لم يكن أحد يتصور أن يحدث هذا فى مصر . النظام الحاكم كان مستبداً وظالماً لشعبه ولم يك يعبأ بغضب الجماهير الحاشدة فى ميادين مصر حتى أطاحت به واستقرت رأسه أخيراً فى شرم الشيخ ثم أحيل إلى المحاكمة مع أبنائه ومعاونيه الذين تورطوا فى اتهامات يعاقب عليها القانون . ومن الجدير بالذكر أن هناك فريقاً من الناس تأثروا حين رأوا مبارك فى هذا المشهد هو وأبناؤه يقفون إذلاء خلف قفص حديد ما كانوا يتصورون أبداً أن الحال ستصل بهم إلى هذه الدرجة , فالترتيبات كلها كانت نحو توريث البلاد للأبناء والأحفاد من سلالة مبارك !! ولم تكن هناك دلائل تدل على أنهم سوف يتركون البلاد فراراً .. فكيف يهربون وأمريكا تساندهم وإسرائل مغرمة بهم !! صحيح أن هناك قصوراً وأموالاً فى الخارج ولكنها على سبيل الإقامة للتنزه وتبقى رصيداً لجيل الأحفاد من العائلة المالكة !! ولقد تعجب البعض لماذا لم يفر الرئيس وكانت الفرصة أمامه سانحة ؟ والإجابة بالطبع سهلة لقد كان يطمع فى أن يعود إلى الحكم مرة أخرى فضلاً عن فقده الشعور بالأمان فى أى بلد فى العالم لأنه سيكون مطلوباً بشدة وما أكثر خصوم الرئيس المخلوع ؟!! وإذا كنا نتكلم فى هذا المقال عن العفو أو العقاب فطبيعتى الشخصية تميل إلى العفو والصفح فيما يخصنى لكون آية النصر التى وقعت أنستنى الكثير من آلام الحبس والاضطهاد الذى طالت أيامه , ولكن ليس من حقى أو من حق أحد أن يعفو فيما لا حق له فيه , فالدماء التى تم إهدارها فى ميدان التحرير لها أولياء دم من العصبات كالآباء والأبناء فهم أصجاب الحق دون غيرهم فى طلب القصاص أو أخذ الدية أو العفو وبالتالى فإن من يتكلم عن ضرورة العقوبة أو العفو هو مجرد ناصح يعرض وجهة نظره فحسب ولا يصح له حمل أصحاب الحق على أى شئ من ذلك الذى يختص بدم الشهداء .. أما ما يتعلق بتعدى الرئيس على أموال الشعب فلا بد من ردها لأنها ملك للكافة لا يسقطها تنازل البعض عنها , ولقد تعجبت ممن رأى مبارك من وراء القضبان فرق قلبه ودمعت عيناه ولم يذكر ما قام به مبارك والعادلى طوال فترة التسعينات التى قتل فيها المئات من الشباب فى الطرقات والزنازين والمستشفيات ومات عشرات الآباء والأمهات حزناً على فقد الأبناء , وبكت الزوجات والأطفال على فقد العائل لكونه معتقلاً ولا يجدون من ينفق عليهم لدرجة أن أمن الدولة كانت تقبض على كل من يساعد أسرة معتقل ولو برغيف خبز واحد !! ناهيك أيها القارئ عن حالة القهر على مدى عقود ثلاث , وما جرى فى ميدان التحرير من قتل وإصابات كل هذا نسيه أنصار الرئيس من المنتفعين الذين يريدون أن يعود الرئيس إلى الكرسى فتجمهروا أمام المحكمة يطالبون بالإفراج عنه لأمجاده السابقة !! حقيقة إنها الحرية أن يعبر كل منا عن رأيه ولكن يبقى الحكم للقاضى فى الدنيا على ما اقترف من جرائم أما فى الآخرة فالحكم لله العلى الكبير حيث سنرى ختام المشهد تحت لافتة { فريق فى الجنة وفريق السعير } { يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم }