كفيف وقعيد ومشلول وشهيد ومعتقل بسجون إسرائيل أغرب حالات معتقلي السجون المصرية.. حقوقيون يكشفون الأسباب.. وخبير أمنى: وجود تلك الحالات خلف القضبان هدفها الإيقاع بالنظام شهيد حُكم عليه، أعمى يقنص ضابطًا، ويخرب، تُهم لحقت بحالات فى السجون المصرية والتى يقف الجميع أمامها لحظات وسط تساؤلات كثيرة، ففى مصر وخاصة خلال الأربع سنوات الماضية، ارتبطت كلمة سجون بالتعذيب والموت وأنها جدران الموت البطيء، لكن الأغرب هو أنه فى الأيام الأخيرة ضمت السجون والقضايا أغرب الحالات والتهم الموجهة للمعتقلين، فشر البلية ما يضحك، لأنها مليئة بالعديد من الحالات الغريبة التى لا يصدقها عقل ولا يقتنع بها منطق، والتى وتضاربت الآراء بشأنها بأن من أسبابها هو القبض العشوائى للأشخاص وهدفها الإيقاع بالنظام. قناص «كفيف» لكن كيف لشخص يعانى منذ 18 معاناة شديدة ويقول «لأنى قد حرمت نعمة البصر وأحتاج فى حركتى إلى من يتحرك معى فى الليل أو فى النهار، أريد محاكمة علنية أمام العالم كله، أريد تدخل من يهمه الأمر فى العالم كله فى قضية أتهم فيها رجل كفيف بالضرب والتكسير وحمل السلاح وقطع الطريق»، هى رسالة أرسلها الشيخ ربيع أبو عيد، معتقل بسجن «جمصة» شديد الحراسة منذ منتصف يناير 2014، بتهمة تكسير وترهيب وحمل سلاح أبيض وقطع طريق واستعراض قوة وقنص ضابط شرطة وذلك فى القضية رقم 17248 لسنة 2013 جنايات مركز دمياط المقيدة برقم كلى 328 لسنة 2014 المعروفة ب«قضية الشارع الحربي»، والمتهم فيها 23 شخصاً آخر فهذه هى التهم التى وجهتها النيابة العامة للشيخ الذى لم يمنعه فقدانه للبصر من ارتكابها، بحسب رواية النيابة. «ربيع أبو عيد» أحد أكبر علماء مصر فى علم القرآن والحديث، حاصل على إجازة فى القراءات العشر ودراسات عليا فى علوم الحديث، عضو الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين، صاحب مدارس تحفيظ القران فى محافظة دمياط، ابتلاه الله فهو كفيف، ووفقًا لاتفاقية الاتحاد العالمى للمكفوفين، فإن المادة 7 والمتعلقة بالحق فى الحماية والمساواة العادلة تضمنت «حق الحماية من كل أشكال العنف والتعذيب والقسوة والتحقير والعقاب على يد أى من مؤسسات الدولة، لما للمكفوفين وضعاف البصر من حساسية خاصة ضد الإساءة». إلا أنه تم الحكم على الشيخ بالحبس المشدد 15 عامًا غيابيًا برغم من أنه معتقل فى الأساس، حيث تم الحكم فى هذه القضية بدون متهمين وبدون حضور المحامين وذلك بتهمة قنص ضابط، وبحسب أطباء أن من مواصفات القناص الناجح قوة النظر، وحتى استخدامات النظارات الطبية قد تكون عائقاً، كما أن عمى الألوان من المعوقات، حيث يصعب على من يعانيه اكتشاف الأهداف المختفية وسط البيئة الطبيعية. ومعتقل أيضًا على ذمة قضية أخرى هى حيازة منشورات وإهانة الجيش والتى حكم فيها عليه ب6 أشهر وغرامة وكفالة. ومن جانبه، قال الحقوقى محمد زارع، إن القضية إن دلت فإنما تدل على مدى الثقوب الخطيرة بتحريات المباحث، والتى تتسبب فى إخلال، مشيرًا إلى أن هذا الشيخ لابد أن يتقدم محاميه ببلاغ للنائب العام للإفراج عنه على الفور وأيضًا يتقدم للنقض فى هذه القضية المثيرة للسخرية. وأكد أنه على الجهات المختصة سرعة الإفراج عنه خصوصًا أن التهمة المستندة إليه يستحيل أن يكون قد نفذها فعلاً وإلا سنكون نحن المكفوفين إذا رأينا عكس ذلك. معتقل لا يمشى حيث يسجن محمد رفعت إبراهيم علي، بسجن جمصة حُكم عليه بسنتين حاصل على بكالريوس نظم ومعلومات، وبالكشف الطبى على محمد أكد الأطباء أنه يعانى من شلل أطفال قديم أدى إلى ضمور شديد بعضلات الطرف السفلى الأيسر، وقصر به 10 سم على سقوط جزئى بالقدم اليسرى مع ضمور متوسط بالطرف الأسفل الأيمن مع اعوجاج بالعمود الفقرى والحوض وعدم القدرة على المشى دون عكاز بناء على تقرير الكشف الطبي. «محمد» المصاب بشلل نصفي، يشتكى من صعوبة دخوله دورة المياه، وإدارة السجن بجمصة ترفض دخوله بالعكازات، رغم أنها الطريقة الوحيدة التى تساعده فى الدخول، فضلاً عن أنه يعانى من آلام شديدة فى العمود الفقرى بسبب التعذيب الذى يتعرض له. وبحسب أقربائه، فأنه بالتالى والدته كل يوم تتدهور حالتها الصحية بسبب ما يتعرض له ابنها من انتهاكات ولم يعد على لسانها غير أن تذكر ابنها محمد وتنادى عليه عندما تفيق من نوبة السكر. نساء يحملن «آر بى جي» ولم تسلم النساء من الاتهامات الخيالية التى تلحق بعدد من المعارضين للسلطة، حيث وجهت النيابة العامة لفتاة لم تتجاوز من العمر 17 عامًا تهمة حمل سلاح «آر بى جي»، ومواجهة قوات الشرطة بها. وهذه التهمة نفسها وجهها القضاء المصرى للأختين «رشا وهند منير»، حيث وجهت لهما النيابة تهم «حيازة سلاح، والتعدى على حظر التجوال، وترويع المواطنين الآمنين»، والتى أصدر بحقهما الحكم بالسجن المؤبد لهما. كما أن رشا، توفى زوجها محمد عابدين أثناء وقوفه فى طابور الانتظار لزيارتها فى سجن القناطر، إثر إصابته بضربة شمس بصحبة ابنتيها. رغم الأسر والموت.. متهمون والأغرب أن الوفاة والأسر لا يمنع الكثيرين من ارتكاب الجرائم، ففى قضية الهروب من سجن وادى النطرون، أصدرت محكمة جنايات القاهرة أحكامًا بالإعدام على 3 شهداء فلسطينيين ماتوا قبل ثورة يناير، التى يعود إليها تاريخ الواقعة، ومن بين هؤلاء الشهداء إبراهيم الصانع الذى استشهد يوم 27 ديسمبر 2008، والشهيد تيسير أبو سنيمة الذى استشهد فى أبريل 2011، أثناء العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة فى ذلك الوقت. ولم يقتصر الأمر عند الموتى، بل طال الاتهام من يقبعون فى سجون الاحتلال الإسرائيلى الآن مثل حسن سلامة، أحد أبناء حركة المقاومة الإسلامية حماس، الموجود فى سجون الاحتلال منذ عام 1996. ولم تكن حالات اتهام الموتى والمعتقلين مقصورة على قضية وادى النطرون، بل سبق ذلك حالات أخرى مماثلة، ففى 19 فبراير 2014، أصدرت محكمة جنح الإسكندرية حكمًا على جمال ماضي، أحد قيادات الإخوان المسلمين فى محافظة الإسكندرية، بحبسه 3 سنوات وتغريمه 50 ألفًا، رغم أنه قد توفى منذ 2 أكتوبر 2013، وذلك بعد إدانته بالتحريض على أحداث عنف وقعت بمنطقة باب شرقى الإسكندرية. وفى 28 إبريل من العام نفسه، قضت محكمة جنايات المنيا بالسجن المؤبد (25 عاما)، على إبراهيم محمود عبد الحميد، المتوفى فى 2011، بعد أن تمت إدانته، بحسب المحكمة، فى أعمال شغب وعنف فى محافظة المنيا. وفى 6 أغسطس الماضي، قضت محكمة جنايات الجيزة، بإعدام محمد الغزلاني، أحد قيادات الإخوان بمدينة كرداسة، والمتوفى فى فبراير 2014، بعد إدانته بقتل مسئول أمنى رفيع، واقتحام قسم شرطة فى كرداسة بالجيزة. وفى 15 سبتمبر الماضي، قضت محكمة جنايات الجيزة بالسجن المؤبد على «أبو الدهب حسن»، المتوفى فى 22 يناير 2014، وهو أحد قيادات جماعة الإخوان المسلمين بالجيزة، فى القضية المعروفة إعلاميًا ب«أحداث البحر الأعظم»، بعد إدانته بأحداث شغب وعنف التى وقعت فى يوليو 2013 فى الجيزة. حقوقيون: تسييس القضاء والقبض العشوائى.. الأسباب الرئيسية وسط التساؤلات الكثيرة حول ما يمكن أن تلصق تلك الاتهامات بأشخاص إما هم معتقلون فى الأصل أو شهداء أو يعانون من إعاقة أو غيرها، ويرى الحقوقيون أن الأمر لديه عدة أسباب ولكن أهمها هو القبض العشوائى والقضاء المسيس، حيث قال أحمد مصيلحي، المحامى الحقوقى والخبير القانوني، إنه تم القبض على مجموعة كبيرة بشكل عشوائى وغير قانونى بعد الثورة وصدرت ضدهم أحكام بطريقة متسرعة فلم تتوفر محاكمات عادلة لكل من تم القبض عليهم وتم إهدار مبادئ العدالة من سماع شهود وتحريات مباحث وغيرها. وأشار «مصيلحي»، فى تصريحات خاصة ل«المصريون»، إلى أنه فى غالبية الأحداث الشهيرة كأحداث ماسبيرو ومجلس الوزراء وغيرها تم القبض العشوائى على العديد فهناك أشخاص بمجرد تواجدهم فى أى مكان يتم القبض عليهم، مؤكدًا أن تقديم الأطفال والمعاقين أمام المحاكم الجنائية والعسكرية مخالف للدستور، قائلاً: «هناك إهدار لمبادئ العدالة فى محاكمة المتهمين». وأضاف، أن الاعتماد على كاميرات الفيديو لإثبات التهم على المتهمين غير كاف، بالإضافة إلى التصاق تحريات المباحث بمأمور الضبط القضائى فالضابط الذى يقوم بالتحريات عن الأشخاص هو نفسه الذى يقبض عليهم مما يعد إهدارًا لمبادئ العدالة فمن المفترض التزام السرية فى الأفراد الذين يقوموا بالتحريات، فغالبًا ما يكون الشهود هم من حرروا المحضر وبالتالى يتم إثبات التهم، مطالبًا بإجراء التحريات عن طريق جهاز منفصل عن وزارة الداخلية. ومن جانبه، قال محمد أبو ذكري، مدير مركز نضال، إن هناك تراخيًا فى القضاء المصرى وتم تسييس القضاء فهناك العديد من الأشخاص يتم اعتقالهم نتيجة آرائهم السياسية مثل ربيع أبو عبد الله، الشيخ الأزهرى الكفيف، الذى تم اعتقاله بتهمة قتل ضابط لمجرد إنه إخواني، مشيرًا، إلى أن النيابة لم تعد تحقق بشكل حقيقى ولا القاضى يرى الحالات بشكل منطقي. وأضاف «أبو ذكري»، فى تصريحات خاصة ل«المصريون» أن القضاة لا يطبقون نصوص المحاكمة العادلة فقط ينفذون نصوص المواد القانونية كما هي، قائلاً: «نحن فى دولة يقتل فيها الراعى بسهولة وبالتالى القاضى يحكم بسهولة». أمنى: هذه الحالات هدفها الإيقاع بالنظام وعلى الصعيد الأمني، قال اللواء عبد الرحيم السيد، الخبير الأمني، إن القضاء المصرى أصبح محل استهزاء من جميع دول العالم بعد أن فقد ثقة الشعب فيه، مشيرًا أنه بسبب الأحكام الأخيرة على بعض الحالات التى لا تستوجب حالتها الصحية صدور تلك الأحكام الصادرة ضدها، خاصة أن العدالة يجب أن تكون معصوبة العنين ومنفصلة عن السياسة. وأشار «السيد»، فى تصريحات خاصة ل«المصريون»، إلى أن ما يحدث ليس فى صالح النظام ويؤدى إلى انتقاص منه وعدم الثقة فيه بالداخل والخارج، لأن ابسط قواعد العدالة أن يدافع المتهم عن نفسه أو أن يوكل محاميًا للدفاع عنه فى حالة إعاقته، مؤكدًا أن بعض الجرائم التى يتم إلصاقها ببعض المتهمين يستحيل وقوعها. وأضاف «الخبير الأمني» أن هذه الحالات من المعتقلين هدفها الإيقاع بالنظام، لأنها عنوان الظلم وتسييس القضاء ومن الممكن أن تؤدى إلى قيام ثورة كاملة فيجب الانتباه أن من أهم أسباب قيام ثورة 25 يناير تطهير القضاء، مؤكدًا أنه إذا لم يكن هناك تطبيق للعدالة يلجأ الأشخاص إلى أعمال إرهابية انتقامية.