"المنشاوي" يشارك في المنتدى الإقليمي الأول للتعليم القانوني العيادي في أسيوط    نائب رئيس الوزراء: معرض TransMEA شهد مشاركة دولية واسعة وحضور جماهيرى كبير    وكيل زراعة كفر الشيخ: صرف الأسمدة بالجمعيات الزراعية دون ربطها بمستلزمات الإنتاج    ستاندرد بنك يعلن الافتتاح الرسمى لمكتبه التمثيلى فى مصر    الإنتربول يكرم الأمين العام لمجلس وزراء الداخلية العرب بوسام الطبقة الخاصة    الأرصاد تحذر: حالة عدم استقرار وأمطار وبرق ورعد بعدة مناطق واحتمالات تساقط ثلوج    ختام ورشة من الحكاية إلى المسرحية ضمن مهرجان القاهرة لمسرح الطفل    وزير الاستثمار: مصر ضمن أفضل 50 اقتصاداً فى العالم من حيث الأداء والاستقرار    جنوب سيناء.. تخصيص 186 فدانا لزيادة مساحة الغابة الشجرية في مدينة دهب    وزارة العمل: 157 فرصة عمل جديدة بمحافظة الجيزة    بحماية الجيش.. المستوطنون يحرقون أرزاق الفلسطينيين في نابلس    خبر في الجول – الأهلي يقيد 6 لاعبين شباب في القائمة الإفريقية    موعد مباراة مصر وأوزبكستان.. والقنوات الناقلة    مبابي: سعداء بعودة كانتي للمنتخب.. والعديد من الفرق ترغب في ضم أوباميكانو    موعد نهائي كأس السوبر المصري لكرة اليد بين الأهلي وسموحة بالإمارات    «مؤشرات أولية».. نتائج الدوائر الانتخابية لمقاعد مجلس النواب 2025 في قنا    بعد شكوى أولياء الأمور.. قرار هام من وزير التعليم ضد مدرسة «نيو كابيتال» الخاصة    19 ألف زائر يوميًا.. طفرة في أعداد الزائرين للمتحف المصري الكبير    بعد افتتاح المتحف المصري الكبير.. آثارنا تتلألأ على الشاشة بعبق التاريخ    محمد صبحي يطمئن جمهوره ومحبيه: «أنا بخير وأجري فحوصات للاطمئنان»    أسعار الفراخ والبيض اليوم الأربعاء 12 نوفمبر 2025 بأسواق الأقصر    هبة التميمي: المفوضية تؤكد نجاح الانتخابات التشريعية العراقية بنسبة مشاركة تجاوزت 55%    الرئيس السيسي يصدق على قانون الإجراءات الجنائية الجديد    نجم مانشستر يونايتد يقترب من الرحيل    الغرفة التجارية بمطروح: الموافقة على إنشاء مكتب توثيق وزارة الخارجية داخل مقر الغرفة    ذكرى رحيل الساحر الفنان محمود عبد العزيز فى كاريكاتير اليوم السابع    أثناء عمله.. مصرع عامل نظافة أسفل عجلات مقطورة بمركز الشهداء بالمنوفية    رئيس الوزراء يتفقد أحدث الابتكارات الصحية بمعرض التحول الرقمي    غنية ولذيذة.. أسهل طريقة لعمل المكرونة بينك صوص بالجبنة    بتروجت يواجه النجوم وديا استعدادا لحرس الحدود    عاجل- محمود عباس: زيارتي لفرنسا ترسخ الاعتراف بدولة فلسطين وتفتح آفاقًا جديدة لسلام عادل    «المغرب بالإسكندرية 5:03».. جدول مواقيت الصلاة في مدن الجمهورية غدًا الخميس 13 نوفمبر 2025    وزير التعليم: الإعداد لإنشاء قرابة 60 مدرسة جديدة مع مؤسسات تعليمية إيطالية    الرقابة المالية تعلن السماح لشركات تأمين الحياة بالاستثمار المباشر في الذهب    انهيار عقار بمنطقة الجمرك في الإسكندرية دون إصابات    عاجل- رئيس الوزراء يشهد توقيع مذكرة تفاهم بين مصر ولاتفيا لتعزيز التعاون فى مجالات الرعاية الصحية    «عندهم حسن نية دايما».. ما الأبراج الطيبة «نقية القلب»؟    اليابان تتعاون مع بريطانيا وكندا في مجالي الأمن والاقتصاد    وزير دفاع إسرائيل يغلق محطة راديو عسكرية عمرها 75 عاما.. ومجلس الصحافة يهاجمه    منتخب مصر يخوض تدريباته في السادسة مساء باستاد العين استعدادا لودية أوزبكستان    المشدد 15 و10 سنوات للمهتمين بقتل طفلة بالشرقية    السعودية تستخدم الدرون الذكية لرصد المخالفين لأنظمة الحج وإدارة الحشود    القليوبية تشن حملات تموينية وتضبط 131 مخالفة وسلع فاسدة    فيلم «السلم والثعبان: لعب عيال» يكتسح شباك تذاكر السينما في 24 ساعة فقط    الحبيب الجفرى: مسائل التوسل والتبرك والأضرحة ليست من الأولويات التى تشغل المسلمين    دار الإفتاء توضح حكم القتل الرحيم    ما الحكم الشرعى فى لمس عورة المريض من قِبَل زوجة أبيه.. دار الإفتاء تجيب    «العمل»: التفتيش على 257 منشأة في القاهرة والجيزة خلال يوم    الأهلي يضع تجديد عقد ديانج في صدارة أولوياته.. والشحات يطلب تمديدًا لعامين    إطلاق قافلة زاد العزة ال71 بحمولة 8 آلاف طن مساعدات غذائية إلى غزة    قصر العينى يحتفل بيوم السكر العالمى بخدمات طبية وتوعوية مجانية للمرضى    «لو الطلاق بائن».. «من حقك تعرف» هل يحق للرجل إرث زوجته حال وفاتها في فترة العدة؟    وزير الخارجية يعلن انعقاد المنتدى الاقتصادي المصري – التركي خلال 2026    اليوم.. عزاء المطرب الشعبي إسماعيل الليثي    «وزير التنعليم»: بناء نحو 150 ألف فصل خلال السنوات ال10 الماضية    نتائج أولية في انتخابات النواب بالمنيا.. الإعادة بين 6 مرشحين في مركز ملوي    اليوم.. محاكمة 6 متهمين ب "داعش أكتوبر"    دعاء الفجر | اللهم ارزق كل مهموم بالفرج واشفِ مرضانا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السادات.. ثلاثون عامًا من الجدل بعد رحيله
نشر في المصريون يوم 10 - 10 - 2011

فى العاشر من اكتوبر 1981 وارى الثرى واحدا من اكثر حكام مصر اثارة للجدل، محمد انور السادات. الجنازة الرسمية التى احيطت باستحكامات امنية مشددة جاءت عقب اربعة ايام من اغتيال السادات عن عمر 62 عاما، امضى جلها فى العملين العسكرى والسياسى حيث كان دوما محط قصص وتطورات مثيرة للجدل. وكانت المرحلة الأكثر اثارة للجدل فى حياة السادات، ربما، هى العشر سنوات الاخيرة التى امضاها رئيسا لمصر والتى استطاع خلالها قيادة الجيش المصرى نحو العبور وقام خلالها ايضا بتوقيع اتفاقية السلام مع اسرائيل والتى أثارت انتقادات لا نهائية من البعض والاعجاب الكبير من قبل البعض الآخر فى مصر كما فى العالم العربى.
الجدل حول الإرثين السياسى والاجتماعى للسادات لم يحسم أبدا، بعد ثلاثة عقود على رحيل السادات فى واحدة من اشهر عمليات الاغتيالات السياسية فى العالم العربى، حيث اغتالته مجموعة من ضباط القوات المسلحة الذين كان يطلق عليهم ابنائى المنتمين لتيار الاسلام السياسى الذى استنهضه السادات من غفوته ليطلقه فى وجه اليسار المصرى الرافض لحياد رئيس البلاد الجديد عن مسار توافقى قاده ناصر واستقر الرأى على السعى نحو استكماله.
وفى وقت تتعثر فيه آفاق التفاوض السياسى بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية حول تحقيق اتفاق سلام مازال الساسة والدبلوماسيون الغربيون، خاصة الأمريكيين منهم، يأملون فى أن يأتى قادة لهم «رؤية السادات وشجاعته» ليتحقق السلام المنشود فى الشرق الاوسط بين دولة الاحتلال والدول العربية كافة.
الرؤية والشجاعة، بالتأكيد صفتان ألصقهما بعض من المصريين، لم تبدوا يوما فى معسكر الأكثرية على الاقل إذا ما تعلق الأمر بالنخبة المسيسة والمثقفة لقرار السادات الذى أعلنه على الملأ فى اثناء خطاب له امام مجلس الشعب باستعداده أن يذهب لإسرائيل سعيا لسلام يعيد لمصر أراضيها المحتلة ويمنح الشعب الفلسطينى، الذى كان ممثله ياسر عرفات مشاركا فى هذه الجلسة، حقه فى دولة مستقلة.
الزيارة التى يصفها المؤيدون بالتاريخية والمعارضون بالكارثية للقدس فى نوفمبر 1979 كانت ربما ثانى ابرز مشاهد حكم السادات لمصر، بل ربما اشهر من يوم اعلانه تمكن القوات المسلحة المصرية عبور قناة السويس واسقاط خط بارليف فى اكبر اشارة للقدرة العسكرية منذ هزيمة 1967 وفى تتويج لسنوات حرب الاستنزاف التى بدأت بعد الهزيمة مباشرة.
«أنور السادات كان قائدا عسكريا وسياسيا عنده رؤية وهذه حقيقة لا تنكر عليه»، هكذا يقول يوسف سيدهم رئيس تحرير جريدة وطنى المعبر عن الشأن القبطى فى مصر.
سيدهم يقول انه بعد 30 عاما على اغتيال السادات فإنه يبقى دوما «صاحب نصر اكتوبر وصاحب الرؤية السياسية والشجاعة النادرة التى فتحت ابواب التفاوض من اجل السلام وهو الامر الجدير دوما بالتقدير».
ويذهب قدرى سعيد، الخبير الاستراتيجى والسياسى بمركز الاهرام للدراسات السياسية أبعد حينما يقول إن السادات «مقارنة بالرؤساء السابقين واللاحقين صنع تاريخا خاصا لمصر حيث حقق الكثير من الانجازات الكبيرة فى ظل ظروف بالغة الصعوبة بل وتحديات شديدة».
السادات، كما يضيف سعيد، هو الرئيس الذى «غير مسار مصر من دولة تنظر لنفسها فقط كونها دولة لها ابعاد افريقية وآسيوية إلى دولة قادرة على الانفتاح على العالم الأوسع وبالذات على العالم الغربى الذى خرج منتصرا فى الحرب الباردة سواء اوروبا الجارة أو الولايات المتحدة الامريكية التى أعاد معها العلاقات الدبلوماسية بعد ايام من انتهاء حرب اكتوبر».
هذا الانفتاح كما يصر سعيد لم يكن ابدا، كما يصر منتقدو السادات، فعلا من افعال طى صفحة الماضى وانهاء كل سياق سياسى لمصر الناصرية بل هو «انفتاح على العالم المتقدم والديمقراطى» وهو الانفتاح الذى بالمواكبة مع السلام المصرى الاسرائيلى قام بتغيير الابعاد الجيواستراتيجية لمصر بل ولشكل منطقة الشرق الاوسط بالمجمل.
ويقول سعيد انه بالرغم من الانتقادات التى انهالت ولاتزال تثار فى وجه تجربة السادات من انها كانت التجربة التى ادت لتراجع السياسة المصرية من حيث الحيثية الاقليمية والتأثير الدولى فإن الحقيقة تبقى أن السادات تمكن من خلال «استراتيجية معقدة للغاية» جمع فيها التحرك العسكرى كما حدث فى اكتوبر 1973 والتفاوض السياسى كما حدث منذ مفاوضات وقف اطلاق النار من استعادة سيناء التى احتلتها اسرائيل ومن وضع مصر على خريطة اهتمام العالم بصورة كبيرة بعد أن اختار «ان يتحرك بصورة غير تقليدية».
وفى حين يوجه الكثيرون اللوم للسادات لإدارته للمعارك العسكرية خلال حرب اكتوبر، ويرجعون فى ذلك لشهادات قيادات عسكرية اختلفت مع السادات اثناء الحرب حول تطوير الهجوم العسكرى الذى ادى فى رأى هؤلاء إلى وقوع الثغرة، وما تلاها من تراجع مساحة الارض المحررة من شبه جزيرة سيناء فإن سعيد يرى أن فى هذا القول افتئات على واقع «هو أن القوات المسلحة المصرية لم يكن لديها العتاد اللازم لتحرير سيناء بالكامل من خلال عملية حربية واحدة وان خطة السادات كانت تقوم بالاساس على تحقيق العبور وتحريك السكون الذى تلا هزيمة 1967 ليفتح بعد ذلك آفاقا لتفاوض يأخذ فى الاعتبار قدرة القوات المسلحة المصرية على التحريك».
ورغم أن هناك من يتحفظ على ادارة السادات للمعارك فإن من يتفق ومن يختلف لا ينكر كون القرار الذى اتخذه السادات بالذهاب للحرب، مدعوما برغبة شعبية كبيرة عبرت عنها مظاهرات لا نهائية تردد هتاف «هنحارب هنحارب» وبرغبة اكبر من صفوف القوات المسلحة فى محو الهزيمة، كان قرارا كبيرا اقدم عليه السادات آملا فى ألا تخذله قدرات جنود القوات المسلحة المصرية مدركا فى الوقت نفسه لاحتمالات أن تسير الامور نحو الأسوأ.
«لما الراديو قال إن الحرب بدأت كلنا فرحنا بس كلنا كنا خايفين، ما حدش كان عارف إيه اللى هيحصل ولا الامور هتمشى ازاى، طبعا كنا خايفين،» هكذا يتذكر عم احمد حارس احد عقارات مصر الجديدة. عم احمد الذى يناهز الثمانين من عمره الآن يقول انه لم يكن قبل ذلك اليوم من معجبى السادات وكان يرى فرقا كبيرا بينه وبين عبدالناصر ولكن عندما عرف أن القوات المسلحة المصرية حققت العبور تغيرت نظرته للسادات «وقلت والله ولد».
بعد حرب اكتوبر تغير نهج السادات الذى كان دوما حريصا على اسماع المواطنين انه ماضٍ على خطى عبدالناصر، الزعيم الذى لم تفلح الصعاب والهزيمة العسكرية والسنوات فى أن تنسى الشعب ذكراه، وتحرك نحو احلال ما يعرف بشرعية اكتوبر محل شرعية ثورة يوليو 1952 التى ارتبط اسمها فى الوجدان الوطنى بناصر ربما دون غيره من الضباط الاحرار الذى كان السادات منتميا إليهم.
ورغم أن استعادة العلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة الامريكية مثل نقلة نوعية فى السياقات السياسية المصرية التى كانت قد تخلت بالفعل عن التواصل الوطيد مع الاتحاد السوفييتى إلا أن النقلة الأكبر جاءت مع قيام السادات بزيارة إسرائيل فى نوفمبر 1977 وتوقيعه الاتفاق الاطارى للسلام المصرى الاسرائيلى المعروف بكامب ديفيد فى فى 1978، متجاوزا رفضا لا يمكن الاستهانة به ليس فقط من قبل النخبة السياسية ولكن ايضا من قطاعات واسعة للشعب، وما تلا ذلك من توقع لاتفاقية سلام فى 1979 شابها، على حد من شاركوا فى التفاوض فيها، الكثير من التنازلات بما فى ذلك ما يثار اليوم حول النصوص التى تلزم بغياب كامل للوجود العسكرى المصرى فى شريط كامل من سيناء على الحدود المباشرة مع اسرائيل.
ويقول احد العسكريين الذين كانوا فى صفوف القوات المسلحة المصرية وقتئذ أن «شعور الحسرة والمهانة» قد اعتصره وانه شعر انه دماء الشهداء تهدر فى سبيل «ان يحقق السادات حلما مزعوما بأن ناصر هو من اضاع الارض وان السادات هو من استعادها ولكن الحقيقة أن مصر ليست لديها سيطرة كاملة على سيناء والدليل على ذلك انه عندما تتطلب الحاجة لوجود قوات مصرية فى سيناء فإن مصر تضطر لإخطار اسرائيل أولا قبل الدفع بهذه القوات».
لم يعبأ السادات بنصح معاونيه الدبلوماسيين بمن فى ذلك وزيرا خارجيته اللذان استقالا الواحد تلو الآخر وهما ابراهيم كامل واسماعيل فهمى واللذان تدون مذكراتهما عندا واضحا للسادات واستعدادا غير مبرر للمضى قدما تحت اى حال، ولا لنصائح وجهها خبراء عسكريون كانوا من ابطال اكتوبر ولا لصيحات النخبة السياسية ولا حتى لصيحات قطاعات من الشعب لأنه كما يقول سعيد «كان لديه تصوره الذى لم يكن الكثيرون قادرين على استيعابه لأنه لم يكن فقط يراهن على التفاوض مع المسئولين الاسرائيليين بل كان ايضا يبعث برسائل إلى الداخل الاسرائيلى وإلى الرأى العام العالمى».
ولكن هذه الرؤية الساداتية المفترضة لم تكن لتلقى قبولا من أناس رأوا أن الامانة الوطنية تقتضى عدم الصمت فتصاعدت اجواء الغضب الداخلى والمواجهات السياسية والتى ادت به للزج بمعارضين من جميع القطاعات السياسية فى السجون فى سبتمبر 1981 ليلقى السادات مصرعه وهم فى السجن وليأتى اطلاق سراحهم على يد حسنى مبارك.
تغير السادات جاء مباشرة بعد كامب ديفيد، على حد قول سيدهم، لأنه ظن فى ذلك الوقت أن من يشعل الرفض للتفاوض هم اليسار فقط وتصور أن اشعال «الاصولية الاسلامية» يمكن أن يخمد نيران اليسار وبالتالى يخمد المناوأة السياسية للتفاوض من اجل اتفاقية سلام مصرية اسرائيلية.
«ولكن ما حدث تجاوز بكثير الحدود المتصورة سياسيا وتحول لأبعاد اجتماعية خطيرة حيث بدأت هذه الجماعات فى الترويج لأفكار لم تكن تتواءم ابدا مع التاريخ الوسطى للاسلام كما كان فى مصر ولا مع حقيقة كون مصر بلد يسكنه المسلمون والمسيحيون معا».
النتيجة المقررة لانتشار افكار سلفية ومتشددة، جاء بعض منها من خلال ابواق سخرت لجماعات الاسلام السياسى المتشددة واخرى من خلال افكار تبنتها أجيال متتالية من الاسر المصرية التى ذهبت للعمل فى عدد من دول الخليج العربى وتأثرت هناك بتفاسير وهابية للاسلام، كان من ابرز نتائجها ارتفاع اصوات تمييزية ضد اقباط مصر.
تزامن ذلك مع توتر كبير بين السادات نفسه وبين بطريرك الاقباط فى مصر البابا شنودة وصل إلى حد تجاوز الرئيس لشعور الاقباط عندما اتخذ قراره بعزل البابا شنودة فى وادى النطرون على خلفية مشاحنات واشتباكات طائفية بين مسلمين ومسيحيين كان ابرزها حادث الزاوية الحمراء.
التغاضب بين اقباط مصر ومسلميها هو ما يرى عديدون، من المسلمين والاقباط على حد سواء، انه من أسوأ ما قام به السادات.
«الحقيقة اننا عمرنا ما كنا نعرف «مسلم ولا مسيحى»، دى ما كانش حاجة حد يسأل عنها خالص ولكن للاسف بعد المشاكل التى حدثت اصبح الموضوع ده واضحا جدا وأصبح فى حساسيات»، تقول سنية ابراهيم، مدرسة متقاعدة فى احدى مدارس مصر الجديدة، الحى الذى يعيش فيه عدد كبير من اقباط الطبقة المتوسطة.
ولكن إذا كانت سنية إبراهيم لم ترصد ما يتجاوز الحساسيات غير المعلنة فى حيها السكنى ونطاقها الاجتماعى فإن فايز واصف، صاحب محل لإصلاح الساعات فى شبرا، يتذكر مشاحنات وعبارات قاسية ألقاها فى وجهه بعض المتشددين الاسلاميين واخرى من اقارب اقباط اتهموه بالرخاوة فى مواجهة «اضطهاد المسلمين».
ويقول سيدهم إن «اضطهاد الاقباط فى مصر» لم يبدأ ممنهجا فى عهد السادات ولكنه استحال كذلك لأن الامور «خرجت عن سيطرة السادات الذى أخطأ بشدة فى حساباته عندما تصور انه سيستخدم الاسلاميين المتشددين لتحقيق مصالحه السياسية وانه قادر على السيطرة عليهم ولكنهم تجاوزوه وأرادوا هم السيطرة عليه ولما رفض قتلوه».
اليوم، يرى سيدهم كما يرى جورج اسحاق الناشط السياسى البارز ومؤسس حركة كفاية، أن استمرار شجن الشأن القبطى ليس فقط جراء ما قام به السادات ولكن جراء ما لم يقم بها مبارك. ويتفق الرجلان على أن مبارك لم يغير كثيرا مما وجد عليه الحال بالنسبة للاقباط رغم بعض الخطوات الرمزية الحتمية بانهاء عزلة البابا.
«التعامل الامنى مع الملف القبطى استمر كما استمر تجاوز الالتفات للاقباط فى المناصب الرئيسية فى الدولة عدا بعض المناصب المحدودة، كما استمرت التعقيدات المحيطة بشأن بناء وصيانة الكنائس»، حسبما يقول سيدهم.
فى الوقت نفسه، حسبما يشير اسحاق، استمرت اسباب التباعد بين ابناء الوطن من مسلمين ومسيحيين سواء كانت تلك الاسباب نابعة من الخطابات المتشددة هنا أو هناك أو لأن الاقباط انعزلوا إلى حد ملحوظ وراء الكنيسة التى اصبحت تتصرف كونها الراعى الرئيسى للاقباط وسط مشاعر متميزة بالتجاوز فى حق المواطنين من الاقباط.
ما جمع المصريين ثانية من مسلمين وأقباط، كما يشير اسحاق، كان الغضب من تداعى حال الوطن خلال السنوات الاخيرة من حكم مبارك وهو التآلف الذى لم يستمر طويلا بعد اسقاط مبارك الذى يصر اسحاق «ان اختياره نائبا لرئيس الجمهورية كان أسوأ ما قام به مبارك لأنه سمح بأن يفتح أبواب حكم مصر لرجل لا يتمتع بأى كفاءات للقيادة ولا للتواصل مع الشعب».
اختيار مبارك نائبا، كان كما يراه اسحاق ويراه السفير المتقاعد شكرى فؤاد، هو اختيار رئيس لا يريد أن يكون نائبا سوى رجل للسمع والطاعة غير قادر على مجرد النقاش وبالطبع غير متصور لفكرة الاختلاف مع رئيسه.
ويتفق اسحاق وفؤاد انه «نقاط ضعف مبارك» المتعلقة «بمحدودية الاداء» تفاقمت مع مجيئه لحكم مصر بعد أن كانت السياسات الاقتصادية للسادات القائمة على الانفتاح الذى اطلق عليه الصحفى المصرى الهام احمد بهاء الدين «انفتاح السداح مداح» قد احكمت القبضة على الطبقة المتوسطة المصرية واعلت من شأن محدثى الثراء على حساب المهن والحرف التى كان يعول عليها لبناء نهضة مصرية.
ويقول فؤاد إن السادات روج لأفكار الانفتاح الاقتصادى على انها افكار ليبرالية ستصاحبها ليبرالية سياسية ملوحا بفتح الباب امام بعض الممارسات السياسية من خلال ما عرف بمنابر عبرت التوجهات السياسية المختلفة وواعدا بإعادة تفعيل الحياة الحزبية التى كانت قد تعطلت فى ظل حكم عبدالناصر «السلطوى».
لكن فؤاد يقول وهو فى ذلك مدعوم بآراء كثير من علماء الاجتماع والاقتصاد والسياسة أن ما قام به السادات كانت خطوات «اقتصادية مرتجلة» وان وعد الديمقراطية انتهى «بالحديث عن الديمقراطية التى لها انياب».
ويرى فؤاد أن مبارك قد وصل للحكم بعد أن تداعت اسباب التماسك المجتمعى بسبب تراجع أليم فى حال الطبقة المتوسطة وفى حال التعاطى المسلم المسيحى وبعد أن انقطعت علاقات مصر السياسية بمحيطها العربى واصحبت أسيرة لتعلقها بالولايات المتحدة الامريكية وباتفاقية السلام فى ظل نكوصها وعود التعاون مع دول العالم الثالث وفى ظل تعقيدات اقتصادية «مفزعة» ترتبط بالاساس بتعجيز قدرة الانتاج المصرية من انشاء مجتمع استهلاكى.
لكن عزيزة حسين، رائدة العمل الاجتماعى فى مصر، تصر على أن ما جناه المجتمع المصرى فى عهد السادات لم تكن كلها امور بالغة السوء وتعتقد انه «كانت هناك بعض الامور الجيدة» حيث بدا السادات مستعدا بالاستماع لمطالب الحركة النسوية المصرية التى يعود نشاطها لعقود سابقة على توليه الحكم بل ومستعدا «بالتأكيد بدعم مقدر من السيدة جيهان السادات» أن يقر بعض هذه المطالب التى ترفض عزيزة حسين بشدة وصفها بأنها كانت مطالب جيهان السادات.
«لقد اقر السادات تعديلات فى امور تتعلق بوضعية النساء لتحقيق الانصاف للمرأة المصرية فى مجالات تتعلق بالصحة وبالحقوق القانونية وهذه كانت امورا كنا نسعى من اجلها سنوات، لقد كان السعى هو سعى المجتمع المدنى».
وتضيف عزيزة حسين أن السادات «بدا منفتحا إلى حد ما على فكرة فتح الباب للمجتمع المدنى ليمارس عمله»، ورغم انها تضيف أن نشاط المجتمع المدنى فى قضايا المرأة وغيرها من القضايا المجتمعة لم يكن وليد عهد السادات بل كان موجودا ولو بدرجة اقل فاعلية فى عهد عبدالناصر وايضا قبل ثورة يوليو.
وتأسف عزيزة حسين التى انفقت حياتها مدافعة عن حقوق مجتمعية متكافئة لما قام به السادات من تقوية شوكة الجماعات الاسلامية المتشددة لأنها تلك كانت التى شنت الهجوم على الاصلاحات الاجتماعية واثارت، ضمن اسباب اخرى، مسار الاستمرار فيها.
ان مصر التى وصل السادات إلى حكمها بعد وفاة عبدالناصر فى 28 سبتمبر 1970 لم تكن ابدا هى مصر التى تركها السادات بعد اغتياله خلال احتفالات السادس من اكتوبر 1981، ومن يتفق مع السادات يقول إن السادات وصل إلى حكم بلد محتلة اراضيه ومنغلق على دوائر سياسية محدودة فتركه بلدا محرر الاراضى إلى درجة كبيرة ومنفتحا على العالم المتقدم، اما من يختلف مع السادات فيقول انه وصل إلى حكم بلد كان رائدا فى نطاقاته الاقليمية وحاضرا فى السياقات الدولية مستقل الارادة السياسية ولديه اسباب النهوض المجتمعى والاقتصادى، رغم الهزيمة العسكرية وما اعقبها من انكسار الارادة وتراجع التنمية، وانه ترك هذا البلد وقد احتلت ارادته السياسية وانتهكت قدرته على الانتاج والاعتماد على الذات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.