عندما نشرت ويكيليكس وثائقها بالتعاون مع الجزيرة وصحيفة الجارديان البريطانية، تبادلت الأطراف الثلاثة المصداقية. فالجارديان تمثِّل مصداقية الإعلام الورقي التقليدي العريق، والجزيرة تمثِّل الإعلام التلفزيوني التقليدي، وويكيليكس تمثِّل الإعلام الحديث غير التقليدي . ومن حسن حظ ويكيليكس أنها عثرت على وثائق تخص الجزيرة والإعلام عمومًا، ونشرتها، وقد كشفت تلك الوثائق العلاقة العدائية بين الإدارة الأمريكية والإعلام بعامة، والجزيرة بخاصة. فليس سرًّا أن الجيش الأمريكي قصف مكتبيْ الجزيرة في كابول وفي بغداد، وقتل طارق أيوب ورشيد والي، واعتقل سامي الحاج وحسين دلي وعبد العظيم محمد وصلاح حسن، سواء لسنوات أو لساعات، وحرَّض على اعتقال تيسير علوني في إسبانيا. الجديد في الوثائق هو سعي الدولة العظمى التي تخوض حروبًا كونية، إلى التواصل والتفاهم مع القناة التي قصفت مكتبين لها، وفكَّر بوش الابن بقصف مقرها في الدوحة، كما كشفت الصحافة البريطانية من قبل. وهو ما يُظهر أي قوة بلغها الإعلام. وهي قوة في تزايد مستمر . مقابل مصداقية ويكيليكس ظهرت سخافة بعض الإعلام العربي، الذي التقطها فرصة للثأر من الجزيرة، وخصوصًا بعد موقفها التاريخي من الربيع العربي. فقد رفع شعارها راياتٍ في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا. فاللقاء الذي يُعقد في مكتب مدير القناة في مكتبه في الدوحة مع طاقم السفارة الأمريكية في قطر ويناقش تغطية الجزيرة لأخبار الجيش الأمريكي، يتحول إلى لقاء استخباري تُلقى فيه أوامر وتعليمات . لو كانت الجزيرة كما يصفونها، فلا يحتاج الأمر طاقمًا ونقاشات. يكفي أن يُستدعى مديرها إلى ضابطه ويلقنه التعليمات وينفذها بأمانة. ولا يتطلب الأمر رصدًا على مدار الساعة لكل ما يُبث وتفريغ كل كلمة، ونقاشات عسيرة وتفاهمات . أعرف وضاح خنفر منذ كان رئيسًا لاتحاد طلبة الأردن، وهو طالب في كلية الهندسة. وعملت معه في بغداد بعد سقوطها. وفي الحالين شاهدت قدراته القيادية؛ جرأة ومناورة وتقدمًا وانسحابًا، وهذه هي القيادة، سواء في اتحاد طلبة أم في أهم شبكة إعلامية عالمية. في بغداد شاركته بلقاءات مع الأمريكيين، جيشًا وخارجية. وما من عامل في الإعلام إلا ويفعل ذلك. وكانت جُلُّها حلًّا لإشكالات وردًّا على اتهامات. كان الأمريكيون يتهمون الجزيرة بالتعاون مع صدام حسين والمقاومة العراقية، لأنها نشرت أول تسجيل صوتي له بعد السقوط، ولأنها تنشر فيديوهات المقاومة العراقية. ولم تتوقف الجزيرة بعد تلك اللقاءات عن نشر ما يصلها. ولم تتوقف اللقاءات، لا في بغداد ولا في واشنطن ولا في الدوحة ولا في جوانتنامو. فقد عرض على سامي الحاج التعاون مقابل إطلاق سراحه، فرفض وأكمل سنوات السجن. تشكِّل وثائق ويكيليكس فرصةً نادرةً لدراسة قناة الجزيرة، وتاريخ المنطقة عمومًا. ومن حق الناس أن تعرف كيف خاضت الجزيرة المواجهات القاسية مع إدارة بوش، سواء على الشاشة أم في الغرف المغلقة. وكيف تغيَّر الموقف الأمريكي منها، من اتهامها بلسان رامسفيلد بأنها قناة شريرة إلى الإشادة بها بلسان كلينتون بأنها تنقل الحقيقة. وثائق ويكيليكس صحيحة، ولا تسيء للجزيرة. الإساءة من إعلام اعتاد التشهير بالجزيرة قبل ويكيليكس وبعد ويكيليكس.