... ومن الرجال الذين يشكلون كمية هائلة من الفساد والخطر على كل القيم والأخلاق والأديان، ويعدون مصيبة فادحة أمنيًّا ودينيًّا واجتماعيًّا: الرجل الخائن، الذي يكون مستعدًّا لبيع أي شيء - مهما كان نفيسًا - لمن يدفع: الدين/ الوطن/ الناس/ المبادئ/ الحقوق/ الفرص/ حتى عِرضه قابل للبيع لمن معه الثمن! إلهُه الدولار، ودينُه المصلحة، ومبدؤه: اللي ينحرق ينحرق/ وانا مالي!؟/ أنا ومن بعدي الطوفان/ المهم أنا هاستفيد إيه/ هاتدفع كام سيادتك!؟ حتى لو وضع أباه تحت قدميه، وقرآنه وراء ظهره، وطوّح مصلحة عشيرته وبلده في البحر، ورمى قيمه في المزبلة.. المهم ما يراه هو، والمهم مصلحته هو.. والمهم هو هاياخد كام من الفرصة المتاحة؛ وله في كل شيء فرصة متاحة! لو قيل له: سب الدين وخذ باكو، قال: وماله! ربنا غفور رحيم! أو قيل له: كل لحم صديق عمرك، مقابل سهرة حمرا، قال: ما فيش مانع! الأصدقاء زي الهم ع القلب! أو قلت له: فين الفلوس اللي عندك يا فلان؟ نظر إليك بطرف عينه في قرف قائلاً: فلوس إيه؟! مالكش عندي فلس، واللي عايز تعمله اعمله، اخبط راسك في الحيطة. لو هجم عدو على بلده، يستأصل أهله أو قيمه، أو تاريخه، أو حاضره ومستقبله، ثم تأكد أن مصلحته مع هذا العدو؛ فسيبادر بإظهار فروض الطاعة والولاء، ويقدم خدماته من كل نوع: • وشاية بالناس: جايز • تجسس عليهم: ممكن • ابتكار أساليب مجرمة لقتلهم: لا بأس • المشاركة في غسل الأدمغة، والهتاف للمحتل، وتخوين من يقولون له لا: أوي أوي. • كشف نقاط ضعف قومه، وخذلانهم في مواطن النصرة: تحت أمرك يا خواجة! • البحث عن أدلة تاريخية تؤكد أن قومه هم الظلمة، وهم الكفرة، وهم المحتلون، وأنهم هم الذين ينبغي أن يرحلوا: برضه ممكن. المهم هاياخذ كام، وهيعيش فين، وهايسهر مع مين؟ مع أن الغبي يعرف جيدًا أن الذين يبيع لهم نفسه لا يحترمونه، وأنهم عند أقرب فرصة (هايضربوه بالجزمة)، ومع ذلك تراه يقبل - دون تردد - أن يكون طرطورًا، أو عينًا، أو أي حاجة.. المهم الكومِّشن! أتذكرون ما فعلت إسرائيل في عملائها أحذية سعد حداد، لما خرجت من جنوب لبنان، وتركتهم يلقون مصيرهم؟ ألم نرهم يتوسلون للناس في الشارع أن يرحموهم؟ ألا ترونهم يتخلون عن عملائهم في الأرض المحتلة؟ تمامًا كما تخلت روسيا عن تراقي ونجيب الله وبابراك كارمل وغيرهم؟! كم يهجم على خيالي فعل المنافقين زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم يصلون وراءه، ويحمدون الله على بعثته، فإذا ابتعدوا عن الأعين خلوا إلى شياطينهم، وقالوا لهم بكل بجاحة: احنا تحت أمركم {إنا معكم، إنما نحن مستهزئون}! وكم يهجم على خيالي رمز الخيانة (العربي) اليمني أبو رغال ، الذي قاد جيش أبرهة (الحبشي) نحو مكةالمكرمة، ليهدم الكعبة، أقدس مقدسات قومه! وكم يهجم على خيالي ابن العلقمي الخائن الذي فتح الباب للتتار أن يدكوا بغداد. وكم يهجم على خيالي المعلم يعقوب العميل الذي كان يدًا للغزاة في حملة نابليون الصليبية، التي لم ينته مفعولها عند خروج ابن بونابرطة من مصر! وكم أتقزز حين أسمع عن مخبر كان يؤمر بكتابة تقرير يومي في (أبيه) ماذا أكل؟ وماذا شرب؟ ومتى خرج ومتى دخل؟ وماذا قال وبم همس؟ حتى يكسروا في نفسه أية قيمة لأي أحد، وأي شيء! وكم أندهش لمرأى العلاقمة، واليعاقبة المعاصرين – سياسيين ومثقفين/ إعلاميين وحزبيين/ طائفيين وطائفيين – في مصر، وسوريا، وتونس، وفلسطين، والعراق، وأفغانستان، وباكستان، والشيشان، والصومال، وأرجاء عالمنا العربي الأبي - من المحيط الهادر حتى الخليج الثائر - يكررون السيناريو نفسه، ويفتحون الأبواب والنوافذ لأعداء أمتهم ليدخلوا، دائسين على كل شيء! كأنهم لا يقرؤون، ولا يفهمون، ولا يتعلمون! المهم أن ينال أحدهم رئاسة مؤقتة (تفطّس م الضحك)، أو وزارة كوميدية، أو منصبًا وهميًّا، ومعه قطعة من الكعكة المسمومة، في شكل امتيازات، وأراض، وتصاريح، وعمولات! إنهم موجودون بمائة قناع وقناع، وألف أسلوب خيانة وأسلوب: ألا نرى حولنا علاقمة ويعاقبة في الفكر، وفي الإعلام، وفي التنظير، وفي السياسة، وفي عالم المال، والترفيه؟! ألا نراهم في كل شيء، وفي كل مكان! ألا نراهم يفتحون الأبواب ليُسرق تراب الوطن، وتهدر أرواح الشرفاء، وتصادر مناهج التعليم، وتنهب ثروات البلاد، ويضيع دينها، ويخوَّن شرفاؤها، ويسحق أمنها، ويدمر مستقبل أبنائها!؟ قرآننا أكد لنا {أن الله لا يهدي كيد الخائنين} وقال لنا إن الله تعالى عليم بهم، كاشف خياناتهم، وإنه تعالى: {لا يحب من كان خوانًا أثيمًا}! وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كان يقول: [أعوذ بالله من الخيانة؛ فإنها بئست البطانة] وقال لنا عليه الصلاة والسلام إن الله سيفضح الخائن يوم القيامة، وسيجعله يحمل لافتة كبيرة معلقة عليه (من ورا) زيادة في فضيحته وتعريته.. ألا يفضحهم التاريخ ويكشف سوآتهم للرائح والغادي؟! • إن الذي يعطى بالله تعالى ثم يغدر، (نهاره مطين بطين)، لأن الله تعالى لن ينظر إليه يوم القيامة، ولن يكلمه، وله عذاب أليم! • والذي أمنه الناس فخانهم، وخان ثقتهم، لن يكون أمام الله تعالى مؤمنًا؛ فإن المؤمن، كما قال صلى الله عليه وسلم: [من أمنه الناس]. • والذي تضع فيه أمته أملها، وترى في وجوده منفعتها، وتعطيه من الفرص، والإمكانات، والدعم ما يدفعه للأعلى، وما يُكسبه التميز والتألق، ويحفزه على العطاء والإبداع، ثم هو لا يبدع إلا في خيانة دينها، وأخلاقها، وقيمها، ومصالحها، ويوالي خصومها والمتربصين بها، خائن لا يستحق أن يتنشق من هوائها، ولا أن يغتذي من خيرها، فضلاً عن أن ينتسب لجنسيتها، أو يعتزي لأهلها. • والتي تركها زوجها، وخرج يضرب في الأرض، ملتمسًا من فضل ربه تعالى، واثقًا في عفافها، راضيًا أخلاقها، فخانت ثقته، وغدرت بأمانتها التي له، ولوثت ثيابه البيض، هي خائنة، ستعلق من ثدييها يوم القيامة، لتذوق ثمن خيانتها! • والذي يكون في مجلس مجاملة، يتحدث فيه الناس بشيء من التساهل، والطمأنينة، والتخفف، فيخرج وقد نقل حديث هذا لهذا، وكلام هذا عن هذا، ورأي هذا في هذا، ليضرب الجميع بعضهم ببعض، ويترك القلوب صديعة بعد أن كانت جميعة، الذي يفعل ذلك خوان غدار خسيس؛ فإن المجالس بالأمانة، ولا يغدر إلا خوان! • والذي يدخل بيتًا له احترامه، ولأهله حساسيتهم، فتدور عيناه في المكان، كأنها الرادار الذي لا يفوته شيء، أو الكاميرا الديجيتال التي تلتقط كل التفاصيل، وتسجل حتى الأنفاس، مع أنه يعلم أن الله تعالى {يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور} هو غدار خائن، لا يستحيي من الله، ولا يستحق أن يأتمنه عباد الله! • والذي يوكل إليه أمر عمل أو شركة، يديرها، ويقوم عليها، ويصرف أمورها، ثم يخطط بليل، فيضع ميزانيتها في حسابها، ويجهز نفسه للفرار، ويحجز تذاكره، و- في أمان الشيطان - يأخذ الجمل بما حمل، ويترك أرباب الأموال وصاحب العمل (ع الحديدة) ويترك الناس المنتفعين يدعون عليه، وعلى اليوم الذي رأوا فيه وجهه، هذا خائن، آكل حقوق، بالع سحت، يأكل في بطنه نار جهنم! لكن لماذا يخون الخوان؟ مع أن المسلم لا يكون أبدًا خائنًا؛ كما صح في السنة الشريفة. = هل لأنه جعل مصلحته إلهًا له من دون الله، لها يعمل، ومن أجلها يشقى، وفي سبيلها ينصب؟ = هل لأن قلبه خالٍ من الخوف من الملك الجليل تبارك وتعالى، ولأنه من الذين لا يخافون الآخرة، ولا يحذرها، أو يرجو رحمة ربه؟! = أم لأنه أمن العقوبة فأساء الأدب، وملك المال فتكبر وطغى، وتفرعن وعلا؟ = أو لأنه يرى نفسه فوق الناس، ويرى مصلحته فوق المصالح، ورغباته فوق الرغائب؟ = أو لأن الإغراءات تكون فوق احتماله، فلا يطيق له دفعًا، ولا يجد لاجتنابها وسيلة؟ = أو لأن الخيانة صارت له طبعًا، وخالطت لحمه وعظامه، فلا يستطيع معها صبرًا، ولا يطيق لها تركًا؟ = أم لأنه يجد فيها متعة، ويحس لها بلذة، ويرى فيها نوع تميز، ووسيلة لإثبات الذات، والتغلب على الناس الناجحين، والآمنين والغافلين؟! على كل حال - ومهما كانت الأسباب - فإن الخيانة شر، وخساسة في الطبع، ولؤم في الأصل، وسبيل للخيبة في الدنيا، والفضيحة في الآخرة، وباب من أبواب جهنم. وليتذكر الخائنون كيف سيكون شكلهم على رؤوس الأشهاد، وقد حمل أحدهم على استه راية (لافتة) ضخمة، مكتوب عليها، هذه غدرة فلان بن فلان. وبعدها الحساب، والنار، وبئس القرار. يادي الفضيحة.. _____________________ في قصيدته : أقزام طوال! قال أحمد مطر، واصفًا الحالة العربية المجيدة: أيُّها الناس (قِفا) نضحك على هذا المآل/ رأسُنا ضاع فلم نحزن/ ولكنّا غرقنا في الجدال/ عند فقدان النعال! لا تلوموا "نصف شبر" عن صراط الصف مال/ فعلى آثاره يلهث أقزامٌ طوال/ كلهم في ساعة الشدّة آباءُ رُغال! لا تلوموه فكل الصف أمسى خارج الصف/ وكل العنتريات قصور من رمال! لا تلوموه فما كان فدائيًّا بأحراج الإذاعات وما باع الخيال/ في دكاكين النضال.. هو منذ البدء ألقى نجمة فوق الهلال/ ومن الخير استقال/ هو إبليس فلا تندهشوا لو أن إبليس تمادى في الضلال/ نحن بالدهشة أولى من سوانا/ فدمانا صبغت راية فرعون و(موسى) فلق البحر بأشلاء العيال/ ولدى فرعون قد حط الرحال/ ثم ألقى الآية الكبرى يدًا بيضاء من ذُلِّ السؤالْ!/ أفلح السحر فها نحن بيافا نزرع القات/ ومن صنعاء نجني البرتقال! أيها الناس لماذا نهدر الأنفاس في قيلٍ وقالْ؟/ نحن في أوطاننا أسرى على أية حال/ يستوي الكبش لدينا والغزال/ فبلاد العرب قد كانت وحتى اليوم هذا لا تزال/ تحت نير الاحتلال/ من حدود المسجد الأقصى إلى (البيت الحلال)! لا تنادوا رجلاً فالكل أشباه رجال/ وحواةٌ أتقنوا الرقص على شتى الحبالْ/ ويمينيون أصحاب شمالْ/ يتبارون بفن الاحتيالْ/ كلهم سوف يقولون له: بعدًا/ ولكن بعد أن يبرد فينا الانفعال/ سيقولون: تعال/ وكفى الله "السلاطين" القتال! إنّني لا أعلم الغيب ولكن.. صدّقوني: ذلك الطربوش.. من ذاك العقال! ----------- صدقت يا مطر: ذلك الطربوش.. من ذاك العقال! [email protected]