تسود حالة من الفوضى العارمة سوق الأراضي المصرية في المناطق المحيطة بالمدن الجديدة .. فهي جمعيات رسمية وليست لها أوراق رسمية .. تابعة لأجهزة رسمية ولكنها غير تابعة لهيئة المجتمعات العمرانية ولا تعترف بها في نفس الوقت .. إعلاناتها تملأ كافة الجرائد ولا يوجد معلق عليها أو رافض لها .. إنها مشكلات قائمة تمس مئات الآلاف من المصريين (وصلوا للملايين حاليا) في ظل الصمت الرسمي الرهيب عليها .. إننا نتحدث عن جمعيات زراعية متخصصة في تنمية واستصلاح الأراضي ولكنها تباع كأراضي بناء أو مساكن .. إنها أراضي القادسية والأمل، ومن قبلها أحمد عرابي وغيرها وامتداداتها لا تنتهي .. إن مساحات أراضي الجمعيات محل الجدل واللامبالاة تصل إلى 16 ألف فدان أي مساحة تعادل 67.2 مليون متر مربع يقال أنها تتسع لإسكان نحو 2 مليون مصري. والغريب أنه يوجد رؤساء لهذه الجمعيات ويوجد من فوقهم هيئة استصلاح الأراضي، إلا إنه لا يوجد أي تنمية زراعية بهذه الجمعيات .. ورغم ذلك لم يحرك أحد منهم ساكنا .. فأراضي هذه الجمعيات عبارة قطع أراضي تم توزيعها على شباب الخريجين –كما يفترض- إلا إن هؤلاء الخريجين اكتشفوا أن هذه الأراضي غير صالحة للزراعة، أو أنهم اكتشفوا فرصا سانحة أخرى لبيع ونقل تخصيص هذه الأراضي لأطراف آخرون بأسعار مربحة، وخاصة أنهم حصلوا على هذه الأراضي كتخصيص هبة من الدولة. إن هؤلاء الخريجين غير ملامون لأنهم لم يكن أمامهم طريق آخر في ظل عدم وجود المرافق وعدم وجود جمعيات أصلا تتيح لهم أي خدمات، سوى خدمة وحيدة وهي تنظيم نقل وبيع والتنازل عن مخصصاتهم. كل هذا ليس مشكلة، ولكن المشكلة الحقيقية أن هذه الأراضي انتقلت بقدرة قادر إلى شركات تقسيم الأراضي، بل أنك تجد أن كل رئيس شركة عقارية يمتلك هو نفسه (طرف أول تم التخصيص له) أكثر من قطعة (كل قطعة 5 أفدنة)، ولا ندري هل تم التخصيص لهم أولا ثم فكروا في إنشاء شركات تقسيم أراضي بناء على امتلاكهم لهذه الأراضي، أم أنهم أساسا تم تخصيص هذه الأراضي لهم كونهم أصحاب شركات تقسيم أراضي .. بداية أصحاب هذه الشركات ليسوا من صغار السن، ولا يعتبرون بأي حال من شباب الخريجيين، فكيف تم التخصيص لهم ؟ حتى هذه ليست المشكلة، ولكن المشكلة أن كل قطعة أرض مخصصة لخريج تم تجزئتها وتقسيمها إلى ما يوازي 70 قطعة صغيرة .. أي أننا لو افترضنا أن أرض جمعية القادسية وحدها تبلغ 8 كيلو متر أي أننا نتوقع أنه قد تم تقسيم أراضي الجمعية على أكثر من 120 ألف قطعة صغيرة .. أي أن نحو 120 ألف مصري اشتروا أو علقوا في هذه المدينة .. ونقول علقوا للأسباب التالية : اشتروا أراضي للاستصلاح الزراعي على أنها أراض استثمار سكني أو مبان. اشتروا أراضي كافة مسوغات الملكية لها غير حقيقية ووهمية بالكامل، ولا يقبلها الشهر العقاري. أشتروا أراضي على أنها تابعة لشركات تقسيم أراضي، ولكنها في الأصل هي أراضي استصلاح أراضي مخصصة للخريجين. اشتروا أراضي على أساس أنها تابعة لجهاز مدينة العبور، وجهاز العبور لا يعترف بها. اشتروا أراضي على أنها أساس أن الحكومة ستقوم بإدخال المرافق إليها ولكن الحكومة تقول أنها لن تفعل. اشتروا أراضي على أساس أنها خالصة القيمة، وهي ليست خالصة القيمة لأن هيئة استصلاح الأراضي تطالبهم بتعويضات تبوير أراضي زراعية. أما الأمر المستغرب هو اللامبالاة الحكومية الكاملة سواء من قبل هذه الجمعيات أنفسها التي تبيع وتشرف على تقسيم الأراضي، أو من قبل جهاز العبور الذي لا يفعل شئ والأراضي تباع أمامه، أو من قبل وزارة الزراعة ممثلة في هيئة استصلاح الأراضي التي لا تتحرك إلا ببطء شديد مطالبة بتعويضات وتهدد وتتوعد المشترين .. إن كافة المسئولية لا تقع على البائعين أو الشركات التي تحقق الملايين من بيع أراضي الخريجين .. ولكن المسئولية في النهاية يتحملها المصريون الحالمين بمسكن بسعر مقبول، الطامحين وراء امتلاك جزء من تراب مصر .. وما يثير الاستهجان هو تسارع خطى تقسيم الأراضي بالقادسية خلال الشهور الأخيرة بعد الثورة، واشتعال أسعارها، فبعد أن كانت تباع ب 10 جنيه، وصلت إلى 100 أو 200 جنيه في المتوسط .. فهل هذا تشجيع حكومي أم لامبالاة من نوع جديد ؟ (*) مستشار اقتصادي [email protected]