في مقالة بجريدة «الشرق الأوسط» يقول الأستاذ طارق الحميد إن السوريين أنفسهم باتوا يتندرون على الإعلام السوري، فبدلا من أن يقولوا لصغارهم إن من يكذب يذهب للنار، أصبحوا يقولون إن من يكذب يذهب إلى الإعلام السوري. ويضيف: كيف لا ونحن نشهد ظاهرة إعلامية جديدة مستفزة يتسامح معها الإعلام العربي المرئي بشكل غريب، وهي ظاهرة «المحللين» السوريين الذين يدافعون عن النظام، وأشك أنهم يصدقون حتى أنفسهم. ويطالب الحميد المحطات الإخبارية العربية المحترمة في منطقتنا ألا تقبل بظهور هؤلاء. اتفق معه فيما كتبه، وقد راودني هذا الرأي منذ الأيام الأولى للمظاهرات السلمية بعد أن تسابق هؤلاء المحللون في وصف المتظاهرين بأبشع الأوصاف، وإنكار أي مطالب مشروعة لهم، بل وتعاملوا معهم اشد من تعاملهم مع الأعداء. هؤلاء المحللون لا يكذبون فقط، إنما يمتلكون قدرا هائلا من الصفاقة، حيث يوبخون المحطات التي تستضيفهم، ويكيلون لها الاتهامات بالتحريض، وعدم المهنية، وفقدان الموضوعية، وفبركة مقاطع الفيديو التي تبثها حول أعمال القتل والتعذيب والفظائع التي يتعرض لها المتظاهرون، ولا يتورع بعضهم عن اتهام تلك المحطات بأنها تعمل لمصلحة أجندات خارجية تستهدف النظام المقاوم. ألا تلاحظون أن كل نظام عربي ووراءه مطبلوه ومنافقوه يرددون نفس الاتهام بأنه مستهدف من الخارج، وان للمتظاهرين المتآمرين أجندات هدفها ضرب الاستقرار والوحدة الوطنية. لماذا النظم العربية فقط هى وحدها من دون نظم العالم المستهدفة من الخارج المتآمر، ولماذا يستهدفها الخارج طالما أنها تقدم له طواعية كل ما يريده منها وقبل أن يطلبه ؟.ثم ما هى تلك الأجندات السرية التي لدى المتظاهرين ويريدون تنفيذها في بلدانهم، فإذا كانت النظم في خدمة الخارج، فماذا يمكن أن يقدم مواطنون عاديون لا يملكون شيئا مهما ؟. المحلل السوري يبدأ مداخلته بوصلة شتائم للمحطة، وهذا بمثابة قسم ولاء للنظام، حتى باتت جوقة المحللين يتنافسون فيما بينهم في كيل الاتهامات للقنوات بأنها تخترع المظاهرات على شاشاتها لتشويه صورة سوريا البلد المستقر الذي يردد جميع سكانه : «الله، وسوريا، وبشار وبس»، وهو الشعار المستنسخ الذي استمعت إليه أول مرة مع انفجار الثورة الليبية من تليفزيون العقيد، فكل من يستضيفهم لابد أن يهتف : «الله، وليبيا، ومعمر وبس»، هل رأيتم عشقا في هؤلاء الزعماء أكثر من ذلك، وهل رأيتم المكانة التي يحتلها القائد في بلداننا، فاسمه يأتي بعد الله، والبلد الذي يحكمه ؟. القذافي نفى أن يكون في ليبيا شخص واحد يتظاهر ضده، وقال إن المحتجين شراذم وجرذان وكلاب ضالة ومأجورون يتعاطون حبوب الهلوسة وهم مغيبون عن الوعي. وفي سوريا قال النظام ليس هناك متظاهرون، بل عصابات مسلحة، ثم قال هم دعاة فتنة وعملاء ومتآمرون يمولهم الخارج، ثم سلفيون مقاتلون، وقريبا قد يقول إنهم من القاعدة، بل إن وزير الخارجية وليد المعلم المح لذلك في مؤتمره الصحفي أمس. كل التهم الشنيعة تنسبها الأنظمة ومن ورائها أبواق إعلامها الرسمي إلى ثوار الحرية والكرامة. من الواجب أن يتوقف الإعلام المرئي عن استضافة هذه النوعية من المحللين الذين لا يتحدثون بموضوعية ويتعمدون إخفاء الحقيقة، يحاولون إخفاء الشمس ب " غربال " كما يقال، واحدث مساخرهم ما يزعمونه عن أن الألوف الذين لجأوا إلى تركيا فعلوا ذلك هربا من المسلحين، وأنهم خائفون من العودة حتى لا يقتلهم المسلحون !. فهل يحق لأصحاب هذا النوع من التفكير انتقاد الفضائيات، بينما هم مثل الدمى تحركها أجهزة الأمن، ومن يخرج منهم عن الخط فانه يختفي من المشهد الإعلامي، وعندكم سميرة المسالمة رئيس تحرير" تشرين " التي شككت في كون المتظاهرين مسلحين، فأقيلت فورا. حرب النظام السوري ضد الإعلام كانت واضحة منذ انطلاق المظاهرات فقد أدرك من تجربة الثورات التي سبقته في تونس ومصر واليمن وليبيا دور الإعلام المرئي المؤثر في فضح جرائم الأنظمة بحق المتظاهرين فعمل على إسكات هذا الصوت أو إرهابه حتى لا ينكشف قمعه لدعاة الحرية لكن رغم التعتيم تنكشف الانتهاكات ،ويجتاز صوت الانتفاضة الأسوار العالية . لن تخسر المحطات شيئا من عدم استضافتهم لأنهم ليسوا محللين أو كتابا أو مفكرين مستقلين سيضيفون جديدا مفيدا للمشاهد، إنما هم موظفون في أجهزة الأمن وفي حزب البعث يحصلون على فرص ثمينة للتضليل. عندما يكون لدى سوريا إعلام حقيقي حر ومهني فمن حق محللي النظام أن ينتقدوا أداء أي إعلام آخر، وعندما يكون متاحا لكل سوري أن يعبر عن وجهة نظره في إعلام بلاده بكل حرية ودون قيود فمن حقهم أن ينتقدوا أداء أي قنوات أخرى. كيف تكون صحفهم على نمط " البرافدا " أيام الاتحاد السوفيتي السابق، وتليفزيونهم نسخة من التلفزيون المركزي الصيني ثم يقدمون دروسا في المهنية للفضائيات المحترمة . لا يجدر ب «الجزيرة» و «بي بي سي» و«العربية» و«الحرة» و«فرانس 24 » وغيرها أن تواصل استضافة من يكذبون ومن يهينون دماء الشهداء. ولنفرض جدلا أن هناك إعلاما يشوه صورة سوريا، ولا ينقل الحقيقة، ويمارس التضليل ويخترع المظاهرات، فلماذا لا يفتحون أبوابهم لهذا الإعلام لينقل الحقيقة من الداخل حتى لا يقع في فخاخ المضللين ويقف بنفسه على ما يحدث، ويتأكد هل ما يجري انتفاضة شعبية سلمية أم جرائم ترتكبها عصابات مسلحة ضد المواطنين ورجال الأمن؟. إغلاق الأبواب أمام الإعلام المستقل يؤكد أن هناك أشياء كبيرة وخطيرة تحدث في هذا البلد المغلق لايريد النظام للعالم أن يطلع عليه، لكن مع ذلك فان الإعلام الجديد يستحيل منعه من كشف الحقائق بوسائله غير التقليدية، فهو يقفز فوق كل أسوار الرقابة والمنع، وينقل الصورة التي تسيل دما وألما، وتجد طريقها الى كل الشاشات. ارحمونا من هؤلاء الكذابين .