نعم؛ انتخب نفسك أيها الشعب، فقد كثُر المتآمرون عليك، المفسدون لأحلامك وطموحاتك، وقد آن لك أن تهجرهم، وتأخذ زمام المبادرة بنفسك ولنفسك. فانتخب نفسك أيها الشعب، فلن تنفعك نخبة نخبتْ نفسها بنفسها، فلا هي منك ولا أنت منها، إنما هي هناك مع سادتها وأصدقائها، تفكر معهم وبهم وفيهم، فإذا انتهتْ حفلة سمرها، تقاسموا لحمك بألسنتهم الحداد، ونهشوا عرضك بأنيابهم، فإذا رأوك تتهجّد آخر الليل، لم تنم بعدُ؛ سخروا منك ومن صلاتك. ثم هم في الصباح يسرقون منك أنفاسك وما تملك!. فأَرِهم الآن أيها الشعب العظيم أنك الأقوى والأجدر ومالك السلطة والسلطان، وصاحب الكلمة الفصل، تؤمن بهويتك الإسلامية والعربية، تفتخر بها، ترفع بها رأسك، ترى فيها حياتك وعمودك الفقري، وتاجًا ألْبَسَكَ الله إياه. وإذا أَلْبَسَكَ الله شيئًا فلا تخلعه لبشرٍ. ألا قد جاءت لحظةٌ أنت ملكها وصاحبها، فلا تترك سلطانك لسلطانهم، ولا تركع لهزيل يتظاهر بالقوة، فإنهم أضعف مِن النمل حين تدهسه بقدمك وأنت سائرٌ، بل لا تعبأ به ولا تراه عينُك. هكذا هم أعداء دينك وهويتك ومصلحتك، ضعاف ضعاف، يملؤهم الهزال، لا يقدرون على شيءٍ. يقول سبحانه: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالمَطْلُوبُ» (الحج:73). لا تغرنك أجسادهم، أشكالهم، ألوانهم، فهذه أشباح تسير بأرضنا، بقيتْ بعدما هاجرتْ عقولهم إلى حيثُ العم سام والدولار. ألم أقل لك: لستَ منهم ولا هم منك. ألم يأكل هؤلاء مِن عمل يدك؟ من عرق جبينك؟ من أرضك وزراعتك، تعلموا في مدارسك، شربوا مِن نيلك، استظلوا بأشجارٍ زرعتها بيديك، ورويتها بعرقك وكفاحك، ثم خانوك فهاجروا بعقولهم يبتكرون ويصنعون ويساهمون في رفاهية غيرك، وأبقوا لك أجسادهم تعيثُ في بلادك فسادًا. فلا هم ردُّوا إليك الجميل، ولا هم كفُّوا عنك شرورهم. قف الآن، تريث، لا تنتخب هؤلاء، فقد سرقوك، أذلوك، أهانوك، سجنوك، قتلوا ابنك أو أخًا لك أو جارًا أو صديقًا أو حبيبًا عزيزًا، فالكل على أيديهم مقتول، ومَن لم يمت بسيوفهم يموت بسياط أقلامهم، وأسِنَّة ألسنتهم، فلا تتركه حتى ترديه كمدًا و غمًّا. فقف الآن واصرخ بأعلى صوتك: اليوم لي لا لكم، اليوم يومي لا يومكم، اليوم أنا لا أنتم. انتخب نفسك بنفسك، واصنع من تريد لأجلك لا لأجلهم، واقرأ أفكارهم وأطروحاتهم، وخذْ بأحسنها، فإنما هي حياتك أنت، فاصنعها بنفسك، بيدك، بعقلك. انتخب من يحافظ على هويتك، ودينك وأرضك وزراعتك، ويحترم إنسانيتك ويُعلي كرامتك وعزّتك، فإن لم تجد فلا تنتخب أحدًا. ألم تسمع في مدارسنا بعبارة: لم ينجح أحد. فانتخب من يصنع لك الحياة، فإن لم تجد فارفضهم جميعًا، وقل: لم ينجح أحد، نريد غير هؤلاء، لا يصلحون لنا ولا نصلح لهم. ابقَ على موقفك حتى ترى رجلا صالحا يُصلح الله به دينك ودنياك، وسيسألك الله عز وجل عن ذلك كله، فماذا أنت قائلٌ عند لقائه سبحانه؟. كفى أيها الشعب العظيم ما سبق، زرعتَ وأكل غيرك، صنعتَ ولَبِسَ غيرك، تعبتَ وتَنَعَّمَ آخرون، وبعد هذا يقولون لك: كل شيء على ما يرام، فهل أَبقى هؤلاء لك شيئًا أصلا؟!. كم مِن مرَّةٍ يأتي إلينا أحدهم، يتودد، يهش ويبش، يأتينا باسِمًا ضاحكًا، حتى إذا حصل على مراده، وفاز على أكتافك، تنكَّر ولاذ بالفرار. كم مِن مرَّة نمتَ تحلم بالجنة وأنهارها من معسول كلامهم، فأصبحتَ تنفخ في رمادِ؟ وبدا لك أن الأمر لم يكن سوى جعجعةً لم تجد له طحينًا؟. كم مِن مرَّةٍ تألّمتَ ودمعتْ عيناك فقال أحدهم: اقتلوه شفقة ورحمة به؟ ألا تسمع؟ يقتلونك شفقة بك؟ إنه القتل اللذيذ، القتل بدافع الشفقة، لا تخف سيقتلنا هؤلاء شفقة بنا، أرأيتَ كيف يقتلوننا كل يوم بل كل لحظة بدافع الشفقة علينا؟. فكم مرة تموت بأيديهم، عندما تدخل على مدير مدرسة أولادك فترى وحشًا قابعًا على كرسيٍّ، يسومك سوء العذاب، أو عندما تدخل تطلب لمبة إنارة لشارعك المظلم فلا تجد أحدًا يسمعك لسنواتٍ حتى يريحك عمود الإنارة من الشكاية فيسقط هو احتجاجًا على طول فترته بغير فائدة، يسقط ليريحك، أتراه يسقط من الصدأ؟ كلا؛ بل يشفق عليك ويرحمك من كثرة مطالبتك فيسقط لأجلك وإن رآه آخرون قد سقط من الصدأ. تموت عندما تقف في طابور طويل من الذل والمهانة أمام المخابز ومنافذ بيع الخبز، ثم يأتي أحدهم من الخلف فيأخذ ما يريد وقتما يريد، لقرابته، أو منصبه، أو... تعدددت الأسباب والنتيجة واحدة. قضيتَ عمرك بين الطوابير، وقد حقَّت لك الراحة، فقد تعبتَ من طول العناء، فانتخب مَن يتعهد براحتك، وترى ذلك في مشروعه وطموحه، وتقرأ ذلك في عينيه وحروف كلماته، وترى أنوار الصدق تحوطه، فإن شككتَ فيه، أو شعرتَ بثعلبيّته والتوائه، فقل : لا نحب الخائنين. لا تبع رأيك وعقلك لأحدٍ، فإنما تجني على نفسك حين تبيعها. لا تبع أمانتك لأحدٍ، فإنما تخون نفسك حين تبيعها. لا تهن نفسك في سوق الناس، فيشتريك أحدهم بخمسين جنيهًا، فقد كرمك الله عز وجل فقال: «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي البَرِّ وَالبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا» [الإسراء:70]. فكن من عباد الله المكرمين، ولا تكن مِن الآخرين الذين قال الله عز وجل فيهم: «أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ العَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ» [الحج:18]. دافع الآن عن نفسك، عن أرضك، عن هويتك، عن وطنيتك، عن أخلاقك السامية، عن كرمك، عن نُبْلِك، عن أصالة معدنك، فقد صوروك في أفلامهم شيطانًا رجيمًا، وقد كنتَ أنت لا غيرك تدفع لجلادك أجرته، نعم؛ ألم تكن أنت لا غيرك تتابع أفلامهم التي يصورونك فيها صورة فاسدٍ دنيء؟ ألم تكن تقتطع من أموالك ما تشاهد به أفلامهم؟ وتشتري بهم نتاج أقلامهم التي تذبحك؟ أما آن لك التوقف عن هذا العبث؟ أم آن لك الانتباه لما يُحاك ضدك؟ أما آن لك التمرد على جلادك؟ على قاتلك؟. هيا الآن نشجب، نستنكر، ندين، نعتصم، نتظاهر، لكن في صمت، وفي عزلة. نشجب الخيانة ونرفض الخائنين. نستنكر السرقة والرشوة واستخدام هواتف وسيارات العمل في المصالح الشخصية. ندين إهدار المال العام في توصيل أولاد المديرين أو النافذين لمدارسهم، بسيارات الشرطة، أو بسيارات الدولة. ندين سرقة أراضي الدولة، وتوزيعها على أصحاب النفوذ دون غيرهم. ندين إهدار كرامة المواطن، وتمزيق انتماء المواطن لوطنه بالضغط عليه ومحاصرته في لقمة عيشه وكرامته حتى يكره الوطن والمواطنين، وربما اضطره الحال للهجرة منه. ندين وندين وندين.. ثم نتظاهر في صمت، كلٌّ في بيته، مظاهرة كبرى، بلا ناس، ولا تجمعات، مظاهرة بلا ميادين ولا شوارع، مظاهرة بلا هتافات، مظاهرة بلا صدامات مع أحدٍ، مظاهرة بلا أضرار للنفس أو للغير، مظاهرة لا تخريب فيها أو تعطيل لمصالح الوطن والمواطنين. ولنُطلق عليها مظاهرة حب مصر لصالح مصر، نتظاهر فيها ونعتصم لنختار الأصلح لمصر في انتخاباتها القادمة، وفي كل شئونها وأحوالها، ندرس ونسأل ونستفسر حتى نعلم الصالح من الطالح، ونميز بين الأمين والخائن، بين الصادق والكاذب، بين الشريف واللص، ثم نختار. وودتُ لو وفرتْ الدولة مشكورة في كل دائرة انتخابية، أو عبر وسائل الإعلام، تعريفًا متكاملا بسيرة كل من يتصدى لهذه الانتخابات القادمة بعد أيام، أو غيرها، لتساعد الشعب بذلك على الاختيار الصحيح. أو توجب عليهم الظهور في وسائل الإعلام ، وطرح وجهات نظرهم وخططهم المستقبلية التي ينوون طرحها على دوائر صنع القرار، للوصول بمصر إلى الأمل المنشود لها مِن الرُّقي والازدهار. وإني أطالب بضرورة وجود آلية بسحب الثقة من أي مرشَّحٍ بعد ترشحه، إذا ما أرادتْ دائرته التي رشَّحَته هذا الأمر، شريطة أن يتم ذلك بموجب طلب يتقدم به خمسة آلاف عضو مثلا، حتى يحصل للطلب الجدية اللازمة لتحقيقه، بل أرى أن هذا المطلب أحد ضرورات المشاركة الشعبية في صنع قراره، حتى يراقب الشعب أداء من أعطاهم ثقته، فمتى ما خالفوا هذه الثقة، أو تورطوا في جرائم أخلاقية، أو أضروا بمصر؛ يكون من حق الشعب سحب الثقة عنهم، والعودة ثانية إلى صندوق الانتخابات.