صدر عن وحدة الدراسات المستقبلية بمكتبة الإسكندرية، العدد الخامس من سلسلة "مراصد"، ويضم دراسة بعنوان "المستشار طارق البشري ورحلته الفكرية: في مسار الانتقال من الناصرية إلى الإسلام السياسي"، للباحثة آنجيلا جيورداني. وتبين الدراسة أن البشري بدأ مع عدد من معاصريه، أمثال محمد عمارة وعبد الوهاب المسيري وفهمي هويدي وعادل حسين، بتبنى الدفاع عن مواقف سياسية واجتماعية إسلامية في أواخر عهد السادات، بعد نحو ما يقرب من عقدين كانوا خلالهما يمثلون وجوه اليسار المصري ومنتقدي الجماعات السياسية - الدينية في البلاد. وتقول الباحثة إن البشري تمكن بشكل خاص من بلوغ مكانة فريدة في الساحة الثقافية الوطنية منذ أعاد اكتشاف نفسه في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات كصوت وسط بين الإسلاميين المصريين والاتجاهات العلمانية" هذه المكانة وضعت البشري في موقع الحليف المرغوب والزعيم المحتمل لجماعات مثل حزب "الوسط" وحركة "كفاية". وتبين آنجيلا جيورداني أن مشروع الاستقلال الوطني بالنسبة لطارق البشري وجيله ولد عام 1956، عندما أعلن جمال عبد الناصر أمام مواطنيه أنهم سادة مصيرهم، ثم أثبت ذلك حين سلمهم قناة السويس وطرد الإمبرياليين الغربيين. وترى الباحثة أن مقالات البشري في مجلة "الطليعة" اليسارية في الستينيات هي التي أرست دعائم شهرته بوصفه "واحدا من أهم الوجوه الشابة التي تمثل جهود المدرسة الاشتراكية العلمية في التاريخ المصري". وتلمح الدراسة التي يضمها العدد الخامس من سلسلة "مراصد" إلى أن التحول الفكري للبشري يتأكد في كلمته الختامية في مؤتمر "القومية العربية والإسلام" عام 1980، والتي يقول فيها :"لا غنى عن الإسلام ليحافظ المصري على عروبته". وتبين أنه بهذا الإقرار، يعلن البشري أن بناء هوية مصرية وعربية مستقلة مستحيل من دون الإسلام، وأن هذه الخاتمة تتضمن الانقطاع الوحيد الذي حصل بين فكر البشري الماركسي وفكره الإسلامي الجديد. وتشير الباحثة إلى أنه بانتهاء الألفية الثانية ومعها العقد الثالث من حكم الرئيس السابق حسني مبارك، تغير تركيز البشري من التأكيد على سلطة الإسلام والشريعة باتجاه ما رآه هو والمجتمع المصري كقضية أكثر إلحاحا لنفى سلطة النظام القائم بهدف تفكيكه. ففي كتابه الجريء المنشور عام 2006، "مصر بين العصيان والتفكك"، دعا البشري إلى العصيان على قاعدة أن نظام مبارك أصبح قمعيا ومنفصلا عن شعبه" بحيث أوشك في مرحلة أن يتحول إلى قوة إمبريالية تحتل مصر. وتقول الباحثة إن تعاضد الدور البسيط نسبيا الذي لعبته جماعة "الإخوان" مع الوجود القوي لأصوات يسارية راديكالية في صبغ ثورة (25 يناير) بصبغة يسارية، على الأرجح أنها أثارت لدى البشري القلق من اختطاف محتمل للثورة من قبل الوافد، وظهر ذلك في التعديل المقترح للمادة 75 التي تحظر على كل المصريين الذين لهم أي شكل من الروابط مع الوافد - سواء كانت جنسية ثانية أو زوجة أجنبية - تولي الرئاسة. وتشير الباحثة إلى أن مقياس المحافظة في مقاومة الوافد الذي اتخذه البشري والذي كان أكثر ما أثار الجدل هو موافقته على تعديل دستور 1971 بدل إلغائه. وتختتم الباحثة الدراسة بالتأكيد على أن تحركات البشري ونتائج الاستفتاء الدستوري الذي تم في مارس الماضي تفترض أنه لا البشري ولا غالبية المصريين على استعداد لإنكار مكانة الشريعة بوصفها سلطة في النظام الجديد. وتضيف :"يتبقى بعد أن نرى كيف ستتم إعادة التفاوض بشأن هذه السلطة عندما تتحول الثورة إلى نظام جديد للحكم". يذكر أن "مراصد" هي سلسلة كراسات علمية محكمة تعنى برصد أهم الظواهر الاجتماعية الجديدة، لا سيما في الاجتماع الديني العربي والإسلامي. وتصدر "مراصد" عن وحدة الدراسات المستقبلية، ورئيس تحريرها هو الباحث حسام تمام" الذي رحل عن عالمنا مؤخرا عن عمر ناهز الاربعين عاما، ويشرف عليها الدكتور خالد عزب" مدير إدارة الإعلام بمكتبة الإسكندرية، وتتولى سكرتارية التحرير أمنية الجميل.