ذلك ومع اختفاء المجلس العسكري والحكومة تماما طوال يومي السبت والأحد.. كيف يأمن المصريون على حاضرهم ومستقبلهم. هل لابد لهم أن يبحثوا عن كبير يقرأ الأحداث جيدا ويتخذ قراراته مبكرا برؤية سليمة وليس متأخرا إلى الساعة 25 .. أي في الوقت الضائع! لا أظن أن أحداث ميدان التحرير يومي السبت والأحد ثورة. ولست مع تشبيهها بالميدان قبل 11 فبراير الماضي عندما تنحى مبارك، فقد شهدنا مخربين يحطمون ملكيات عامة مثل سيارة الجوازات بطريقة موغلة في الانتقام والإشارة بعلامة النصر، ومتظاهرين لديهم إصرار عجيب على السير في شارع محمد محمود مهما كلفهم من ضحايا لاقتحام مبنى وزارة الداخلية. اقتران الثورة بالتخريب والقتال ضد المؤسسة الأمنية سواء تابعة للشرطة أو للجيش، أكبر خطر عليها. وكان من الممكن تجنب ذلك لو فكر العقلاء في مليونية الجمعة الماضية بوعي وقياس متوازن للأرباح والخسائر. من مصلحة بعض القوى تأجيل الانتخابات أو الغائها وتشكيل ما يسمى حكومة إنقاذ أو مجلس رئاسي واطالة المرحلة الانتقالية عدة سنوات خوفا من سيطرة الإسلاميين.. فما هي مصلحة الإخوان والسلفيين الذين احتشدوا في الميدان، رغم أن فوزهم بالانتخابات يمنحهم أكثر الأوراق تأثيرا على مستقبل مصر؟! أما أهل الحكم فقد غابوا تماما أو كانوا يظهرون بهدف واحد وهو زيادة النار اشتعالا ثم يختفون كأنهم فص ملح وذاب. وثيقة السلمي جاءت في وقت غير مناسب كأن الهدف منها ضرب الاستقرار الذي عادت بعض ملامحه مؤخرا، وكأنها تدعو مظاهرات واعتصامات ميدان التحرير والاحتقان من الشرطة إلى العودة من جديد. هل توجد حكومة في العالم تدفع بوثيقة تكرس الانقسام بين الجميع قبل انتخابات برلمانية مهددة بالتفجير أصلا. إنه إصرار غريب على الساعة 25 التي أسقطت نظاما ديكتاتوريا بوليسيا راسخا عمره 30 عاما. ثم يأتي السلمي يوم السبت والحرب على أشدها في ميدان التحرير ليعلن بنود الوثيقة المعدلة أثناء لقائه بالمجلس الأعلى للصحافة، ويؤكد يوم الأحد التمسك بها بدلا من فك الاشتباك بتأجيل مناقشتها إلى ما بعد الانتخابات. ويبدو أن السلمي مجرد "مرسال" يحمل وثيقة مكتوبة أصلا من المجلس العسكري أو على الأقل كتب بعض بنودها المثيرة للجدل خصوصا تلك التي تعطيه حصانة تعليه فوق البرلمان والمؤسسات الدستورية الأخرى، ولذلك وافق على تعديل تلك البنود قبل مليونية الجمعة ثم عاد وسحب ما اتفق عليه. الثورة الآن في مفترق طرق. الشعب لا يجد سلطة يسألها الانقاذ. والسلطة غائبة تماما إلا على فترات تفتقد فيها التركيز والقرارات السليمة كأنها في قارب تتقاذفه المياه الهائجة بلا أمل في النجاة. والثوار صاروا خليطا من الحقيقيين والدخلاء. لا يمكن وصف من حرق مبنى حي الأربعين وسرق منه 100 جهاز كمبيوتر بأنهم ثوار.. مصر بالفعل مقبلة على الساعة 25 ما يعني أنها أصبحت على مسافة أمتار قليلة من الإنهيار التام. [email protected]