كم مصري شاهد حلقة السبت الماضي من برنامج "العاشرة مساء" على فضائية "دريم 2"؟. لا أريد من طرح السؤال حصرا دقيقا للعدد، فالمؤكد أن هناك جمهورا بالألوف شاهدها. لكن تخيلوا معي لو أن هذه الألوف، أو حتى الملايين، كانوا قد تابعوها من بدايتها إلى نهايتها من دون مداخلة اللواء حسن الرويني قائد المنطقة العسكرية المركزية، وعضو المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ماذا يمكن أن يحدث؟. أضعف الإيمان أن خلاصة أحاديث الضيوف الأربعة كانت ستجعل التشكيك في المجلس العسكري يزداد، والغضب يشتعل في الصدور ضد إدارته للبلد، وأن ما زعمه المتحدثون عن أن المجلس وكيل عن الشعب في إدارته لمصر الثورة قد يدفع مشاهدين للانحياز إلى مطلب إلغاء هذه الوكالة، وكانوا سيرون أن الثورة تضيع، وأن المجلس يعمل على عدم تحقيق أهدافها باعتباره جزءا من النظام القديم، ذلك أن الهجمة على إدارة المجلس لمصر تشن بمدفعية كلامية ثقيلة في هذا البرنامج وفي غيره، وخلالها يتم رسم صورة سوداء للبلد، وكأن اللوحة لا توجد فيها نقطة واحدة بيضاء، أما في فصل الهجوم على الحكومة فحدث ولا حرج، فهي الحلقة الأضعف في المنظومة السياسية الانتقالية. واضح أن مداخلة اللواء الرويني كانت عفوية، وليست مرتبة مع البرنامج، لأن منى الشاذلي فوجئت بها، وظلت مرتبكة طوال المداخلة، ومارست هوايتها الممجوجة في التحليل والشرح والتفلسف دون داع . الهجوم غير المؤسس على منطق حرك اللواء الرويني للحديث بصراحة، وهو لفت انتباهي بهدوئه، وسعة صدره، وباله الطويل، وعلمه وثقافته وإلمامه بكل صغيرة وكبيرة مما يحدث في البلد، ومما يفعله المجلس منذ تقلد المسؤولية التاريخية. نحن لسنا أمام قادة عسكريين لا يفهمون إلا في السلاح والخطط الحربية فقط كما يزعم البعض، إنما نحن أمام قادة ماهرين في تخصصهم، وفي نفس الوقت هم رجال سياسة واقتصاد وقانون واجتماع، وهم مطلعون بشكل تفصيلي على الأوضاع العامة قبل وبعد الثورة، وهم يتحدثون ويحللون ويشرحون أفضل من محللي ومنظري ومتفلسفي ومهيّجي الفضائيات الذين يساهم بعضهم في تضليل الجمهور. ميزة اللواء الرويني انه كان يتحدث ويشرح ببساطة متناهية، وهذا سر إعجابي و إعجاب الكثيرين به، ولذلك خرج من تابعوا الحلقة يشيدون به في لقاءاتهم الخاصة، ومجالسهم، وأعمالهم، وعلى الفيسبوك، ويقولون له لقد أوضحت لنا أشياء كثيرة كانت غامضة عنا، وكان هناك من يمارسون معنا لعبة التضليل بتلك الأشياء. وهنا تبرز أهمية أن يكون قادة المجلس على الخط دائما لتبيان الحقائق، وكشف ما يخفى عن الشعب، وعدم إعطاء الفرصة لأصحاب المطامع لسحب الجمهور وراءهم دون وعي. اللواء الرويني جعل من كانوا يدعون أن المجلس وكيل عن الثورة يلوذون بالصمت بعد أن شرح بصدق أن المجلس العسكري والجيش ملك للشعب، وهو جزء من الشعب، وأن الجيش شريك أساسي في الثورة وليس وكيلا عنها، وأكد أن التاريخ سيكشف الكثير عن الدور الذي قام به المجلس لإنجاح الثورة. ونحن نثق في الجيش، ومتأكدون من أنه الضامن للثورة، والحامي لها، والشريك فيها، وثقتنا في المجلس بلا حدود في إدارة المرحلة الانتقالية، وضد إقصائه، أو تهميشه، فهو حصن الأمان لنا، وهو المؤسسة التي بعد الله تحفظ مصر من كل شر وسوء. اللواء الرويني أكد أكثر من مرة أن المجلس لا يريد الحكم، إنما يريد تسليم البلد لسلطة مدنية منتخبة من الشعب، وهذا كلام تتأكد مصداقيته كل يوم، لكن المشكلة هي في الطامعين والمتصارعين على السلطة والحكم، فهم الذين يعطلون هذا الانتقال، ويتسببون بعدم اتفاقهم في إطالة هذه الفترة، وكأن البلد كعكة يريد كل طرف أن يلتهم القطعة الأكبر فيها، العقل يقول لنترك الشعب يختار من يحكم، ومن يدير، ومن يقود، هذه هي الديمقراطية والحرية التي لأجلها قامت الثورة. اللواء الرويني خلال مداخلته تحدث عن إشارة إصبع زميله اللواء محسن الفنجري مساعد وزير الدفاع عضو المجلس العسكري في بيانه يوم الثلاثاء الماضي، وهي الإشارة التي لم تعجب البعض. عدّد الرويني مجموعة من الأحداث والتهديدات والاختراقات التي وقعت في هذا اليوم، وكانت تمثل خطرا داهما على الأمن القومي، وعلى الأوضاع، فهل كان يراد من المجلس العسكري ألا يشير من يتحدث نيابة عنه بإصبعه لإنذار وتحذير من يخططون ويسعون للتخريب وإسقاط الدولة؟. هل يترك الجيش البلد ليضيع وهو المؤتمن عليه، وهو من يتحمل تلك المسؤولية الثقيلة؟. حتى من قبل هذا التوضيح فإنني كنت متفهما لمغزى تلك الإشارة، بل ومتفهم لما هو أكثر منها، ومن على رأسه "بطحة" فهو الذي يخاف من الإشارة. فليسلم إصبع اللواء الفنجري، وليسلم لسان اللواء الرويني، وليحفظ الله مصر، وليجمع كل أبنائها على المحبة والعمل لخير مصر.