المحبة هى ارادة ما تراه أو تظنه خيرا – واللغة تقول : حببت فلانا ، بمعنى أصبت حبه قلبه ، وتقول ، أحببت فلانا ، بمعنى جعلت قلبى معرضا لحبه ، وللمحبة انواع بين الناس ، فهناك محبة اللذة ، كمحبة الرجل للمرأة ، ومحبة الإنسان للطعام ، ومن ذلك قول القرآن الكريم : ( ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا ) . وهناك محبة للنفع ، كمحبة الإنسان للشىء الذى ينتفع به . وهناك محبة للفضل ، كمحبة أهل الإيمان بعضهم لبعض . وعندما تتردد كلمة ( المحبة ) بين الناس يفهم منها أكثرهم معنى التجاذب الحسى أو الميل الجنسى الذى يقع بين الرجل والمرأة ، وهذا المعنى ليس هو المراد الاساسى ، وان كان المعنى اللغوى العام لكلمة ( المحبة ) يشمله ، ولكن المراد بالمحبة هنا هو تلك الصفة النبيلة والفضيلة الجليلة التى تدفع صاحبها على الدوام الى محبة كل جميل ، والميل الى كل كريم وقويم من الاشياء والاحياء ، والقرآن الكريم يشير الى هذا الميل الطهور السامى عند أهل المحبة . قال الخليفة المنصور يوما للربيع ( حاجب المنصور ) اذكر حاجتك . قال : يا أمير المؤمنين ، حاجتى أن تحب الفضل ابنى . فقال : ويحك إن المحبة إنما تقع بأسباب . قال : يا أمير المؤمنين ، قد أمكنك الله من إيقاع السبب . قال: وما ذاك ؟ قال تشمله بفضلك وانعامك ، فإنك إذا فعلت ذلك أحبك ، واذا أحبك أحببته . قال: ولكن لم اخترت له المحبة دون كل شىء ؟ قال : لأنك إذا أحببته كبر عندك صغير إحسانه ، وصغر عندك كبير إساءته . ومن الواضح أن عامة الناس لا يحبون على هذا الوجه الجميل الرائع من المحبة ، وهناك كثيرون لا يبلغون هذا المستوى الرفيع من صفات الخير ، بل يظلون هناك فى الدرك الاسفل من منازل الحب . وهناك أشياء يحبها الناس ، ولا يعاب عليهم أن يتناولوها فى اعتدال واستقامة وبطريق سليم شريف ، ولكن منهم من ينحرف فى حبها ، فلا يسلم من المؤاخذة والحساب . ان (المحبة) التى تعد خلقا من أخلاق القرآن المجيد هى تلك الصفة الكريمة التى تجعل صاحبها متفتح القلب والعقل لتمجيد ما يستحق التمجيد ، وتأييد ما يستحق التأييد ، وفى قمة هذه الصفة تأتى محبة الله تعالى ، ثم محبة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ثم محبة المؤمنين المستقيمين من عباده ، ثم محبة كل ما هو جميل طهور . وانما تستقيم هذه المحبة اذا كانت بغير غرض أو مرض ، وكانت خالصة لوجه الله عز وجل ، لان ما كان لله دام واتصل ، وما كان لغير الله انقطع وانفصل ، ومن هنا نفهم قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( من أحب لله ، وأبغض لله ، وأعطى لله ، ومنع لله ، فقد استكمل الإيمان ) . والتحلى الكامل بصفة ( المحبة ) الصادقة على الوجه الذى تقدم لا يتحقق للإنسان الا بتوفيق من الله عز وجل وعون ، والمحبة ليست من تعليم الخلق ، انما هى من مواهب الحق وفضله . ومحبة الله تعالى لعباده هى كنز الكنوز ، والقرآن الكريم يشير إلى هذه المحبة فى قوله ( يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتى الله بقوم يحبهم ويحبونه ، أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين ، يجاهدون فى سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، والله واسع عليم ) . وقد عرض علينا كتاب الله صفات اولئك الذين يحبهم ربهم ، فاذا هم يتحلون بمكارم الاخلاق ومحامد الصفات ، من الاحسان والتوبة والتطهير والتقوى والصبر والتوكل والعدل والجهاد . واذا أحب الله عبدا من عباده آتاه من ثمرات هذه المحبة ما يعظم شأنه ويجل قدره . ولقد اخبرتنا السنة من بعد القرآن الكريم أن هؤلاء المتحابين فى الدنيا تحت لواء الإيمان والتقوى يجمع الله بينهم فى دار النعيم ، وان كان بين منازلهم شىء من التفاوت . فهذا رجل يقول للرسول : يا رسول الله ، كيف تقول فى رجل أحب قوما ولم يلحق بهم ( أى لم يساوهم فى قدر الطاعة ) فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( المرء مع من أحب ) . وان القرآن الكريم هو كتاب المحبة ، وان دين الله الإسلام هو دين المحبة ، وأن أتباعه المؤمنين هم أهل المحبة ، اللهم ارزقنا حبك ، وحب من يحبك ، انك نعم المولى ونعم النصير .
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.