مرة أخرى يرسل النظام السوري برسائل واضحة للشعب السوري وللمعارضة في الداخل والخارج ولحلفائه وخصومه على السواء مفادها: أن لاتغيير حقيقي أو نسبي ملموس سيأتي من تلقاء النظام. وأن من يعتقد أن الضغوط الخارجية سوف تدفع بالنظام لتقديم تنازلات حقيقية داخلية فهو واهم. خطاب الرئيس السوري أمام مؤتمر الأحزاب العربية مؤشر مهم على تمسك النظام بنهجه القديم والتقليدي في تكريس مكتسباته مع المحاولة الجادة للخروج من عنق الزجاجة بشتى الطرق. وهذا التشدد الظاهري الذي يبديه النظام السوري تقابله براغماتية أكثر عمقاً وفعالية. وصانع القرار الإقليمي والدولي يدرك ذلك تماماً، فمع كل خطاب حماسي يزيد حجم هامش المرونة السياسية الموجهة للخارج. في المقابل فإن المعارضة السورية شعرت بخيبة أمل تجاه التعديل الوزاري الأخير ومن ثم المسودات المقترحة لقانون الأحزاب الجديد الذي يأتي كمحاولة جادة لإعادة تعليب وإنتاج الجبهة الوطنية التقدمية التي بلغت من السن عتيا وفي تركيز واضح على الشكل لا المضمون. فالإبقاء على الفقرة الثامنة من الدستور السوري الحالي التي تنصب حزب البعث كقائد للدولة والمجتمع هو في حد ذاته استمرار لإقصاء وتهميش قطاعات واسعة من المجتمع السوري وتجاهل واضح لرغبات وأمنيات الشعب السوري. وهو رد بشكل مباشر وغير مباشر على كل المبادرات والنوايا الحسنة للإخوة العرب والأصدقاء من محبي الشعب السوري. إزاء هذه الحالة بالغة الصعوبة والتعقيد ومع نجاح النظام السوري في استقطاب تيارات إسلامية وقومية لتشاركه عبئ المواجهة مع الداخل والخارج فإن المعارضة السورية مدعوة لإعادة النظر في استراتيجياتها وطرقها في التواصل مع الشعب السوري والعربي. ولعل أهم استراتيجية يتوجب إعادة تفعيلها هي العودة إلى مبدأ النضال وما يصاحبه من شفافية ومصداقية ووضوح والابتعاد عن الألعاب البهلوانية السياسية من عقد لتحالفات سياسية مصلحية والتكلم بعدة ألسنة ووجوه مما يفقد الأمل لدى الشارع السوري بصلاحية البديل المقترح. والعودة إلى مبدأ النضال يلزمه ضخ كفاءات شبابية ديناميكية قادرة على العمل والضغط المتواصل. وهذا تحد آخر تواجهه المعارضة، فمتوسط أعمار القيادات السياسية للمعارضة السورية يزيد عن ستين عاما في حين أن نصف الشعب السوري أي ما يقارب 10 ملايين نسمة تقل أعمارهم عن 20 عاماً. هذه الفجوة العمرية الكبيرة والتي تقدر بأربعين عاما على المتوسط تقلل من إمكانيات المعارضة في استقطاب أكثر القطاعات الشعبية قدرة على التأثير والتغيير. وكما أن الشعب السوري قادر على إيجاد بديل للنظام فإنه كذلك قادرعلى توفير بدائل للمعارضة إذا ما تجاهلت النداء.