لن يملأ عين الحوثي إلا السيطرة على اليمن كله شمالا وجنوبا. القوة العسكرية التي لديه تغريه على مواصلة الزحف على المحافظات لإسقاطها وصولا لآخر نقطة في الجنوب، وإحكام القبضة على مضيق باب المندب على البحر الأحمر. الحوثي لا يجد من يردعه عسكريا ، فالأحزاب والقوى السياسية المختلفة مدنية غير مسلحة، وليس لها ميليشيات، والقبائل لها حدود في التسليح ونوعياته، وهى أقرب لجماعات مسلحة بدائية تحافظ على أمنها فقط، بعكس الحوثيين الذين صاروا أقرب لجيش منظم حصل على خبرات قتالية كبيرة من ستة حروب عصابات خاضوها ضد الجيش اليمني في عهد الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، ولعبة المصالح الانتهازية جعلت صالح والحوثي حليفان اليوم، فهما يريدان السلطة، والحوثي صارت لديه ترسانة عسكرية مما نهبه من معسكرات الجيش والشرطة التي سيطر عليها بالتواطؤ، ومما يصله من إيران من شحنات سلاح حديث متطور برا وبحرا وجوا، فاليمن الشمالي في قبضته، والمطارات والموانئ تحت إمرته وإدارة رجاله، ولا توجد دولة ولا سلطة ولا حكومة ولا جيش ولا أجهزة تراقب، بل هى فوضى يستفيد منها الحوثي وينشئ سلطته وأجهزته ودولته هو، وهذه الحالة العبثية هى أفضل فرصة لإيران لتكديس السلاح لحليفها المذهبي والسياسي، ومده بالخبراء والمخططين العسكريين لتدريب ميليشاته وعناصره كما تفعل مع البلدان التي تسير في فلكها، وربما تكون أرسلت عناصر قتالية من قوات الحرس الثوري الإيراني تعسكر وتقاتل مع الحوثيين كما يحصل في العراق ب 30 ألفا على الأقل ضد "داعش"، وفي لبنان، وسوريا، ويدير تلك القوات الجنرال قاسم سليماني، فهو بمثابة القائد الإيراني العام للميليشيات العسكرية في البلدان العربية الأربعة التي وقعت تحت الهيمنة الإيرانية. من يتحدث عن تفاوض سياسي كلامه جيد وطيب ومقبول، لكن الحوثيون يريدون فرض شروطهم كاملة على أي طاولة حوار، وهى شروط المنتصر عسكريا، فهم يريدون حوارا بينما الأحزاب والقوى الوطنية والشبابية تكون مرهوبة وجالسة تحت أسنة رماحهم، كما يفعل حزب الله مع شركائه السياسيين في لبنان على طاولات الحوار الوطني التي لم تنتج شيئا مفيدا، وطالما أن هناك قوة تقول إنها تلعب سياسة، لكنها تحتفظ بسلاحها أمام قوى أخرى غير مسلحة فإن الغلبة تكون دوما لمن يحتفظ بالسلاح ويهدد به. الحوثيون بعد احتلالهم صنعاء بدأوا في فرض الشروط على الرئيس هادي لتغيير الواقع السياسي لصالحهم باعتبار كل المؤسسات السيادية والرسمية وقعت في أيديهم، وكل يوم كانوا يقدمون مطالب جديدة حتى وجد هادي نفسه مجرد دمية وأداة رسمية ينفذون من خلالها كل أهدافهم ومطالبهم التي تنسف مخرجات الحوار الوطني وقواعد الشراكة السياسية فلم يجد بد من تقديم استقالته حتى لايكون هو من قدم اليمن على طبق من فضة للحوثيين، ونعرف ماجرى له ولرئيس الحكومة من حبسهما حتى فر هادي وذهب إلى عدن، وهنا طاش عقل الحوثيين لأن خططهم وحساباتهم المتدرجة في السيطرة الكاملة على السلطة من بوابة رئيس شرعي معترف به عربيا ودوليا فشلت فصاروا يعدون العدة للإجهاز عليه وعلى نظامه وشرعيته في عدن، وقد فشلت محاولة انقلابية لهم للإطاحة به قبل عدة أيام، كما فشلوا في النيل منه عبر استهداف القصر الرئاسي بالطائرات ، وهنا دعا الحوثي للتعبئة العامة لعناصره والتحرك للجنوب تحت ذريعة مواجهة تنظيمي "القاعدة" و" داعش" بينما هو مجرد ستار لإسقاط الجنوب والرئيس والنظام الشرعي هناك. احتلال الجنوب هو جزء من خطة طويلة الأمد للحوثي كانت قادمة يوما، لكنه اضطر بالتعجيل بها لأن هادي نال شرعية جديدة من الخليج والعرب والعالم بوجوده في عدن، وبالحوار الذي دعا دول الخليج لاستضافته وسيتم في الرياض قريبا، أي يجد الحوثيون أنفسهم يفقدون أوراقهم واحدة بعد الأخرى ويتحولون إلى خارجين عن الصف الوطني، ورافضين للحوار، ومنبوذين داخليا وخارجيا إلا من إيران بعد فشلهم في بناء حائط من العلاقات العربية والدولية. خطر الحوثي وصل حدا غير مسبوق لأن سيطرتهم على محافظة تعز النفطية ثم عدن عاصمة الجنوب سيعني سقوط البلد كله في أيدي ميليشيا عسكرية ، وبالتبعية سيكون اليمن صار في أيدي إيران، وهذا كارثي عربيا وإقليميا، وخصوصا على السعودية وبلدان الخليج، وعلى مصر حيث مضيق باب المندب معبر الملاحة الدولية لقناة السويس، وهو جزء من أمن مصر القومي. هنا فإن التدخل في اليمن إذا لم تُحل الأزمة سلميا كما ألمح لذلك وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل، وكما طالب وزير الخارجية اليمني من دول مجلس التعاون لوقف تمدد الحوثيين، ومن خلفهم إيران، بات ضروريا رغم أنه ليس مرغوبا ولا مطلوبا، فالحوار والتفاوض السياسي والسلمية أولى من الحرب والرصاص والخراب في بلد ممزق شبه فاشل وشعبه يعيش بؤوسا اقتصاديا واجتماعيا. التدخل ، إذا حدث، سيكون مثل الكي الذي هو آخر العلاج رغم مخاطره، حيث سيستدعي مزيدا من الدعم الإيراني لوكلائهم الحوثيين ليكون اليمن ساحة لنزاع إقليمي جديد، كما هو الأمر في سورياولبنانوالعراق، مشكلة إيران أنها لا تريد هدوءا ولا استقرارا في المنطقة ولا تسعى لعلاقات طبيعية مسالمة غير متوترة مع العرب، إنما تريد التوسع والهيمنة واستعادة الأحلام الإمبراطورية، وضعف العرب وخلافاتهم والأزمات الداخلية في بعض دولهم يغريها على الاستئساد عليهم. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.