فى مقال له بصحيفة ستار يقول الكاتب التركى جميل إرتم : " نحن ندرك أنّ القوة ذاتها التي تقف خلف التنظيم الموازي، هي ذاتها التي حاولت الانقلاب في تركيا خلال ديسمبر 2013،وهي قوة المحافظين الجدد الصهيونية. وبعد تشكل الإسلاموفوبيا وازديادها بعد هجوم باريس، فإنّ الهدف القادم سيكون تركيا، وخصوصا أردوغان،" ما طرحه " إرتم " فى مقاله هو مجال حديث النخب التركية فقد بات من الواضح أن تركيا تواجه إعصاراً قوياً وتحالفاً شيطانياً تلعب فيه بعض الدول الخليجية دوراً مهماً عبر الدعم المالى اللامحدود من أجل إبقاء تركيا حبيسة داخل الأناضول وعدم السماح لها بالتمدد خارجه بحيث تتحول من مجرد دولة معبر وجسر للحضارات والإيديولوجيات المختلفة إلى دولة " مركز " كما عبر البروفيسور / أحمد داود أوغلو فى دراسته الأشهر " العمق الاستراتيجى " فتركيا الحديثة التى تأسست على أنقاض الامبراطورية العثمانية الضخمة ظهرت للوجود وهى مهيضة الجناح بعد إرغامها على التنازل عن ممتلكاتها فى البلقان والقوقاز والشرق الأوسط وإرغامها على الرضا بالحدود التى رسمتها القوى الاستعمارية حينها داخل الأناضول ، كما حاولت تلك الدول عقب الحرب العالمية الثانية زحزحة الوجود التركى من أوروبا إلى آسيا وذلك عبر إرغامها على التنازل عن الجزء الأوروبى من اسطنبول إضافة إلى شرق تراقيا . كما أدارت الحكومات المتعاقبة فى تركيا حتى عام 2002 ظهرها لكل هذه المناطق فى محاولة منها حينها لإحداث قطيعة تامة مع ميراث الدولة العثمانية ، كما أنها لم تكن ترغب فى تحمل مشكلات هذه المناطق . ولكن الرؤية التى حملها حزب العدالة والتنمية وشكلت مرتكزا هاما فى فكره الاستراتيجى هى الخروج من حدود الأناضول ، إذ أن السنوات الطويلة التى قضتها الدولة التركية فى هذا السجن الجغرافى أثبتت للجميع أنها لم تحقق الأمن والاستقرار المنشودين وأن مخاطر التفكك تهدد وحدة الأراضى التركية خاصة فى أجزائها الأوروبية . وبعد أن تمكنت حكومة العدالة والتنمية من القضاء على المشاكل الاقتصادية التى عصفت بالدولة التركية لسنوات طويلة ، واستطاعت تحقيق طفرة تنموية هائلة كان لابد وأن تستثمر فائض القوة لديها فى مد تأثير الدولة التركية خارج حدودها خاصة فى مناطق نفوذ الدولة العثمانية قديماً نظراً للروابط الثقافية والتاريخية التى تربط تركيا بتلك الدول . ولم يكن النظام العالمى ليسكت على كل هذه التطورات خاصة بعد أن أثبتت العديد من المواقف أن قرارات ومواقف تركيا " الجديدة " أصبحت معتمدة على مصالحها ورؤيتها الاستراتيجية وليست وفق ما يُملى عليها ولعل أزمة " كوبانى " الأخيرة أوضحت ذلك بجلاء إذ رفضت تركيا بإصرار شديد الخضوع للإملاءات الأمريكية والتى كانت تريد الزج بها فى أتون الحرب ووضعت تركيا شروطها الواضحة للتدخل وعلى رأسها رحيل بشار الأسد وبناء منطقة عازلة وهو ما رفضته أمريكا بدورها . من هنا كانت التحركات المتكررة للإطاحة بحكومة العدالة والتنمية وخاصة رجب طيب أردوغان ومجموعته ، فكانت المحاولة الأولى فى مايو 2013 فى أحداث جيزى بارك والتى كانت تهدف إلى إحداث انقلاب على الطريقة الأوكرانية ولكن الحكومة استطاعت مجابهتها بكل قوة وشجاعة . ثم كانت محاولة الانقلاب الناعمة فى 17و25 ديسمبر 2013 وذلك عبر الزج بالعديد من الوزراء والمسؤولين فى قضايا فساد " وهمية " بل إن الأنباء كانت تشير إلى أن المخطط كان يستهدف إصدار مذكرة اعتقال فى حق أردوغان نفسه . وتشير التقديرات الحكومية إلى أن هذه المحاولة الانقلابية كبدت الاقتصاد التركى خسائر تصل إلى حوالى 200 مليار دولار !! ثم كان التحالف بين أحزاب المعارضة فى انتخابات الرئاسة والوقوف خلف مرشح واحد " أكمل الدين إحسان أوغلو " ولكن أردوغان تمكن من حسم الانتخابات لصالحه ومن الجولة الأولى . ثم كانت أزمة مدينة عين العرب " كوبانى " والتى تم فيها تصدير الأزمة لتركيا واكتشفنا فجأة أن مشكلة سوريا ليست فى نظام بشار الأسد وممارساته القمعية ولكنها فى دخول تركيا إلى عين العرب !! فكانت أحداث أكتوبر الماضى الدامية التى شهدت تخريباً واسعاً من قبل عناصر حزب العمال الكردستانى وكان الهدف منها إغراق الدولة التركية فى فوضى شاملة تجبرها على الانكفاء على ذاتها مرة أخرى وإرجاعها إلى السجن داخل حدود الأناضول !! ورغم كل هذا الفشل الذى أصاب المخططات والمحاولات الانقلابية إلا أن التحالف الخليجى – الصهيوأمريكى مازال يداعبه الأمل فى إنفاذ مخططاته قبل الانتخابات البرلمانية القادمة والتى ستشكل بداية عهد جديد فى تاريخ الجمهورية التركية إذ من المتوقع أن تتحول تركيا عقبها رسمياً إلى دولة ذات نظام رئاسى مما يعنى مزيداً من الصلاحيات لرجل تركيا القوى رجب طيب أردوغان تمنحه القدرة على تحقيق رؤيته الاستراتيجية . كما سيظل المفكر الاستراتيجى الكبير البروفيسور أحمد داود أوغلو محتفظا بمنصبه كرئيس للوزراء مع تغييرات كبيرة فى أعضاء البرلمان والحكومة إذ سيدفع حزب العدالة والتنمية بكثير من الوجوه الجديدة بعد أن استنفذ كثير من الموجودين حاليا المدد القانونية المنصوص عليها فى لائحة الحزب الداخلية . لذا كان الشعار الذى يرفعه أحمد داود أوغلو معبراً عن هذا التوجه الجديد " تركيا الجديدة .. القوة الجديدة " Yeni Türkiye00000 yeni Güç وكما يقول الكاتب التركى إبراهيم قاراجُل" لقد تغيرت الكثير من المعطيات في تركيا. وهناك الكثيرمما سيتغير. المسألة لاتنحصر في إدارة الدولة أو الإرادة التي تحملها، فتركيا ستضطر لاتخاذ قرارات صعبة في السنوات القادمة. إن كنا نريد الخروج من إطار دولة الأناضول إلى دولة قريبة من دول وشعوب مناطق نفوذنا التاريخي في آسيا وإفريقيا، وأن نهتم بشؤونهم وقضاياهم كل على حدا، فلابد لنا من أن نغير بعض ما حفظناه وأن نغيرلغة خطابنا ووجهة نظرنا " ولكن العجيب والغريب أن النظام العربى بدلا من استفادته من قوة تركيا الصاعدة بقوة تعمل بعض الأنظمة فيها على إفشالها وجذبها إلى المستنقع الآسن الذى تتمرغ فيه منذ عقود طويلة .