نشرت صحيفة "هاآرتس"، صباح اليوم الأحد، مقالا تحليليا لخبير الشؤون العربية، تسيفي برئيل، يعلق فيه على قرار القضاء المصري بتبرئة الرئيس المصري الأسبق، محمد حسني مبارك، من التهم التي نسبت إليه في أعقاب اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني عام 2011. يبدأ برئيل مقالته باستنكار الحكم الصادر من محكمة جنايات القاهرة، والذي يقضي ببراءة مبارك من جميع المخالفات التي ارتكبها طيلة ثلاثين عاما من ولايته، من تصدير الغاز لإسرائيل وسرقة أموال الشعب وقمع الحريات، يقول الكاتب "حقا براءة مستحقة، الشعب هو من صدر الغاز المصري إلى إسرائيل، الشعب هو من أمر بقتل المتظاهرين، الشعب هو من سرق أمواله، الشعب هو سبب الفقر والجهل، الشعب هو من أكل الجبنة". ويستمر الكاتب في توجيه اسقطاته على القضاء المصري قائلا "مبارك سيستمر في قضاء عقوبته لمدة ثلاثة سنوات في غرفته بالمستشفى على ذمة قضية أخرى، أما قضية قتل المتظاهرين فقد برئ منها، لأن مبارك ابن ال 85 عاما، لم تتم مقاضاته على التجاوزات التي وقعت طيلة فترة ولايته التي استمرت على مدار ثلاثة عقود من قمع الحريات والإضرار بحقوق المواطنين ناهيك عن القوام الفاسد للمنظومة الحاكمة في عهده، كل ذلك لم يتم مقاضاة مبارك عليه كون مواد القانون الجنائي المصري لا تشمل تلك الأمور. وتتم محاسبة مبارك على عدة قضايا محدودة من بينها بيع الغاز القومي لإسرائيل والإضرار بالاقتصاد المصري وإصدار قرار للشرطة بقتل المتظاهرين خلال أيام الثورة التي قتل خلالها ما يقرب من 846، فلقد حُكم عليه منذ عامين بالحبس مدى الحياة جراء تلك التهم لكن سرعان ما برئته محكمة الاستئناف جراء خطأ فني في عريضة الدعوى على حد تعبيره. واستعرض الكاتب أوجه استقبال قرار المحكمة على مختلف أطياف المجتمع المصري من مؤيد ومعارض، فبالنسبة للمؤيدين للرئيس السابق، استقبلوا هذا الحكم بسعادة بالغة فيما استقبل معارضوه هذا القرار بغضب شديد، الأمر الذي من شأنه أن تكون له عواقب وخيمة بعيدة المدى وغير متوقعة في الفترة الحالية. أما عن أثر هذا الحكم على شخصية الرئيس الأسبق داخل المجتمع المصري، فيرى هرئيل أن مبارك الذي كان إسقاطه رمز لنجاح الثورة والذي كان من المقرر أن يصبح بمثابة الوتر الأخير لحكم الضباط الأحرار "الاستبدادي" الذي بدأ مع ثورة 1952، من المقرر أن يصبح رمزا لتجديد هذه الطريقة "الاستبدادية". كما يرى برئيل أن المواد القانونية التي تفسر قرار البراءة لن تنجح في نفي العلاقة بين القصر الرئاسي الذي يجلس فيه الآن الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي وبين سرير مبارك الذي يرقد عليه الآن، فبكل بساطة يمكنا القول إن جنرال كان سببا في تبرئة جنرال آخر أو بمعنى آخر رئيس برئ رئيس سابق. وتابع المحلل الإسرائيلي، إن هذا اليوم الذي يعيد مصر إلى ما كان قبل 25 يناير 2011 لن يُمحى من ذاكرة مصر، لكن التساؤل يبقى وهو الحرية أم الموت، ذلك التساؤل الذي كتب على الصفحة الرئيسية لحركة "6 أبريل" أحد القيادات الأساسية للثورة والتي اعتقل عدد من أعضائها بأمر قضائي خلال هذا العام. أما عن قرار المحكمة، فيرى الكاتب أنه إذا لم يتغير هذا الحكم فإن ذلك سيوفر على الرئيس السيسي معضلة "العفو" المتوقع عن مبارك، لكن عندما يتم تبرئه وزير الداخلية السابق حبيب العدلي المسؤول عن تفرقة تظاهرات يناير هو الآخر وعدد من كباري ضباط الشرطة من تهمة قتل المتظاهرين ينبغي أن يكون هناك من يفسر للشعب المصري أين يختبئ المتورطون في قتل المتظاهرين؟.