قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان: "ليس لدينا مشكلة مع الشعب الأرميني، المشكلة هي الحكومة الأرمينية، واللوبي الأرميني، ويجب إدراك ومعرفة ذلك بشكل جيد". جاء ذلك في معرض رده على أسئلة الصحفيين في مطار أسن بوغا الدولي في أنقرة، قبيل توجهه إلى الكويت. وردًا على سؤال أحد الصحفيين حول تقييمه لتصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الداعمة للمزاعم الأرمنية، من خلال استخدامه كلمة ال"الإبادة العرقية" في وصف أحداث عام 1915، خلال مشاركته بمراسم أقامتها الحكومة الأرمينية في العاصمة يريفان، حيث أشار أردوغان إلى أن روسيا ليست المرة الأولى التي تستخدم فيها هذا الوصف، معربًا عن حزنه وانزعاحه لاستخدام بوتين بالذات لهذا الوصف.
وقال أردوغان: "إذا كانوا يتخذون خطوات في مسائل الإبادة العرقية، فعليهم أن يضعوا تاريخ روسيا على طاولة البحث، ولا داعي للرجوع إلى الماضي كثيرًا، فالأحداث الجارية في أوكرانيا، وشبه جزيرة القرم، وفي دونيتسك، ولوهانسك، ماثلة أمام أعيننا".
وجدد الرئيس التركي، دعوته لإنشاء لجنة مشتركة من المؤرخين، وفتح أرمينيا لإرشيفها، وكذلك أراشيف الدول الأخرى، للجنة لإجراء دراساتهم، مؤكدًا أن أرشيف بلاده مفتوحة، منتقدًا الاتحاد الأوروبي الذي دعا تركيا إلى فتح أرشيفها، رغم إعلانهم مرارًا فتح الأرشيف العثماني منذ فترة طويلة.
وتساءل أردوغان عن الأدلة التي تستند إليها أرمينيا، وفرنسا المؤيدة لمزاعم "يريفان" حول مقتل مليون و400 ألف أرميني في أحداث عام 1915، مؤكدًا أنه يتحدث استنادًا إلى أرشيف بلاده حول هذا الموضوع.
ما الذي حدث في 1915؟
تعاون القوميون الأرمن، مع القوات الروسية بغية إنشاء دولة أرمنية مستقلة في منطقة الأناضول، وحاربوا ضد الدولة العثمانية إبان الحرب العالمية الأولى التي انطلقت عام 1914.
وعندما احتل الجيش الروسي، شرقي الأناضول، لقي دعمًا كبيرًا من المتطوعينالأرمن العثمانيين والروس، كما انشق بعض الأرمن الذين كانوا يخدمون في صفوف القوات العثمانية، وانضموا إلى الجيش الروسي.
وبينما كانت الوحدات العسكرية الأرمنية، تعطل طرق امدادات الجيش العثماني اللوجستية، وتعيق تقدمه، عمدت العصابات الأرمنية إلى ارتكاب مجازر ضد المدنيين في المناطق التي احتلوها، ومارست شتى أنواع الظلم بحق الأهالي.
وسعيًا منها لوضع حد لتلك التطورات، حاولت الحكومة العثمانية، إقناع ممثليالأرمن وقادة الرأي لديهم، إلا أنها لم تنجح في ذلك، ومع استمرار هجمات المتطرفين الأرمن، قررت الحكومة في 24 نيسان/ أبريل من عام 1915، إغلاق ما يعرف باللجان الثورية الأرمنية، واعتقال ونفي بعض الشخصياتالأرمنية البارزة. واتخذ الأرمن من ذلك التاريخ ذكرى لإحياء "الإبادةالأرمنية" المزعومة، في كل عام.
وفي ظل تواصل الاعتداءات الأرمنية رغم التدابير المتخذة، قررت السلطات العثمانية، في 27 مايو/ آيار، من عام 1915، تهجير الأرمن القاطنين في مناطق الحرب، والمتواطئين مع جيش الاحتلال الروسي، ونقلهم إلى مناطق أخرى داخل أراضي الدولة العثمانية.
ومع أن الحكومة العثمانية، خططت لتوفير الاحتياجات الانسانية للمهجّرين، إلا أن عددًا كبيرًا من الأرمن فقد حياته خلال رحلة التهجير بسبب ظروف الحرب، والقتال الداخلي، والمجموعات المحلية الساعية للانتقام، وقطاع الطرق، والجوع، والأوبئة.
وتؤكد الوثائق التاريخية، عدم تعمد الحكومة وقوع تلك الأحداث المأساوية، بل على العكس، لجأت إلى معاقبة المتورطين في انتهاكات ضد الأرمن أثناء تهجيرهم، وجرى إعدام المدانين بالضلوع في تلك المأساة الإنسانية، رغم عدم وضع الحرب أوزارها.
وعقب انسحاب روسيا من الحرب جراء الثورة البلشفية عام 1917 تركت المنطقة للعصابات الأرمنية، التي حصلت على الأسلحة والعتاد الذي خلفه الجيش الروسي وراءه، واستخدمتها في احتلال العديد من التجمعات السكنية العثمانية.
الحاجة إلى ذاكرة عادلة والتفهم المتبادل
وتطالب أرمينيا واللوبيات الأرمنية في أنحاء العالم بشكل عام، تركيا بالاعتراف بأن ما جرى خلال عملية التهجير على أنه "إبادة جماعية"، وبالتالي دفع تعويضات.
وبحسب اتفاقية 1948، التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بخصوص منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، فإن مصطلح الإبادة الجماعية، يعني التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية.
وتؤكد تركيا عدم إمكانية اطلاق صفة الإبادة الجماعية على أحداث 1915، بل تصفها ب"المأساة" لكلا الطرفين، وتدعو إلى تناول الملف بعيدًا عن الصراعات السياسية، وحل القضية عبر منظور "الذاكرة العادلة" الذي يعني باختصار التخلي عن النظرة أحادية الجانب إلى التاريخ، وتفهم كل طرف ما عاشه الطرف الآخر، والاحترام المتبادل لذاكرة الماضي لدى كل طرف.
كما تقترح تركيا القيام بأبحاث حول أحداث 1915 في أرشيفات الدول الأخرى، إضافة إلى الأرشيفات التركية والأرمنية، وإنشاء لجنة تاريخية مشتركة تضم مؤرخين أتراك وأرمن، وخبراء دوليين.