يتابع سكان قطاع غزة بمشاعر متناقضة ما يحدث على الجانب المصري من الحدود وقرار السلطات المصرية إقامة منطقة عازلة هناك، حيث تعد مصر هي الرئة الوحيدة التي يتنفس من خلالها هؤلاء، فكيف ينظرون إلى الإجراءات الجديدة؟ يتجادل بائع السجائر محمود عطا مع زبائنه بصوت مرتفع حول ارتفاع أسعار السجائر بأنواعها. إذ يشير البائع إلى أن أسعار السجائر ارتفعت (ستة أضعاف ثمنها الأصلي). ويعزو التاجر هيثم عاشور ارتفاع أسعار السجائر إلى "إعلان الجيش المصري بناء منطقة عازلة على الجانب المصري". ووفق قوله، فإنه يتعاون مع تجار يُهربون السجائر من خلال الأنفاق مع مصر، لكنه يؤكد أن الإجراءات الأمنية المصرية والشروع في تنفيذ إجلاء أهالي رفح المصرية "سبب اضطرابًا في حركة البيع والشراء وألهب أسعار السجائر". يقول أبو طارق، وهو صاحب نفق من أنفاق غزة: "كنا نعمل بتهريب السجائر بشكل رئيسي وغير مُعلن، الآن بات الأمر مستحيلا بعد الحديث عن منطقة عازلة على طول الحدود مع مصر"، بحسب الإذاعة الألمانية "دويتشه فيله". حالة القلق من الحملة التي ينفذها الجيش المصري على الجانب الآخر من الحدود انعكست مخاوفها على سكان رفح الفلسطينية أيضًا، بعد أن لوحظ تحرك لمدرعات الجيش المصري منتشرة بشكل لافت عند بوابة صلاح الدين وتل زعرب على الجانب المصري. محمد وخالد الشاعر يقطنان على الشريط الحدودي من الجانب الفلسطيني، إلى أن المنطقة الحدودية تشهد حالة من التهجير لبعض السكان على الجانب المصري، فيما أصوات بعض الأعيرة النارية تسمع أحيانا من هناك أيضا. ويتخوفان من إجراءات أمنية قد تطال منازلهم حال اتخاذ إجراءات مستقبلية مصرية أو فلسطينية. وبرأيهما فإن الإجراءات المصرية لإقامة المنطقة العازلة "تزيد الخناق والحصار على أهالي غزة". بيد أن للفلسطيني منصور زعرب رأيا آخر إذ يقول: "المستفيد من تجارة الأنفاق مجموعة محدودة، ولمصر حق طبيعي في حماية حدودها". وفي حين يرى التاجر هيثم عاشور أن تجارة الأنفاق اعتمدت مؤخرا على "السجائر المهربة"، يعرب خليل حمدونة عن اعتقاده بأن المنطقة العازلة "لقمة سهلة لإسرائيل إذا ما فكرت في احتلال القطاع مستقبلا لعدم وجود كثافة سكانية وما منعها من احتلال غزة في الحرب وجود أحزمة سكانية على تخوم القطاع الشمالية والشرقية". ويرى نائب نقيب الصحفيين الفلسطينيين تحسين الأسطل أن مصر تتعرض لمؤامرة وعمليات إرهابية منظمة، لذلك لها الحق في اتخاذ التدابير الأمنية للحفاظ على أمنها "وأي دولة في العالم لها مناطق عازلة مع جيرانها لحماية أمنها"، حسب تعبيره. ويضيف أن "الجميع يتفهم الإجراءات التي يتخذها الجيش المصري من أجل حماية حدوده". مشيرا إلى أن مصر قدمت ومازالت الكثير للشعب الفلسطيني وقضيته ولا يمكن أن تشارك في محاصرة غزة " فالمساعدات تأتي عن طريقها". بدورها نددت أوساط حزبية فلسطينية بالعمليات الإرهابية التي طالت الجيش المصري في سيناء، كما أكدت السلطة الفلسطينية على أحقية مصر بإقامة منطقة عازلة على الحدود بهدف تحقيق الأمن والقضاء على الإرهاب. المحلل السياسي عبدالله سعد يلفت الانتباه إلى "وجود جماعات دينية إرهابية متشددة من عشرات الجنسيات العربية والإسلامية بمن فيهم المصرية، وعدم إطلاق الاتهامات مباشرة إلى قطاع غزة". ويعتبر أن غزة ضد الإرهاب بكل إشكاله ومُسوقيه، "نحن مع المنطقة العازلة الأمنية ومصر وغزة في قلب واحد وأجزم أن غزة بريئة من أي عمل دنيء يصيب أحبتنا المصريين حتى وإن تأكد وجود تصرفات فردية منحرفة فكريا". في المقابل حركة حماس أعلنت في شهر أبريل الماضي عن إلغاء هيئة الأنفاق، ودأب قياديون في حماس على نفي الاتهامات بالتدخل المصري معتبرين المنطقة العازلة شأن مصري. بيد أن سعد يرى أن حماس هي "المتضرر الأكبر باعتبار الأنفاق ملاذها الآمن للإمدادات الخارجية". الإغلاق المتكرر لمعبر رفح الحدودي مع مصر مازال قائما. ووفق التصريحات المصرية فإن "الحملة الأمنية وخطورة الأحداث في سيناء أجبرتها على إغلاق معبر رفح حتى إشعار آخر". لكن في نظر الكثيرين من أهالي غزة فإن المعبر "ومنذ إعلان اتفاق القاهرة بوقف إطلاق النار مع إسرائيل مازال متعثرا جدا ويعمل بآلية معقدة وبشكل بطيء للغاية". ويرى أستاذ العلوم السياسية والإعلام في جامعة فلسطين عمير الفرا أن "بَسط حكومة الوفاق وحرس الرئيس (محمود عباس) سيطرتهما على المعابر والحدود وفق اتفاق القاهرة الأخير قد ينهي هذه الإشكاليات والاتهامات المصرية لبعض الخارجين عن السيطرة، وفي ذات الوقت يرفع الاتهامات المتكررة عن حماس وغيرها بارتباطها بأي عبث أو مس بالأمن القومي المصري".