تميز هذا العصر الذي نعيشة بشيء اسمه المقابر الجماعية ، اخترعها حكام كانوا في الأصل نوابا عن الشعب في سياسة أمره وإعلاء شأنه وبناء حضارته ، وكان نصيب المنطقة العربية وافرا من هذه المقابر ، بداية من عهد الاحتلال الأجنبي والسيطرة الإستعمارية ، حتى عصر الحكم الوطني بعد أن نالت الشعوب استقلالها ، أستطيع أن أفهم ان يقوم أي احتلال بغارات على المقاومين الوطنيين ثم تنتهي المعركة بمقابر جماعية للمقاومين من أبناء الشعب . لكن عسير على المرء أن يفهم لماذا يقوم حكام وطنيون بقتل أبناء شعوبهم ومن ثم دفنهم في قبور جماعية ؟ هل خان أبناء الشعب العهد والعقد الذي أبرم بينهم وبين حكامهم فاستحقوا العذاب الأليم والموت الجماعي ؟ إننا وبجهد يسير نستطيع أن نعطي أمثلة لبعض الحكام الذين أقاموا مثل هذه المقابر ، منهم من أدين عالميا ومنهم من لم يدن حتى الآن. المثال الأشهر على ذلك الرئيس المخلوع صدام حسين ومقابره الجماعية التي دفن فيها الآلاف ، لقد كان من السهل التنقيب على الجثث والهياكل التى خبأها نظام صدام حسين بعد القتل الجماعي لضحاياه ، وثار الرأى العام العالمي مستنكرا هذه الجرائم في حق الإنسانية ، واعتبر الذين قاموا بذلك مدانوين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية ، وإبادة جماعية وترتقي إلى جرائم الحرب . وفي سوريا الأسد لاتزال جرائم القتل الجماعي والتطهير الطائفي مطمورة تحت الأرض في قبور جماعية ، تشهد على ذلك مذابح سجن تدمر ومذبحة القرن التي قتل فيها الآلاف في حماة وسيأتي وقت ولعله قريب لأدانة هذا النظام وكشف هذه المقابر وتعويض الضحايا . ولأن مصر "أم الدنيا" فقد ابتكر المسؤولون المصريون مقابر جماعية من نوع جديد وهي مقابر الهدم والغرق والحرق حيث لايستطيع مفتشون دوليون أن يكتشفوا هذه المقابر لأدانة من ارتكبوها - فتحت أنقاض عمارة مصر الجديدة في زلزال عام 92 دفن العشرات وكذلك تحت صخرة المقطم التي تهاوت على البيوت ، فليزيلوا الجبل إن استطاعوا إذا أرادوا أن يدينوا أحدا وهيهات هيهات . - وفي قطار الموت ، قطار الصعيد والذي حرق فيه أكثر من أربعمائة مصري من أبناء البلد ، لم يجد الناس جثث الضحايا ، لقد تفحمت وتحولت إلى تراب ، كذلك ضحايا محرقة مسرح بني سويف ، شباب في عمر الزهور يتفحمون في لحظات . - وفي أعماق الماء مثال صارخ على الاختراع المصري للمقابر الجماعية في ثوبها الجديد ، مايقارب 500 مصري في مقبرة جماعية في أعماق البحر الأحمر في مهزلة سالم إكسبريس ، وفي أعماق الأطلنطي مقبرة أخري لثلة من أفضل أبناء مصر في التخصصات العسكرية سقطت بهم الطائرة المصرية المنكوبة ليدفنوا في الأعماق ، وعودا للبحر الأحمر لتستقر العبارة السلام 98 على عمق 800 متر من سطح البحر وعليها فلذات أكباد مصر من أبنائها المغتربين الذين هجروا الأهل والديار بحثا عن لقمة عيش كريمة لم يجدوها في مصر ، خطفتها من أفواههم حيتان لن يملأ أجوافها إلا التراب . - يبدوا أن البحر الأحمر أصبح المقبرة الجماعية المفضلة للمصريين ليدفنوا فيه ضحاياهم ببساطة لأنه "بحرنا ، وفينا ومننا ، وسيحافظ على سرنا" ، ولا تستطيع أمريكا بأساطيلها وطائراتها أن تقتحم لجة البحر لتكشف هذه المقابر الجماعية ، إذا لافترستها أسماك القرش ، أرأيتم لماذا هو القبر الجماعي المفضل لإخفاء مثل هذه الجرائم؟! - إن إخوة يوسف عليه السلام لما أرادوا التخلص منه رموه في الجب وما هي إلا ساعات ويعثر عليه تجار مارون ، مساكين يا إخوة يوسف ، تعالوا وتعلموا من المسؤولين المصريين كيف تخفون جريمتكم في قاع سحيق لايقدر على إخراجها منه بشر مهما أوتي من علم وقدرة. - إن العالم كله يتابع محاكمة الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين لاتهامه بقتل 182 عراقيا في الدجيل وتوجه له المحكمة تهمة الإبادة الجماعية وارتكاب جرائم حرب ، فمن يحاكم هؤلاء المسئولين على جرائم الإبادة الجماعية والقتل المنظم في حق المصريين. - لماذا في مباراة كرة قدم بسيطة تستدعى أطقم حكام دوليين ضمانا للحياد ، أليس قتل آلاف المصريين وانتهاك أعراضهم أولى بالتحكيم الدولي ؟ - السؤال المخيف الذي يطرح نفسه : على من سيكون الدور في المذبحة القادمة ، وأي طريقة للقتل مما مر " حرق أو هدم أو غرق " ستكون هي المفضلة أم أنه لايزال الكثير في جعبة المسئولين مما لانعرفه من طرق القتل والدفن مما لايمكن التوقي منه ؟ ويستحيل كشفه أو إدانة مرتكبيه ؟ [email protected]