بدلاً من استغلال الفرصة السانحة لاستنهاض حركة فتح واخراجها مما آلت إليه الأمور، وبدلاً من التقاط الأنفاس ولأم الجراح والتوقف لمراجعة الذات، وبدلاً من تحويل نتيجة الانتخابات التشريعية القاسية لقوة دفع للحركة تنقذها وتنتشلها من أعباء الماضي وما التصق وعلق بها من الشوائب غير البشرية وكذلك البشرية من طامعين ونكرات وطلاّب مناصب، وبدلاً من إزالة تهمة الفساد التي اقترنت ممارساتها برموز فتح في عهد من أوصلوها لهذه الحال، بدلاً من كل ذلك تلقت حركة فتح اليوم ضربة جديدة ثانية عبر بلطجة وهمجية من اختارتهم الحركة لتمثيلها في التشريعي، ليضيفوا نقطة سوداء أخرى لرصيدهم ولحركتهم التي كانت في غنى عنها. ديمقراطية، مشاركة، إصلاح، محاربة للفساد، احترام قرار الناخب، معارضة شريفة حقيقية، مصلحة الشعب والوطن، وغيرها من الشعارات التي سمعناها ونسمعها نُسِفت بأسلوب فوضوي، وفي عرض أشبه ما يكون بتشويش أطفال مدرسة ابتدائية، لكن بعبارات يخجل أطفال المدارس الابتدائية من استخدامها، كيف لا وعقلية الفاكهاني البلطجي لا زالت مسيطرة على عقول هذه المجموعة ومن يترأسها، وفي حالة من اللاوعي في رفض حقيقة أنهم أقلية داخل مجلس منتخب، أقلية يجب أن تحترم رأي الأغلبية التي اختارها الشعب، لا أن تحاول فرض إرادتها وبأسلوب لا يليق بنواب في مجلس محترم، وكأنهم سادة الموقف والمكان والزمان. لم يستطع هؤلاء التخلص من عقدهم بأن الوطن مزرعة خاصة لهم، وبأنهم فقط من يوزع الوطنية، وبأنهم وحدهم من يفهم القوانين والتشريعات، لم يستطعوا فهم أن الشعب قد قال كلمته، وبأن الوطن ليس حكراً لهم، وبأن عهد الفساد والافساد قد ولى إلى غير رجعة، لكن على ماذا اعترضوا، ولم كل هذا التشنج والهيجان والصياح وصولاً للإنسحاب المبيت؟ دون الدخول في جدل قانوني حُسم صباحاً في تقرير قانوني أعده الدكتور عصام عابدين من وحدة البحوث البرلمانية بالمجلس التشريعي الفلسطيني يؤكد عدم دستورية الدورة الاستثنائية التي عقدها المجلس القديم، وبتفاصيل قانونية مسهبة، نقول أن الاحتجاج من نواب حركة فتح كان على أساس أنه ليس من حق المجلس الحالي مناقشة القرارات السابقة، أو الاطلاع على محاضر اجتماعات سابقة، رافضين حتى طرح الموضوع للنقاش، وهنا لابد من طرح بعض النقاط والتساؤلات على هذه العصبة داخل التشريعي: • هل محاضر الجلسات السابقة سرية حتى يحظر الاطلاع عليها كما يريد عزام الأحمد؟ • هل القرارات السابقة منزلة ولا يجوز مراجعتها أو دراستها كما أرادت النائب الفتحاوية ربيحة ذياب التي قالت : " نحن مجلس جديد و ليس لنا بما جرى في المجلس السابق الذي انتهت ولايته، و لا يجب علينا التعامل بازدواجية مع القوانين"! • أيعقل أن يقرر مجلس منتهي الصلاحية تقليص صلاحيات مجلس قادم منتخب ديمقراطياً؟ • أيعقل أن تُتخذ قرارات مصيرية من مجلس سقط جميع أعضائه في الانتخابات ما عدا اثنين؟ • هل قرأت هذه العصبة التقرير القانوني سابق الذكر؟ • ما المشكلة في مناقشة ومراجعة القرارات السابقة ان كان لديهم حجة قانونية كما يدعون؟ أم انهم على ثقة مطلقة بعدم شرعية ما اتخذ من قرارات؟ • عندما يعترض دحلان ويقول انه "ليس من حق حماس استخدام أغلبيتها لتمرير القرارات" ويضيف عيسى قراقع أن حماس "تريد ان تستخدم سلاح التصويت لتجاوز القوانين والانظمة ، معتبراً ذلك انقلابا يمس المكانة القانونية لكل التشريعات والقوانين الفلسطينية"، ترى ما الحل في رأيهم كآلية لاتخاذ القرارات؟ • عندما يصرح أبو علي شاهين بعد الجلسة ليقول "حماس على ما يبدو حديثي العهد في مسألة ادائهم لرئاسة المجلس التشريعي" مؤكدا "أنه متفائل في طبيعة هذا الاداء بعد عام من الان"، هل يا ترى برأيه أسلوب البلطجة الذي مارسه عزام الأحمد ودحلان دليل على خبرة سياسية وحنكة نادرة؟ • هل يعلم هؤلاء أن انسحابهم من الناحية القانونية لا يقدم ولا يؤخر لأن نصاب المجلس مكتمل وبامكانه اتخاذ القرارات؟ • عندما يوجه الأحمد وبقية العصبة الاتهامات بالهيمنة والتفرد وعدم المشاركة، هل نسوا أنهم ككتلة برلمانية من أوصوا المجلس الثوري لحركة فتح بعدم المشاركة في حكومة تقودها حماس؟ وهل الشراكة انتقائية بنظرهم؟ أم نسوا أن دحلان هو القائل "أنه من العار أن تشارك فتح في حكومة تقودها حماس" • عندما يهدد الأحمد باللجوء للقضاء، ألم يهدد نفس التهديد يوم الاثنين 06/02/2006 ضد المدعي العام لفتحه ملفات الفساد؟ فهل هي مصادفة أنه كلما حاول أحدهم الإصلاح يتصدى له الأحمد ويهدده بالقضاء؟ • من الذي حرك الزعران لاطلاق النار أمام التشريعي فور انسحاب نواب فتح؟ وهل هي ايضاً من المصادفات العجيبة كالانسحاب الجماعي أم أنه أمر دبر بليل؟ • هل قاعدة نقطة النظام وجدت لخرق النظام والتشويش كما فعلوا اليوم؟ • الأهم من هذا كله متى سيتخلص هؤلاء من عقلية الحرد على مبدأ "يا على كيفي يا بحرد"؟ نحمد الله تعالى أن التقنيات الحديثة باتت تنقل لنا ما يدور لنشاهد ونسمع بعيداً عن الأكاذيب والتلفيقات والادعاءات والجلسات المغلقة، وما سمعناه ورأيناه اليوم لا يبشر بخير، ليس بالنسبة للتشريعي الذي أثبت اليوم أنه لا يصح إلا الصحيح، لكن بالنسبة لحركة فتح التي يصر هؤلاء على القضاء على ما تبقى من صورة مشرقة لها وبشتى الطرق والوسائل، وما يقلق أن تُختزل حركة فتح بشخوص الأحمد ودحلان وعريقات وانتصار الوزير وشعث بدلاً من قادتها من أمثال ناصر عويص ود.ثابت ثابت وعاطف عبيات ورائد الكرمي ونايف أبوشرخ، وما لا يُطمئن أن تصبح هذه المجموعة هي المتحكمة في مصير حركة عمرها عقود من الزمن. العقليات التي شاهدناها تذكرنا بعقلية الفاكهاني، التي تحاول فرض وصايتها على كل من حولها، وبطريقة البلطجة والزعرنة، التي لا يحسن ولا يتقن هؤلاء غيرها، لكن الأيام غير الأيام، والحال ليس كسابقه، والناس لم تعد تقاد بالعاطفة والشعارات المهترئة من قبل من فرطوا وتاجروا وسمسروا بكل شيء، وما تهديدهم باللجوء للقضاء إلا للإيحاء ولذر الرماد في العيون بأنهم رجال القانون، وهم قبل غيرهم أدرى بأن كل ما جرى هو قانوني محض، وليلجأوا للقانون إن كانوا صادقين. حركة فتح أضاعت فرصة تاريخية في التخلص من شرذمة الفساد، واليوم أضاعت فرصة أخرى بتحسين صورتها بسماحها لهذه العصبة من تمثيلها بهذه الطريقة المهينة، وأضاعت فرصة بعد اهتزاز صورتها عقب انتخابات التشريعي الأخيرة لتقول أن فتح ليست رديفاً للفساد كما يريدها البعض، وهو ما يحرص عليه المتنفذون في الاعتراض على كل خطوة لتصحيح الوضع ومحاربة افرازات الفاسدين، فهل سيبقى أبناء فتح من مخلصين وشرفاء وحريصين على حركتهم في موقع المتفرج المتحسر؟ وهل ستضيع فرص أخرى قادمة لا محالة لتصبح حركة فتح كبقايا الحزب الشيوعي في دول أوروبا الشرقية؟ أم سينتفض أبناء فتح من خلال مؤتمرهم العام القادم للتخلص ممن أوصلوهم لهذا الحال المزري وما زالوا في غيهم يعمهون؟ الوقت والزمن والحال لا يحتمل ألاعيب صبية السياسة أو مطامع كهول السمسرة، أو صراعات بين حرس بائد وآخر حاقد لتوزيع المغانم، فالذي يدفع الثمن في النهاية هم كوادر الحركة ومخلصيها، فهل حان الوقت أم علينا الانتظار لمشاهدة الفصل الأخير في أفول حركة فتح؟ لنتذكر سوياً تلك الكلمات الخالدات: على قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم وتعظم في عين الصغير صغارها وتصغر في عين العظيم العظائم أما السؤال فيبقى في انتظار الإجابة!