سامحكم الله كلما بدأنا ننظر إلى الأمام ونتطلع إلى افاق المستقبل عدتم بنا خظوات إلى الوراء، لدي في أجندتي الخاصة عشرات المواضيع والأفكار التي تحمل أفكارا مني ومن الآخرين في كيفية النهوض بمصر وتنميتها لتعد إلى مكانتها الطبيعية ولكني أجدني مضطرا مرة أخرى للتوقف مع الحاضر وأحداثه التي لا يمكن تجاهلها لأنها تساهم كثيرا في تشكيل واقع الغد ليس فقط على المستوى السياسي وانما أيضا لعى المستوى الثقافي والاجتماعي مع الأيام الأولى للثورة وبعد تنحي مبارك استشعر الجميع انهم استردوا الوطن وأنه أصبح مسئولا عن كل شبر فيه وكان نتيجة ذلك أن انتشرت تلك الثقافة بين الكثير من أطياف المجتمع فأصبحت تجد الشباب يحملون علم مصر ويشاركون في أي عمل يشعرهم بانتمائهم للوطن رأيت بعيني كيف وقف العشرات منهم على كل مداخل ميادين القاهرة ويقومون بتنظيم حركة المرور بمنتهى الجد والاخلاص شاهدت ذلك الرجل الأريعيني في محطة مترو الأنفاق وهو يحني ظهره ليلتقط بعض الأوراق الملقاة على الأرض ثم يحملها بيده إلى سلة المهملات وقفت أتأمل تلك المجمعات من البنات والأولاد من شباب الثانوي والجامعة وهم يشكلون قوافل لزيارة كل المؤسسات في مطقتهم كالمدارس والهيئات الحكومية كانت رسالتهم لكل فرد فيها لا رشوة بعد اليوم لا تقبل بأي حالة فساد اجتهد واخلص في عملك فبلدك في حاجة اليك كانت الغالبية الساحقة من الشعب بعد انجاز الثورة تشعر بأمل كبير في المستقبل وتتطلع لمزيد من البناء وكانت تلك هي ثقافة المجتمع حينها هل تذكرون كلماته رحمه الله الثائر الحق الذي تذكرتها كثيرا وأنا أشاهد ثقافة جديدة تبرز في المجتمع في الأسابيع الأخيرة ثقافة فرض الأمر الواقع وانتزاع الحق بالقوة ليس على المستوى السياسي فقط وانما حتى على المستوى الاجتماعي في اشارات المرور وفي قمامة الشوارع ومع الباعة الجائلين حيث تسود تلك الثقافة مع تنامي الشعور لدى البعض من غياب سلطة القانون الحاكمة بالاضافة إلى ذلك الشعور الذي ساهم البعض في غرسه من أننا لا زلنا في مرحلة الهدم ولم تحن لحظة البناء بعد نتيجة عدم تحقيق مطالب الثورة كاملة وهنا يجب أن نطرح السؤال الخاص بفهمنا للثورة هل هي هدف في حد ذاتها أم وسيلة نهدف من خلالها إلى تحقيق البناء والنهضة هل هدف الثورة هو اسقاط الدولة أم بناء الدولة هل تكون الأولية للنبش في ملفات الماضي واجتثاثاها أم التطلع إلى المستقبل هل التفافنا حول مشروع زويل أو الباز أهم أم التفافنا حول محاكمة الرئيس السابق وحاشيته عند اجابتك على الأسئلة السابقة ستفهم لماذا أتحدث عن تغيير يطرأ على ثقافة المجتمع دائما ما كنت أحذر من أخطر ما يواجه الثورة هو أن تفقد ذلك الزخم والتعاطف الشعبي المؤيد لها وبكل أسف أستطيع أن اتحدث الآن أن تصرفات البعض سواء كانت بحسن نية أو بسوء نية قد أدت إلى أن تخسر الثورة كل يوم من رصيدها لدى المجتمع وبعد أن كان ميدان التحرير رمزا للبطولة والنضال والأمل لدى كل المصريين صار الانطباع الآن لدى قطاع كبير من الشعب أن التحرير يساوي عدم الاستقرار والفوضى والمستقبل المجهول وبالتالي يمكن أن نفهم ما حدث من أحداث في العباسية منذ أيام في اطار هذا المشهد قد يكون هناك بعض البلطجية شاركوا في الأحداث وفقا لبعض الروايات ولكن المؤكد أن هناك الكثير من الأهالي وأفراد الشعب الذين رأوا في المسيرة المتجهة إلى المجلس العسكري اسقاطا للدولة ونشرا للفوضى في البلد وبالتالي كان دفاعهم وتعاطفهم مع المجلس العسكري عفويا ومن دون صفقة أو سابق اتفاق عندما فقد التحرير التعاطف كانت التعبير عن ذلك في العباسية الوجوه غير الوجوه والميدان غير الميدان، كان هذا هو شعوري وأنا أتجول في ميدان التحرير وأشاهد منصاته المختلفة، صراخ وسباب وعصبية غير مبررة صحيح أن هناك الكثير من الشباب الشرفاء والثوار المخلصين الذين يحملون الكثير من المطالب المشروعة ولكن من دون شك فلا أحد يعرف على وجه الدقة من يقود الميدان الآن ويتخذ القرارات فيه يمكنك أن تطرح العشرات من علامات الاستفهام عن المسئول عن اغلاق مجمع التحرير وتعطيل مصالح المواطنين ونفس علامات الاستفهام يمكنك أن تطرحها اذا عرفت من هو المسئول عن حشد مسيرة في الليل إلى مقر وزارة الدفاع تحت مبرر تسليم رسالة إلى المجلس العسكري على الرغم من عدم وجود أي من أعضائه في ذلك الحين العديد من الأسئلة التي تقودك إلى فكرة نظرية المؤامرة ولكنها من دون شك لا تبرر البيان رقم 69 الذي أتحفظ عليه من وجهة نظري لأنه أدخل المجلس العسكري كطرف في صراع سياسي وألقى باتهامات يجب أن يتم طرحها في المحاكم والنيابة وليس في البيانات اذن ما الحل الآن هل هو فعلا اسقاط المجلس العسكري وتشكيل مجلس رئاسي مدني دعني أفرض جدلا أن ذلك قد حدث وقرر المجلس الأعلى للقوات المسلحة تخليه عن ادارة البلاد واسنادها إلى المجلس الرئاسي فهنا سيأتي السؤال ومن يختار المجلس الرئاسي وأرجوك ألا تكون الاجابة بأنه سيتم اختيار شخصيات عامة فيه أو شخصيات تعبر عن كافة الأطياف السياسية فأنا أضمن لك من الآن مليونية جديدة في التحرير اعتراضا على هذا العضو أو المطالبة بانضمام ذاك العضو إلى المجلس الرئاسي ومرة أخرى أرجو ألا تحدثني عن اجراء انتخابات للمجلس الرئاسي فمن يرفض اجراء انتخابات البرلمان سريعا فهو بالتأكيد سيخشى أيضا من وصول الاسلاميين للمجلس الرئاسي وبالتالي يا صديقي فكل الطرق تؤدي إلى خارطة الطريق التي رسمها المجلس العسكري والتي وافقت عليها الغالبية الساحقة من المصريين في استفتاء مارس الماضي، يا صديقي العزيز من حقك أن تغضب لتاخر محاكمات رموز النظام السابق او تاجيلها المستمر ولكن لا يمكن ان يكون ذلك سببا في دفع البلد للانتحار والفوضى من دون أن تدري وفي النهاية أجد من الواجب علي أن أحلق خارج الاطار الموضوع للمقال لأعزي نفسي أولا وأعزي كل شباب ثورة مصر في رحيل الأخ العزيز محمد زكريا والذي اختاره الله إلى جواره بعد حادث أليم على الطريق الصحراوي وهو لم يكمل بعد عامه الثلاثين فيما ترقد زوجته وأسرته كلها في العناية المركزة حتى كتابة هذه الكلمات التقيته منذ سنوات طويلة وعرفته واحدا من شباب مصر المخلصين عاش أيام الثورة كلها في ميدان التحرير وكان يحلم بمصر مختلفة ويرسم ملامح المستقبل من خلال مشاركاته المستمرة في العمل المجتمعي والتطوعي قد يكون محمد زكريا مجرد واحد من ضحايا حوادث السير وقد لا يعرفه الكثيرون منكم ولكن حسبك يا زكريا أن الله يعرفك وهو شاهد على ما قدمت في حياتك نم في قبرك مطمئنا يا أخي الحبيب ولتطمئن فإنا على الدرب بإذن الله سائرون.