أعترف بأن قلبي كان مع قطاع من الشباب المعتصمين في ميدان التحرير وخاصة بعض أسر الشهداء ولكن عقلي كان مع قرار إنهاء الاعتصام لأنه أضر بالثورة ذاتها قبل أن يضر بمصالح ملايين المواطنين بدون أي معنى ولا مردود سياسي ، ورغم أني مدرك أن في الميدان كثيرا من الشباب النزق والمستهتر والذي يتخذ الاعتصام "منظرة" وتسلية لوقت فراغ عاطل واصطناع بطولة مزيفة بدافع المراهقة السياسية وبدون أي أفق سياسي ، إلا أني كنت مدركا وأعلم أن بين المعتصمين شبابا مخلصا ووطنيا يرى أن الاعتصام أداة ضغط لاستكمال تحقيق مطالب الثورة وحمايتها ، وكان بينهم بعض الشباب الإسلامي الذين أعرفهم بالاسم من أعضاء الائتلاف الإسلامي الحر . كانت قناعتي التي أدين بها لربي ووطني أن استمرار هذا الاعتصام هو أسوأ دعاية مضادة للثورة ، بل ويمثل دعما معنويا كبيرا لكل القوى المتربصة بالثورة والحريصة على تشويه صورتها واستنبات وعي جماهيري كاره لها ومستفز من تداعياتها ، وهذا خطر أكيد على الثورة ورسالتها وأهدافها ، ولكم تمنيت أن ينتهي الاعتصام بضغط شعبي من القوى الوطنية والأحزاب والكتل السياسية المختلفة ، ولكن مع الأسف الجميع كان يجري حساباته في سوق المزايدة وليس في سوق الوطن ، وبالتالي لزم الجميع الصمت ، وطبطبوا على الشباب النزق وعديم الوعي السياسي والذي يعمل بأفق مغلق تماما وسوداوي التفكير ، الكل كان يخشى أن يتهم بأنه ضد "شباب الميدان" ، كما أن فضائيات وصحف غسيل الأموال ، كانت حريصة للغاية على مباركة هذا الاعتصام ودعمه إعلاميا وسياسيا ، لأهداف لا صلة لها بالمرة بالثورة ، بل أزعم أنها لأهداف "الثورة المضادة" التي تتعامل الآن بذكاء بالغ مع فعاليات الثورة المصرية وقواها . التيارات الإسلامية وحدها هي التي تكلمت بوضوح عن خطورة هذا الاعتصام ، وحذرت من نتائجه ، واتهمت المعتصمين صراحة بأنهم يعملون ضد الثورة ، وأن سلوكهم لا يختلف أبدا عن سلوك البلطجة ، وإن تمسح بقضايا ومطالب ثورية ، وتحمل الإسلاميون الاتهامات الرخيصة بأنهم ضد الثورة وأنهم يتحالفون مع المجلس العسكري ويعقدون معه صفقة ضد "ثوار الميدان" ، وهو كلام كذب واستهبال ويعرف من أطلقوه أنه كذب ، ولكنهم كانوا يبحثون عن مكاسب صغيرة على حساب الوطن ومصالحه وعلى حساب الثورة ذاتها وسمعتها وقدسيتها في ضمير الشعب . أسوأ مشهد يمكن أن ينتهي إليه الاعتصام هو ذلك الذي شهده ميدان التحرير أمس ، أن يكون على يد قوات الشرطة العسكرية والأمن المركزي وسط هتافات شعبية عفوية من أصحاب المصالح المباشرة ، من التجار والعمال وأصحاب المحلات في الشوارع المطلة على ميدان التحرير والذين تعرضوا لخسائر بالملايين خلال الشهر الأخير بسبب غلق الميدان بدون أي معنى ، وبطبيعة الحال لا بد من أن نلتمس العذر لتدخل الشرطة العسكرية ، لأن الأمور بدأت تصل إلى حد غلق وسط القاهرة بالكامل ، لأن بعض المواطنين والتجار لجأوا إلى إغلاق ميدان طلعت حرب لإجبار السيارات على دخول ميدان التحرير أو أن يتوقف كل شيء ، يعني علي وعلى أعدائي كما يقولون ، ولا يمكن مطالبة الشرطة بالتصدي لمن يغلق ميدان طلعت حرب الصغير وتترك من يغلق ميدان التحرير الضخم ، إضافة إلى تواصل المعارك بين أصحاب المصالح وبين الشباب المعتصم بشكل تصاعدي يوميا مع استعدادات الطرفين بالمولوتوف والأسلحة البيضاء والشوم وأنابيب البوتاجاز ، وكان استمرار هذا التصعيد يعني أن مهزلة تشهدها القاهرة بالفعل مشينة لمصر وسمعتها ، كدولة ووطن وثورة . لا أتمنى أبدا أن نشهد مثل هذا الموقف من جديد ، أو أن يتدخل الجيش أو الشرطة لإنهاء اعتصام ثوري ، لأنه إهانة لنا جميعا ، وأرجو أن تبادر القوى الحقيقية لتكوين لجان شعبية قادرة على الحوار والإقناع وأيضا التصدي لنزق الشباب واستهتارهم ومنعهم من هذا العبث المتكرر ، لأن حماية الثورة ليست فقط من أعدائها وخصومها ، بل أيضا من تطرف بعض أبنائها والمنتسبين إليها . [email protected]