في يونيو 2003 نشر المؤرخ الانجليزي الاصل الامريكي الجنسية برنارد لويس مخططا في مجلة "إكسكيوتف إنتلجنت ريسرش بروجكت" التي تصدرها وزارة الدفاع الأميركية دعا فيه الى تقسيم الشرق الأوسط إلى أكثر من ثلاثين دويلة إثنية ومذهبية لحماية المصالح الامريكية واسرائيل. وتضمن المخطط تجزئة العراق إلى ثلاث دويلات، وإيران إلى أربع، وسوريا إلى ثلاث، والأردن إلى دويلتين، ولبنان إلى خمس دويلات، والسعودية إلى عدة دويلات ومصر الى دويلتين قبطية ومسلمة وليبيا الى دويلتين وتنبا المخطط بان كل هذه الكيانات ستشلّها الخلافات الطائفية والمذهبية، والصراع على النفط والمياه والحدود والحكم، مما سيضمن تفوّق إسرائيل لمدة خمسين سنة قادمة. والحقيقة ان مخطط لويس لم يكن الا صدى لدراسة إستراتيجية اعدها في مطلع الثمانينات الكاتب الاسرائيلي عوديد ينون، لصالح وزارتي الخارجية والدفاع الإسرائيليتين، ونشرتها مجلة "كيفونيم" التي تصدرها المنظمة اليهودية العالمية في العدد 14 الصادر في فبراير 1982. تقول دراسة ينون أن اتفاق كامب ديفيد مع مصر كان "خطيئة ارتكبتها إسرائيل"، وان إصلاح ما تسبب فيه الاتفاق من ضرر لإسرائيل يأتي من خلال السعي الحثيث لتجزئة مصر إلى أربع دويلات: قبطية ونوبية ومسلمة عاصمتها القاهرة، ورابعة تحت النفوذ الإسرائيلي في شبه جزيرة سيناء. ودعت الدراسة الى تقسيم لبنان إلى سبعة كانتونات، والسودان إلى ثلاثة، وسوريا إلى أربعة وليبيا الى دولتين والاسراع في تفتيت العراق قبل سوريا لأن قوته تشكل على المدى القصير خطراً أكبر على إسرائيل وايضا تفتيت سوريا ولبنان والجزائر و دول الخليج العربي وإذابة الأردن. وشددت الدراسة على ان مصر المفككة والمنقسمة لن تشكل اي تهديد في المستقبل لاسرائيل بل ستكون ضمانا للسلام لفترة طويلة وتنبات الدراسة بان استمرار التفرقة بين المسلمين والاقباط واثارة الاقتتال بين فئات الشعب المصري مع تردي الاوضاع الاقتصادية سوف يدفع بمصر نحو التقسيم. وبعد ثلاثة اعوام وتحديدا في عام 1985 صدر كتاب عن رئاسة أركان الجيش الإسرائيلي - نشرت جانبا منه صحيفة "يديعوت احرونوت" الاسرائيلية- تضمن نفس مخطط ينون لتفكيك الشرق الاوسط لكنه اشار بشكل خاص الى المساعي الاسرائيلية لضرب العراق وتفتيته، عن طريق تشجيع ومساندة أميركا في التخطيط والهجوم على العراق وإسقاط نظام حكمه باعتباره اولوية قصوي! ومن الغريب ان امريكا غزت العراق بالفعل في مارس 2003 وحلت الجيش وفككت الدولة وانشات بواسطة حاكمها بول بريمر دولة طائفية وعرقية من خلال مجلس الحكم والحكومة والانتخابات التي فتتت العراق على اسس طائفية ومذهبية وعرقية، وفي سبتمبر 2007 اصدر الكونجرس الامريكي قرارا بتقسيم العراق الى ثلاث دويلات كردية في الشمال وسنية في الغرب وشيعية في الوسط والجنوب بعد ان مهد لهذا بسياسة الحصص الطائفية وتفجير الصراعات المذهبية والعرقية. وبعد اربعة اعوام وتحديدا في 9 يوليو 2011 تم الاعلان رسميا عن قيام دولة في جنوب السودان بعد حرب اهلية استمرت خمسة عقود ليفقد الشمال ثلاث ارباع احتياطات النفط الموجودة في الجنوب وفي 27 يوليو 2011 تم الاعلان عن علاقات دبلوماسية كاملة بين جنوب السودان واسرائيل! في يناير 1956 تم فصل السودان عن مصر وفي يناير 2011 تم تقسيم السودان الى دولتين اثر استفتاء شعبي في الجنوب وفي 25 يناير 2011 اندلعت ثورة شعبية في مصر ضد نظام مبارك الحليف الاكبر للولايات المتحدة واسرائيل فيما بدا وكانه لطمة قاسية ضد مؤامرة تقسيم السودان، بعدها تحركت فلول نظام مبارك لنشر الفوضى والانفلات الامني بينما رأت قوي خارجية ان الفرصة اصبحت سانحة لتفكيك مصر. وبدا واضحا ان هناك اتفاق بين فلول النظام السابق وحلفائه في الخارج على اعتماد سياسة الفوضي الخلاقة بهدف اعادة انتاج النظام القديم بوجوه جديدة او قيام نظام شمولي آخر، ومنع وصول التيارات الاصولية والليبرالية واليسارية الى الحكم، فقيام دولة قوية ومستقلة وديمقراطية في مصر يهدد مصالح الجميع وامن اسرائيل! ومع استمرار اعمال العنف والصراعات السياسية والطائفية وتصاعدها بمعدلات خطيرة يبدو اننا الان امام عملية منظمة لنشر الفوضي والانفلات الامني ودفع المصريين للتقاتل ضد بعضهم البعض، وكل ما اخشاه ان ينتهي الامر بتقسيم مصر وفق خطة عوديد ينون!