في ما يشبه المسرحية الهذلية ، قدمت الإعلامية / لميس الحديدي على القناة الأولى المصرية في برنامج " إتكلم " صورة آخرى من صور تلميع رموز الحزب الوطني ، وإفساح المجال ليدافع كلاً من هؤلاء عن نفسه ، ولعل الأشد ضحكاً ، هو تصريحات وزير الإعلام المصري في مناسبة ومن غير مناسبة عن " الشفافية المطلقة " التي يتمتع بها إعلامنا المصري . أي شفافية تلك التي تسمح لقاتل مثل " ممدوح إسماعيل " أن يتخذ من التليفزيون المصري منبراً ليبرر لنا من خلاله جريمة هزت وجدان العالم كله ، وتسببه بمنتهى الإهمال واللامبالاة في إزهاق أكثر من ( 1000 ) نفس بشرية منهم أطفالاً ونساءاً وشيوخاً ، ثم يتيح نفس التليفزيون وفي عهد نفس الوزير بفتح ذراعيه لمحتكر صناعة من أهم الصناعات المصرية ، وهو المهندس أحمد عز أمين التنظيم في الحزب الوطني إمبراطور صناعة الحديد والصلب في مصر . الغريب هو عرض رقم التليفون الخاص بالبرنامج والذي حاولت طوال فترة عرض البرنامج المذاع على الهواء الإتصال بهم ، ولكن طيلة فترة البرنامج والخط مشغوا ... مشغول يعني ، كما كان يسميها الراحل الفنان " محمد رضا " ، وإتضح إن أنا كنت " عبي " ... عبيط يعني عندا تصورت للحظة أن مثل هذا اللقاء قد يكون للمناقشة حتى ولو كان على الهواء ، فهي حلقة للعرض فقط . إن أحداً لا يملك إلا أن يرفع قبعته لكل مصري ناجح يساهم في نهضة بلده ، وتنمية إقتصادها ، أما النجاح الذي يتأتى من عرق الكادحين ، ودماءهم ليس بنجاح ؛ بل هو تدمير وإبتزاز للوطن والمواطنين من خلال إستغلال المناصب العليا في الدولة لتيسير مصالح شخصية ، بغض النظر عن تماشي هذه المصالح مع عموم الشعب من البسطاء أو تعارضها معهم وبالتالي " سحقهم " إذا تعارضت مصالحهم مع مصالح الكبار . لقد آثار لقاء الإعلامية لميس الحديدي بأمين التنظيم داخل الحزب الوطني " أحمد عز" وفي لقاء مباشر لا يختلف كثيراً عن لقاءات الإعلاميين بقاتل الألف نفس عضو مجلس الشورى الهارب " ممدوح إسماعيل " ، آثار حفيظة الجميع من خلال الردود المرسلة التي لا تدعمها مستندات أو أوراق رسمية ، وبدلاً من تدعيم موقفه بمستندات رسمية موثقة ، لرفع أي تهمة أو شبهة عن نفسه ، راح يسترسل بكلام في كلام ، ويقول من ضمن كلامه " أنا أستدعي بيانات من الذاكرة " وهذا منتهى الإستخفاف بعقلية المشاهد ، لم يرد في أي من دساتير الدول أن جاء الرد على بعض الإتهامات أو الشبهات بإستدعاء أحداث من الذاكرة ، وبدأ أمين التنظيم يعقد مقارنات بينه وبين " بيل جيتس " صاحب شركة ميكروسوفت وأغنى رجل في العالم ، ثم بدأ في عقد مقارنات بين أسعار الحديد في كل من دول أوروبا الغربية وأمريكا والسعودية ، بقصد إظهار أسعار الحديد في السوق المصري بأنها اقل من مثيلاتها في مثل هذه الدول ناسياً أو متناسياً أن معدل الدخل للفرد في هذه الدول يفوق بكثير معدل الدخل للفرد في بلدنا " المحروسة " . وفي دراسة لمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية عن صناعة الحديد والأبعاد الاحتكارية في تسعير حديد التسليح في مصر، واحدة من أهم القضايا الاقتصادية التي مازالت مطروحة حتي الآن والتي فجرها الارتفاع السريع والمبالغ فيه وغير المنطقي لأسعار حديد التسليح بصورة تفوق متوسطات الاسعار في الاسواق الدولية ، وتنطوي بشكل صريح علي ممارسات احتكارية لم تقم الحكومة بمواجهتها بالصورة المطلوبة لحماية المستهلكين وحماية صناعة العقارات واعتبارات النمو الاقتصادي في مصر. وتشير الدراسة الي أهمية حديد التسليح بالنسبة لقطاع العقارات والانشطة العديدة المرتبطة بصناعة البناء والتشييد ، التي تصل الي نحو(90) حرفة وصناعة . وتستعرض الدراسة التفسيرات المتداولة لارتفاع اسعار الحديد ، من حركة أسعار الصرف وتأثيرها علي أسعار الوارادات إلي الممارسات الاحتكارية للمنتج الذي يتحكم في اكبر شركات انتاج الحديد في مصر ، دون ان تكون ملكيته فيها موازية لسلطاته غير المنطقية عليها. وتعرض الدراسة لأداء مختلف شركات صناعة الحديد في مصر ، ثم تنتقل لتناول قضية وجود احتكار في صناعة الحديد ، وفي فرض أسعار احتكارية لحديد التسليح في مصر ، وتركز بصفة خاصة علي تطور شركة الاسكندرية الوطنية للحديد والصلب ، وتطور هيكل ملكيتها وادارتها منذ انشائها وحتي الآن ، وبالذات منذ أن امتلكت شركة العز لحديد التسليح نسبة90.9% من قيمة اسهم الشركة وما ترتب عليه من دخول أحمد عز في مجلس ادارتها في نوفمبر 1999 ، ثم توليه رئاسة مجلس ادارتها ، وما تلاه من قيامه بتخفيض انتاج الشركة من حديد التسليح الي 1.2 مليون طن بعد أن كانت تنتج 1.8 مليون طن ، وفي نفس الوقت لم يقلل انتاج البيليت وهو الخامة اللازمة لانتاج حديد التسليح مما اسفر عن وجود فائض بالبيليت تم بيعه الي شركة العز بسعر180 جنيها للطن بينما يصل سعره بالسوق وقتها 800 جنيه, مما حقق ارباحا لشركة العز بينما حققت شركة الدخيلة للمرة الأولي خسارة بنحو 35 مليون جنيه ، بعد أن كانت تحقق ارباحا سنوية لاتقل عن 100 مليون جنيه ، وهي الآلية الرئيسية التي اخترعها بعض رجال الاعمال لاستحلاب الشركات المشتركة لمصلحتهم ، ولم يوافق رئيس الشركة علي بيع البيليت لاي شركة سوي لشركة واحدة ، حيث تعاقد معها علي بيع 30 ألف طن ، إلا أن ما تم تنفيذه بالعقد لم يتجاوز التسعة آلاف طن . وتشير الدراسة الي أنه نظرا لاعتماد غالبية شركات القطاع الخاص لانتاج حديد التسليح علي البيليت لانتاج حديد التسليح ، خلال عملية الدرفلة ، بينما تقوم شركة الدخيلة بانتاج البيليت والدرفلة معا ،فقد طلبت شركات حديد التسليح الخاصة شراء البيليت من شركة الدخيلة أسوة بقيامها ببيع كمية منه لشركة العز ، إلا أن شركة الدخيلة في ظل رئاسة احمد عز لها لم تستجب لتلك الطلبات سوي كمية ضئيلة لاحدي الشركات ، وترتب علي ذلك أن قامت شركتا الحديد والصلب والسويس للصلب برفع قضية اغراق ضد الواردات من خام البيليت من روسيا وأوكرانيا, ولأن سعر الطن من البيليت المستورد من روسيا كان180 دولارا للطن آنذاك ، وسعر طن حديد التسليح الوارد منها يصل الي 190 دولارا ، فإن فرض رسوم اغراق علي البيليت كان يعني ان شراء حديد التسليح كمنتج نهائي سيكون أرخص. ومن هنا ، ثار خلاف بين هؤلاء المنتجين وأحمد عز وبدأ اتهامه علانية بالاحتكار ، باعتباره حسب قولهم المحرك لقضية الاغراق ضد البيليت الروسي ،خاصة أن مصر لم تكن تنتج وقتها سوي 600 ألف طن من البيليت الذي لا يكفي احتياجاتهم . وتتناول الدراسة بعد ذلك تطورات أزمة ارتفاع اسعار حديد التسليح ووجهات نظر الاطراف المختلفة ذات العلاقة بهذه الأزمة ، وتطرح الدراسة تقويما عاما لادارة الحكومة لأزمة ارتفاع أسعار حديد التسليح ، مؤكدة أن تراخي الحكومة في مواجهة المشكلة قد أخل باعتبارات العدالة والكفاءة معا ، ومؤكدة أيضا ضرورة مكافحة الاحتكار وحماية المستهلكين. [email protected]