يبدو أن محاولة إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما احتواء تداعيات "تقرير التعذيب", لن تكون بالأمر السهل, خاصة بعد مسارعة عدة دول لاستغلال هذه "الفضيحة", للانتقام من أمريكا. وكان مرشد الجمهورية الإيرانية علي خامنئي ندد عبر موقع التواصل الاجتماعي "تويتر", بما ورد في التقرير، حول أن تصرفات عملاء وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية "سي أي أيه", عقب أحداث 11 سبتمبر 2001 , كانت أكثر قسوة, مما كان معروفا من قبل، وأنهم مارسوا أنواعا قاسية من التعذيب ضد المشتبه بهم. وأضاف خامنئي " التقرير أظهر الحكومة الأمريكية كرمز للطغيان ضد الإنسانية", كما قال في تغريدة أخرى :" انظروا إلى الطريقة التي تعامل بها الإنسانية من قبل القوى المهيمنة بالدعاية البراقة, وباسم حقوق الإنسان والديمقراطية والحرية". وبدورها, دعت الصينالولاياتالمتحدة إلى "إصلاح أساليبها"، وقال المتحدث باسم الخارجية الصينية هونغ لي في مؤتمر صحفي :"الصين تعارض التعذيب بشكل مستمر، ونعتقد أن الجانب الأمريكي يجب أن يفكر في نفسه, ويصحح طرقه, ويحترم المواثيق الدولية, ويلتزم بها". ومن جهتها, طالبت كوريا الشمالية مجلس الأمن الدولي بإدانة الولاياتالمتحدة، واعتبرت أن ما كشفه التقرير يشكل اختبارا جديا لمصداقية المجلس. وبدوره, دان الرئيس الأفغاني أشرف غني, التعذيب الذي مارسته "سي أي أيه"، وقال في مؤتمر صحفي في كابول :"لقد انتهك عدد من موظفي ومتعاقدي (سي أي أيه) جميع مبادئ حقوق الإنسان المقبولة والقوانين الأمريكية". وأضاف أن الحكومة الأفغانية تدين هذه الأعمال غير الإنسانية بأشد العبارات، وأنه "لا يمكن تبرير مثل هذه الأعمال وممارسات التعذيب غير الإنسانية في عالم اليوم"، وعبر عن أسفه لأن التقرير "يظهر أن عشرات الأفغان تعرضوا للتعذيب وانتهكت حقوقهم". وفي برلين, نددت الحكومة الألمانية بوسائل تعذيب "سي أي أيه", واعتبرتها "انتهاكا خطيرا للقيم الديمقراطية". وفيما أشاد الاتحاد الأوروبي بنشر التقرير، قالت كاترين راي مسئولة السياسة الخارجية في الاتحاد :"إن الاتحاد يدين كافة أشكال التعذيب وسوء المعاملة, مهما كانت الظروف بما في ذلك مواجهة الإرهاب"، مضيفة "هذا جزء من سياستنا في مجال حقوق الإنسان". وفيما يتعلق بردود فعل الصحف الغربية, ذكرت صحيفة "الديلي تليجراف" البريطانية أنه بعد أربع سنوات من الجدل الشديد بين وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية "سي أي ايه", ولجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ الأمريكي، تواجه الولاياتالمتحدة الآن "يوم الحساب" على استخدام التعذيب بعد هجمات 11 سبتمبر 2001. وأشارت الصحيفة في تقرير لها في 9 ديسمبر إلى التقرير الموجز المكون من 480 صفحة, الذي نشره مجلس الشيوخ الأمريكي, والذي احتوى على تفاصيل واضحة عن استخدام "سي أي ايه" أساليب تعذيب قاسية, بما في ذلك الإيهام بالغرق, ضد المشتبه بهم من تنظيم القاعدة, الذين كانوا محتجزين في معتقل جوانتانامو, وفي سجون سرية في دول حليفة لواشنطن. وفي السياق ذاته, قالت صحيفة "الجارديان" البريطانية إنه بعد نشر لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ الأمريكي تقريرا حول التعذيب خلال "الحرب على الإرهاب", تشعر عدة دول كانت متحالفة مع واشنطن, من بينها بريطانيا, بالقلق من فضح دورها في برنامج ترحيل واستجواب المعتقلين. وأضافت الصحيفة في تقرير لها في 9 ديسمبر أن هذه الممارسات تمت خارج الولاياتالمتحدة في سجون سرية في أوروبا وآسيا والشرق الأوسط، حتى أن أحد التحقيقات غير الرسمية خلص العام الماضي إلى أن البرنامج شاركت فيه 54 دولة من جميع أنحاء العالم، 25 منها في أوروبا. أما صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية, فقد اعتبرت نشر التقرير في خضم الحرب التي تقودها أمريكا ضد "الإرهاب", وضد تنظيم الدولة "داعش", هو "عمل طائش إلى حد بعيد": وأضافت الصحيفة في تقرير لها في 9 ديسمبر " ما حدث عمل طائش, بالنظر إلى موقف أفراد الاستخبارات المشاركين في برامج أخرى مثل الضربات بالطائرات دون طيار ضد الإرهابيين التي تنفذها مجموعة من الدول في أنحاء العالم، لأن هذه الضربات مفوضة من قبل الرئيس، والكونجرس على علم بها, وتعتبر قانونية من وجهة نظر المدعي العام الأمريكي, وفائدتها مقررة من قبل سي أي أيه". ومن جانبها، ذكرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية أن التقرير المذكور يستحق النشر لكنه ما زال مليئا بالثغرات، لأن ضحايا التعذيب لم يلتقِهم محققو لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ، ولم يقيم التقرير أساليب الاستجواب المثيرة للقلق التي تستخدمها وزارة الدفاع الأمريكية على عدد أكبر من المعتقلين، وسيحتاج الأمر إلى محاسبة عامة في المدى الذي غطت أو عتمت فيه المخابرات المركزية على أنشطتها في السجون السرية. وكان تقرير موجز صادر عن لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ الأمريكي في 9 ديسمبر كشف أن الاستجوابات التي قامت بها "سي أي ايه" خلال الحرب على ما يسمى الإرهاب في عهد الرئيس السابق جورج بوش الابن (2001-2009), لم تكن فعالة، وكانت أعنف مما اعترفت به الوكالة حتى الآن, منددا بشدة بالاحتجاز السري لنحو مائة شخص يشتبه في ارتباطهم بالقاعدة. وفور نشر التقرير, ندد الرئيس الأميركي باراك أوباما بما اعتبره وسائل "مخالفة" لقيم الولاياتالمتحدة. وقال أوباما في بيان له في 9 ديسمبر :" إن تقنيات الاستجواب شوهت كثيرا سمعة أمريكا في العالم"، واعدا بالقيام بكل ما هو ممكن لضمان عدم تكرارها. وبدوره, أكد المتحدث باسم البيت الأبيض جوش آرنست أن الولاياتالمتحدة مستعدة لمواجهة التهديدات الأمنية المحتملة بعد نشر التقرير, الذي يتعلق بأساليب الاستجواب القاسية, التي تمارسها وكالة المخابرات المركزية بحق معتقلين من القاعدة. وفي متابعته لتداعيات التقرير, قال مراسل قناة "الجزيرة" في واشنطن محمد العلمي إن الأصداء كانت مدوية منذ اللحظات الأولى من نشر ملخص بنحو 480 صفحة عن التقرير الأصلي, الذي يتكون من ستة آلاف صفحة. وأضاف أن التقرير يرسم صورة قاتمة لسلوك عملاء وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية في تعذيب من اعتقلوهم، وأن مستوى التعذيب كان أكثر وحشية وقسوة مما كان معروفا من قبل، وعدد المعتقلين كان أكبر مما أشيع من قبل، وأن عملاء الاستخبارات بالغوا في تصوير فعالية التعذيب أمام الرأي العام الأمريكي وأمام الحكومة. وأشار العلمي إلى جانب آخر كشف عنه التقرير وهو أن فكرة التقرير التي بدأت بين الحزبين بلجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ, انتقلت لتصبح مصدر خلاف شديد بينهما، حيث يقول المدافعون عن الوكالة إن سلوك المحققين ساهم في حماية أمن الولاياتالمتحدة، بل ساعد على الوصول إلى مؤسس تنظيم القاعدة أسامة بن لادن. أما عن فعالية التقرير, فقد أشار مراسل "الجزيرة" إلى أنه على الرغم من صدور التقرير, فإن أحدا من المسئولين عن وقائع التعذيب لم يمثل أمام أي من المحاكم أو لجان التحقيق الخاصة بانتهاكات حقوق الإنسان. وتوقع العلمي أن يكون لصدور التقرير ردود فعل واسعة من قبل منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان, خصوصا أنها طالبت منذ فترة طويلة بمثول المسئولين عن هذه الوقائع أمام المحاكم ولجان تحقيق خاصة. وكانت الحكومة الأمريكية حذرت في السابق مجلس الشيوخ من أن نشر التقرير, قد يتسبب في ظهور تهديدات جديدة للمصالح الأمريكية حول العالم, أو حتى داخل الأراضي الأمريكية.