يدور في إسرائيل سجال واسع حول ما إذا كانت إسرائيل قررت مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية عسكريا أم لا. وبرغم أن النقاش حول المشروع النووي الإيراني، وسبل تعامل إسرائيل معه، كان موضوعا على الطاولة منذ وقت طويل، إلا أنه في الأيام الأخيرة ارتدى لباسا أكثر جدية من أي وقت مضى. ويبدو أن خروج النقاش إلى العلن يخدم أغراضا داخلية أو خارجية مزدوجة. الرئيس السابق لجهاز الموساد الإسرائيلي مئير داغان، والذي كان مسؤولا عن إحباط المشروع النووي الإيراني، كان أبرز من أثاروا المسألة، بتحذيره من مخاطر إقدام إسرائيل على توجيه ضربة عسكرية لإيران. بل إن داغان خالف الانطباع الذي تخلقه إسرائيل بأن إيران تحث الخطى لامتلاك السلاح النووي في أقرب وقت، وتحدث عن أن امتلاك هذا السلاح لا يزال بعيدا وأمامه عوائق شتى. وانفجر الأمر بحدة أكبر قبل أيام عندما أوحى كبير معلقي «يديعوت أحرونوت»، ناحوم بارنيع، بأن لديه معلومات تشير ربما إلى صدور قرار بتوجيه ضربة عسكرية لإيران خلافا لرأي قادة الأذرع الأمنية الأربع الكبرى في إسرائيل، رئيس الأركان، رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، رئيس الموساد ورئيس الشاباك. وأوحى تغيير القادة الأربعة في وقت متقارب، وخلال فترة قصيرة، بوجود مؤامرة بين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووزير دفاعه إيهود باراك، لتوجيه الضربة العسكرية لإيران لاعتبارات قد لا تكون جوهرية ومن دون دراسة العواقب الخطيرة. وبدا أن الهدف الأساس من مقالة بارنيع إثارة النقاش في إسرائيل حول موضوع مصيري إلى هذا الحد ليس في جوانبه العملياتية بل في أساسياته السياسية والفكرية. وبيّن بارنيع في لقاء تلفزيوني يوم أمس أنه يعلم الكثير مما لا يستطيع قوله وغير مسموح قوله ولذلك ينبغي فتح نقاش عام حول المسألة. وشدد في هذا اللقاء على أن نجاح إسرائيل في توجيه ضربتين لمشروعين نوويين عربيين «باردين» في كل من العراق وسوريا لا يعني النجاح في المرة الثالثة ضد مشروع إيراني هائل و«ساخن». بل إن بارنيع عاد أمس في مقالته «المسدس في الفصل الأول» إلى مناقشة الأمر من خلال تأكيده ما نشرته «يديعوت» من مقالات حول المسألة حتى من وزراء سابقين تؤكد أن الهجوم على إيران يلحق بإسرائيل «ضررا لا يمكن إصلاحه». وأشار بارنيع إلى أن «كل شيء يبدأ بمسألة الثقة. اذا قبلنا المزاعم المنسوبة الى نتنياهو وباراك فربما أننا نخطو نحو مواجهة عسكرية مع ايران. يقول نتنياهو ان (الرئيس الايراني محمود ) احمدي نجاد يشبه هتلر. وهو يصف مكافحة ايران بأنها رسالة حياته. وإسرائيل كما يرى باراك لا تستطيع التسليم بوجود قوة ذرية معادية في مدى اطلاق صواريخ من اراضيها». وأشار بارنيع إلى أن «نتنياهو وباراك لم يتكلما فقط بل أحدثا الشعور بأهمية الموضوع لدى قدماء المؤسسة الأمنية، ممن يرون أن عملية عسكرية مكشوفة اجراء كلفته أكبر كثيرا من جدواه وهو اجراء غير مسؤول وخطير. وآخرون على ثقة من أنه تكمن خدعة وراء كل الكلام وكل الاستعدادات. فالاثنان يلوحان بعملية عسكرية لاقناع الولاياتالمتحدة لزيادة ضغطها على ايران، لا أكثر. فالحديث عن حيلة. وكذلك تنظر حكومات في العالم، تتابع اسرائيل وإيران بتأهب مفهوم، الى عملية عسكرية في شك». ولكن بارنيع يأخذ خطة الرئيس المصري أنور السادات في حرب تشرين 1973، ليقول بأن خطة التحريك قد تنتقل لتغدو خطة فعلية. ويرى أن هذه هي الحال في القضية الحالية، «فالمسدس الموضوع على الطاولة في الفصل الاول يوضع احيانا من اجل التهديد أو من اجل الزينة أو من اجل العرض فقط. وبرغم ذلك ينبغي عدم استبعاد أن يطلق النار في الفصل الثالث». وفي «هآرتس»، أشار سافي رخلفسكي في مقالة بعنوان «قبل الهجوم على ايران» إلى أن المؤسسة الأمنية في إسرائيل ليست مبنية على أساس أن تكون كابحا لقيادة سياسية متطرفة لوقت طويل. ورأى ان هذه هي حال إسرائيل اليوم في كل ما يتعلق بإيران، «فجميع قادة الأذرع الامنية – رئيس هيئة الاركان ورئيس الموساد ورئيس الشاباك ورئيس شعبة الاستخبارات (أمان) ورئيس لجنة الطاقة الذرية – ممن يتولون اعمالهم الآن وممن تولوها قبل زمن – يعارضون بشدة هجوما على ايران الآن، أما بنيامين نتنياهو وإيهود باراك فيُخيل اليهما انهما يستطيعان وحدهما أن يجرا شعبا كاملا الى معركة طويلة كثيرة الضحايا». وبعد أن يعدد رخلفسكي لقاءات نتنياهو السرية مع قادة «شاس» يقول إن «الأنباء التي تتدفق من أعالي الجهاز عن احتمال عملية قبل الشتاء بلحظة يمكن بصعوبة ان تستخدم حيلة لتخويف العالم. لكنها تُعود ايضا على فكرة الهجوم. وأشد من هذا انه من المغري الالتفاف على معارضة القيادة الامنية بنقاش متعجل مضغوط ومزور «وكأنه اللحظة الاخيرة قبل الغيوم» – مثل الحديث مع الحاخام يوسف – في حين ان مكوث الأميركيين الإشكالي في العراق قد يستخدم اغراءً لمحاولة جرهم الى معركة تخالف رغبتهم باعتبار أن هجوما وقع عليهم. يجب على القوى المتزنة ان تضغط على الكابح إزاء التاريخ». وليس صدفة أن صحيفة «اسرائيل اليوم» المقربة من نتنياهو اتخذت خط الدفاع عنه. فكتب محرر الشؤون الدولية فيها بوعز بسموت بعنوان «نظريات اليوم التالي تضر بأمن الدولة» أن «أحد الانجازات الكبيرة لسياسة اسرائيل الخارجية في السنين الاخيرة هو دفع الغرب الى مكافحة الذرة الايرانية. ففي واشنطن وباريس ولندن وبرلين اليوم يرون في ايران الذرية تهديدا لسلامة العالم ومسا بأمن مواطنيها. بل نشأ لنا في العالم العربي «شركاء» في النضال المعلن والخفي للمشروع الذري لنظام آيات الله. فدول الخليج الست برئاسة السعودية لا يروق لها الواقع الجديد الذي هو ممكن بيقين وهو انه يوجد عراق ضعيف من جهة ومنقسم وبلا وجود أميركي، ومن جهة ثانية – ايران ذرية. هذا السيناريو المرعب أخذ يكتسي لحما وعظاما». وأشار بسموت إلى أن «واشنطن لا تستطيع تجاهل مصالح حلفائها في المنطقة وهذا مؤكد بعد التخلي عن مبارك في مصر. لم يكن النبأ المنشور البارز أمس في نيويورك تايمز مفاجئا على نحو خاص. ان ادارة اوباما تخطط لتعزيز الوجود الأميركي في الخليج عامة، وفي الكويت خاصة، بعد الانسحاب من العراق حتى نهاية السنة. وسبب ذلك تدهور الوضع الامني في العراق أو مجابهة مع ايران». وحمل بسموت على صحيفة «يديعوت» التي خصصت على مدار يومين صفحات عديدة لمقالات وكتاب وآراء حول «اليوم التالي» للهجوم العسكري الإسرائيلي على إيران. وكتب «كم هي مفارقة ان الدولة المهددة مباشرة وحدها من قبل ايران، والدولة التي وجودها ما يزال مشكوكا فيه، والدولة التي قوة ردعها هي التي تبقيها حية – يجب عليها اليوم ان تواجه قدرا وافرا من الأنباء المنشورة في طائفة من وسائل الاعلام هنا عن اليوم التالي (الذي يلي الهجوم). وليس واضحا البتة هل ستتم مهاجمة ايران، لكن التأثيرات الكارثية في ظاهر الامر أصبحت واضحة لنا. وليس من المؤكد هل يفهم المواطن الاسرائيلي بعد التحليلات الصحفية ما هو أفضل له: إيران ذرية أم ايران مقصوفة». وكانت «يديعوت أحرنوت» قد نشرت مقالة مطولة لمعلقها الأمني الأبرز، رونين بيرغمان بعنوان «الهجوم على ايران: اليوم التالي». وكتب أن قصف المشروع النووي الإيراني تم وأنجز ولكن القصة لم تنته بل ابتدأت. وبعد أن يبين أن كلاً له ضلع في الشأن الإيراني يوافق على أن الخيار العسكري يجب أن يكون الخيار الأخير وبعد استنفاد كل الضغوط السياسية والاقتصادية، يشير إلى أن للهجوم العسكري عواقب معقدة. فمن ناحية لا يؤخر الهجوم الإسرائيلي المشروع الإيراني لأكثر من 3-4 سنوات لأن المشروع الإيراني موزع ومعقد وحصين. وفضلا عن ذلك القوة الإسرائيلية محدودة ولا يمكنها أن تركز على كثير من المواقع النووية الإيرانية. وهذا يثير احتمالات سقوط عدد من الطائرات الإسرائيلية وأسر طياريها من قبل الحرس الثوري الإيراني. وهنا تبرز المخاطر حيث إن أي ضربة جوية لن تلغي الخبرات التي راكمتها إيران في هذا الشأن. ولا يقل أهمية أن إيران سوف ترد أولا بالخروج من نظام الرقابة الدولية لمشروعها النووي وستعمل على الوفاء بتهديداتها بالرد على إسرائيل. ومعروف أن إيران لا تمتلك فقط قدرات صاروخية على أراضيها بل يمكنها تفعيل حلفائها سواء في لبنان أو فلسطين أو حتى في سوريا. وكل هذا إضافة إلى الإدانة الدولية التي قد تمس بعلاقات إسرائيل مع أوروبا وربما قطعها مع كل من الصين وروسيا. أما المحرر الأمني في «هآرتس» أمير أورن فحاول المقارنة بين حرب العام 1956 ضد مصر والمسماة إسرائيليا بحرب «قادش» والحرب الجديدة التي يزمع نتنياهو وباراك خوضها ضد إيران. ورأى أن «عملية اسرائيلية موجهة ضد المشروع النووي الايراني قد تسترجع جانب الواجب من عملية قادش من غير جانب الحق. وهذا الخوف يكمن في أذهان معارضي المغامرة التي يقدرون أنها أكبر من قوة اسرائيل الهجومية والدفاعية والسياسية؛ ولقد قيل ان باراك ليس (موشيه) ديان وإن نتنياهو ليس (ديفيد) بن غوريون. ان بيريز وحده، الذي ليس رئيسا تمثيليا فحسب (كما كان اسحق بن تسفي إبان عملية كديش) ما يزال هناك وما يزال مؤثرا – في الاتجاه العكسي هذه المرة – وإن لم يكن حاسما ايضا. لم يعد في مسرح القرارات المصيرية كاتب مسرحيات أو مخرجا أو منتجا أو ممثلا. انه يشبه زائرا جليل الشأن يبحث المشاركون في العمل الابداعي عما يخرج من فمه قبل ان يعرضوا المسرحية على الجمهور ليحكم عليه. ان نقدا قاتلا منه على التكرار الجنرالي يمكن ان يؤخر موعد العرض الاول بل ان يلغي العرض. اذا كان ناقدا لا هامسا؛ وسيجب عليه قريبا ان يرفع صوته». وكان سكرتير اسحق رابين السابق إيتان هابر أشد وضوحا في تعليقه ضد الهجوم في «يديعوت» حيث كتب أنه «حسب منشورات معينة، يرى نتنياهو في هذا الموضوع مهمّة حياته ويقتبس عنه أنه يرى نفسه مثل تشرتشل ملزم بإنقاذ البشرية من هتلر القرن الحادي والعشرين. ايهود باراك يفكر مثله. من ضد؟ تقريبا كل قادة المؤسسة في الماضي وفي الحاضر، ممن يرون في الهجوم امكانية لكارثة وطنية. برأيهم، الايرانيون سيشرعون في حرب تستمر لسنوات وأجيال، ولن يضعوا سلاحهم الى أن تباد اسرائيل. احدى الفرضيات هي أن كل الجيوش العربية تقريبا «ستقفز» على الفرصة للتخلص منا». نقلا عن السفير