لم يكن مدهشًا للكثيرين إضفاء تقرير الأممالمتحدة حول المجزرة الإسرائيليَّة التي وقعت على ظهر السفينة مرمرة التي كانت في طريقها لكسر الحصار المفروض على قطاع غزة في مايو 2010 وراح ضحيتها 9 مواطنين أتراك، الشرعيَّة والقانونيَّة على هذا الحصار الصهيوني الظالم المفروض على ما يقرب من ثلاثة ملايين شخص في قطاع غزة منذ أكثر من خمسة أعوام في ظل صمت دولي رهيب ودعم لكيان الاحتلال الإسرائيلي في سياسة التجويع التي ينتهجها ضد سكان القطاع. لقد جاء (تقرير رئيس الوزراء النيوزيلندي السابق جيفري بالمر) منحازًا للكيان الصهيوني بشكلٍ مخيب للآمال، متجاهلا أن قطاع غزة ما زال يخضع للاحتلال الإسرائيلي أسوة بالضفة الفلسطينيَّة بما فيها القدس الشرقيَّة، الأمر الذي لا يجيز لإسرائيل فرض أي حصار عليه، لأن ذلك يندرج تحت إطار منظومة العقوبات الجماعيَّة ضد المدنيين الرازحين تحت نير الاحتلال الآثم، وهو ما يثير الكثير من التساؤلات حول مدى حيادية هذه المنظمة الدوليَّة في ظل الهيمنة الأمريكيَّة الصهيونيَّة عليها وعلى ما تصدره من قرارات!! مصداقيَّة مفقودة ويرى المراقبون أن الانحياز الأممي لكيان الاحتلال الإسرائيلي ليس وليد اللحظة، فلطالما التزمت المنظمة الدوليَّة والكيانات التابعة لها الصمت ليس فقط على المذابح المتكررة التي ترتكبها قوات الاحتلال الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني، والاعتداءات الإسرائيليَّة على قطاع غزة والأراضي الفلسطينيَّة والعربيَّة المحتلَّة، ولكن أيضًا حيال ما يقوم به كيان الاحتلال الإسرائيلي من اعتداءات غير مبرَّرَة على الأراضي العربيَّة أو فوق أراضٍ عربيَّة غير عابئ بالمساءلة القانونيَّة أو الإدانات الدوليَّة، متسائلين حول الموقف الدولي من قتل جيش الاحتلال الإسرائيلي لخمسة جنود مصريين قبل أيام على الحدود، أو قتل القيادي في حماس محمود المبحوح قبل عامين في دبي، وغيرها من الاعتداءات الصهيونيَّة المتكررة. فضلا عن ذلك فإن تقرير بالمر لم يكن هو التقرير الأممي الأول المتواطئ مع إسرائيل فيما يخص العدوان على غزة، وضد كل من يسعى لكسر الحصار حولها، إذ سبقه تقرير القاضي الجنوب أفريقي المنحاز لإسرائيل (ريتشارد جولدستون) حول العدوان الصهيوني على قطاع غزة أواخر 2008، وكلاهما كشف مدى تدهور مصداقيَّة المنظمة الدوليَّة والشكوك في حياديتها خاصة عندما يتعلق الأمر بكيان الاحتلال إسرائيلي. ضوء أخضر وأخيرًا فقد جاء تقرير بالمر منحازًا كليًّا إلى دولة الجريمة الإسرائيليَّة المنظّمة، ويغطي على سياساتها العدوانيَّة، ويفتح شهية قادتها لارتكاب المزيد من الجرائم والمذابح ضد الشعب العربي الفلسطيني، الأمر الذي يشير إلى أن التقرير الدولي مسيس، ومدفوع الثمن البخس لمعدي التقرير، ويسيء إلى مكانة المنظمة الدوليَّة، ويفضح خضوعها البائن والمشين لإرادة معادية لقرارات الشرعيَّة الدوليَّة، ويؤكِّد أن التقرير بعيد كل البعد عن المسئوليَّة، لأنه يكيل بمعايير مزدوجة. فقد عمد هذا التقرير إلى تبرئة القيادة الإسرائيليَّة من جريمتها المعيبة بحق الإنسانيَّة والشرعيَّة الدوليَّة، وهذا ما عكسته إينات ولف، عضو لجنة الخارجيَّة والأمن في الكنيست الإسرائيلي، بقولها: إنه (التقرير) "يبرئ إسرائيل بوضوح بشأن المسائل الرئيسيَّة، التي تتعلق بقانونيَّة الحصار، وقانونيَّة التدخل ضد سفن في المياه الدوليَّة، ووجود عنف ومقاومة في مواجهة الجنود الإسرائيليين"، كما أدخل هذا التقرير البهجة والفرح في الأوساط الإسرائيليَّة ذات الصلة بجريمة قتل المتضامنين الأتراك الذين كانوا على متن السفينة مرمرة، وذلك بعد أن أشار إلى أن الحصار البحري الذي تفرضه إسرائيل على قطاع غزة الخاضع لسيطرة حركة المقاومة الإسلاميَّة (حماس): "جاء كإجراء أمني مشروع بهدف منع دخول الأسلحة إلى غزة بحرًا وأن تطبيقه يتماشى مع متطلبات القانون الدولي" وأن من حق إسرائيل تفتيش السفن في المياه الدوليَّة، وهو ما يعد بمثابة ضوء أخضر جديد لتنفيذ جرائم جديدة بحق المواطن الفلسطيني، تحت مظلة الأممالمتحدة. لماذا الآن ؟!! ويربط المحللون بين توقيت إعلان نتائج تقرير بالمر، وذلك بعد أن تَمَّ تأجيله لعدة أشهر، وبين المساعي التي تقودها الدول الإسلاميَّة والعربيَّة والسلطة الوطنيَّة الفلسطينيَّة لمحاولة الحصول على اعتراف دولي بدولة فلسطين من الأممالمتحدة خلال شهر سبتمبر الجاري، وهو ما يسعى كيان الاحتلال الإسرائيلي والولايات المتحدة الأمريكيَّة لعرقلة حدوثه بشتى الطرق والوسائل الدبلوماسيَّة وغير الدبلوماسيَّة. حيث يشير المراقبون إلى أن من شأن شرعنة تقرير بالمر للحصار الظالم المفروض على قطاع غزة أن يبعث برسالة واضحة حول موقف كيان الاحتلال وأمريكا والاتحاد الأوروبي من المساعي الفلسطينيَّة والعربيَّة للحصول على الاعتراف بدولة فلسطينيَّة ذات سيادة مستقلة. إدانات .. ولكن وعلى الرغم من الإدانات الإسلاميَّة والعربيَّة والفلسطينيَّة لتقرير (بالمر)، ومطالبتهم بضرورة إلغاءه لما فيه من إجحاف واضح بحق الضحية المتمثلة بالشعب الفلسطيني الذي من حقه العيش بحرية وكرامة وإعطاء الجلاد الإسرائيلي الفرصة لممارسة سياساته الإجراميَّة على أبناء قطاع غزة، وإدانة الحصار الظالم الذي أذاق الشعب الفلسطيني الويلات والكوارث الإنسانيَّة والصحيَّة، وخلَّف مئات الشهداء من المرضى والأطفال والنساء وكبار السن وجعل من قطاع غزة سجنًا جماعيًّا هو الأكبر على وجه الأرض، إضافة إلى اتخاذ تركيا بعض الإجراءات منها خفض مستوى التمثيل الدبلوماسي بين البلدين إلى مستوى السكرتير الثاني في السفارة، وطرد السفير الإسرائيلي، وسحب الدبلوماسيين الأتراك ما فوق السكرتير الثاني، وتعليق الاتفاقيات العسكريَّة وكل العقود المبرمة بين البلدين، وهو ما اعتبره البعض محاولة لتعديل ميزان الثقل العربي والإسلامي في موازاة الضغط الإسرائيلي الدبلوماسي في العالم. إلا أن المراقبين يؤكدون أن الصوت العربي والإسلامي غير ذي تأثير في الأوساط الدولية، خاصة في ظل تورط المجتمع الدولي كشريك حقيقي في الحصار المفروض على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وبتوجيهات أمريكيَّة وأوروبيَّة وإسرائيليَّة. ويبقى تساؤل ؟!! وفي النهاية يبقى التساؤل: هل يمكن أن يغير ربيع الثورات العربيَّة من الموقف العربي والإسلامي الذي طالما وقف عاجزًا في مواجهة الغطرسة الصهيونيَّة المدعومة أمريكيًّا وأوروبيًّا، والاستجابة لدعوة الدكتور نبيل العربي، الأمين العام لجامعة الدول العربيَّة، إلى اتخاذ موقف مماثل للموقف التركي من تقرير بالمر في الأممالمتحدة والانضمام إلى أنقرة في الجمعيَّة العامة للأمم المتحدة لطلب الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدوليَّة فيما يتعلق بالاعتداء الإسرائيلي على أسطول الحرية وحصار غزة. أم تقف الدول العربيَّة والإسلاميَّة عاجزةً أمام الانحياز الأممي الكامل لكيان الاحتلال الصهيوني وتلتزم الصمت كما التزمته طوال العقود الماضية في مواجهة ما ترتكبه إسرائيل من اعتداءات ضدّ الشعوب العربيَّة والإسلاميَّة بشكلٍ عام والشعب الفلسطيني بشكل خاص؟!