محبتي للدكتور محمد عباس كبيرة , ولازلت أذكر له مواقفه القوية في الوقت الذي قل فيه الصادعون بكلمة الحق في وجه الرئيس المخلوع مبارك , ولقد كنا ننتظر مقالاته بشكل إسبوعي ونسعد بقراءتها كثيراً , وكان ذلك مما يخفف عنا , ولا أنسى أنه دافع عني , ولكني حزنت على أنه ندم على ذلك وفقد ثواب نصرة المظلوم , وكان بوسعه أن يُبقي على ثوابه , ويختلف مع ما هو جديد من تصريحاتي التي أرى أنها فُهمت على غير مرادها , ومن أراد أن يعرف موقفي فعليه أن يقرأ مقالاتي المنشورة منذ يوليو من العام الماضي . إنني لم أطرح سوى رؤية سياسية للخروج من معركة لا يظهر لي فيها الظفر إلا أن يشاء الله تعالى فهو ناصر المؤمنين ولو كانوا قلة قال تعالى ( كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله , والله مع الصابرين ) إن المعارك التي لا يرجى منها الظفر يجب الانسحاب منها إذ يقول العز بن عبد السلام سلطان العلماء ( فإذا لم تتحقق النكاية وجب الانهزام لما في الثبوت من فوات النفس مع شفاء صدور الأعداء ) ويقول شيخ الإسلام بن تيمية ( فمتى كانت مفسدة الأمر أعظم من مصلحته لم يكن مما أمر الله تعالى به ) إننا في مصر للأسف الشديد نشاهد من هو سعيد بالضربات التي توجه للإخوان المسلمين وحلفائها فهم يفقدون بين الحين والآخر شهداء وسجناء وقدرات مادية , في حين أن الطرف الآخر ينطلق غير عابئ بالحراك في الشارع ويحاول أن يعالج مشكلات الجماهير , ويسعى إلى تدشين مشروعات قومية يدعم بها حكومته ويكسب بها أنصاراً جدداً . إنني حين عرضت رؤيتي كانت تتضمن تشكيل قوة معارضة سلمية للدخول إلى المجلس النيابي بهدف المدافعة وتقليل الشر وعدم ترك هذه المساحة لمن لا نرغب في تواجدهم في المجلس فيشرعون لنا ويقننون ما نكره فهل أكون قد أخطأت في هذا ؟!! وهل حينما أقول بترشيح شخص محايد من ثلاثة ( المستشار محمود مكي – المستشار هشام جنينة – الدكتور سليم العوا ) لمنصب رئيس الجمهورية فهل يعد ذلك تنازلاً أم منازعة لاسترداد ماسُلب , وإذا كان تقديري هذا خاطئاً في نظر البعض فهل يعتبر قائل هذا الاقتراح في الخندق الآخر ؟!, ثم حين تحدثت عن الديات لم أقصد التفريط في دم الشهداء , بل قصدت الترتيب لأمر مستقبلي ربما تحتاج إليه الحركة وهو وجود حل لمن قتل ولم يعرف من الذي قتله وهو تعويض لازم من بيت المال لكل شخص تنطبق عليه هذه الحالة خاصة وأن الحكومة لم تحقق في شأن القتلى ولم تقرر أي تعويضات لهم أو للمتضررين عموماً من أبناء التيار الإسلامي , وهذا الذي أقوله بشأن الديات هو كلام الفقهاء في الصلح وليس كلامي . ثم إن ماورد في سؤالكم الكريم لابد وأن يُفهم في سياق الفهم العام للدين ولا يصح اجتزاء أحداث لتكون حجة على ما استقر عليه الفقه الإسلامي , فلقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أشجع الناس وما تصرف به في مواجهة قريش كان تصرف نبي يوحى إليه يصدع بكلمة الحق مبلغاً عن ربه ( يا أيها النبي بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس ) وكان أيضاً يعلم أنه منصور من ربه وسيظهره على أهل مكة ( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ) أما عن موقف أبو بكر الصديق رضي الله عنه فلقد كان قائداً لدولة كبرى لها قدرات وإمكانات خاض المعارك مع المرتدين رغم أنه نسبياً أقل عدداً وعدة لكن قواته كانت أعلى إيماناً وأطوع لله من عدوها , ولقد كان الصحابة يدركون ذلك فيتوبون إلى الله ويستغفرونه قبل الغزو ويشتدوا في الطاعة ويجأرون بالدعاء إلى الله حتى النصر . أما عن موقف الحسين فلقد رتب له مسلم بن عقيل الأحوال وأرسل في استدعائه وأخبره أنه قد جمع تسعة عشر ألف مقاتل على أهبة الاستعداد ليكونوا معه على يزيد , فتأهب للخروج فاعترضه بن عمه ترجمان القرأن بن عباس فلم يمتثل وقال له إنهم أرسلوا إليّ فقال له بن عباس أستودعك الله من قتل بعد أن عجز أن يثنيه عن موقفه , فلما سار الحسين بموكبه جاءه في منتصف الطريق رسول من مسلم بن عقيل ينهاه عن الذهاب ويحذره من أن الأوضاع قد تغيرت فلم يصدق الرسول واستكمل مسيرته مظنة الظفر ففوجئ بالموقف وكان ماكان من استشهاده في معركة مرجوحة رافضاً أن يُسلّم بولاية يزيد . أما عن تضحيات أهل الأخدود فلقد تمسكوا بدينهم حتى وضعوا في النار بما فيهم الطفل الذي أنطقه الله ليحادث أمه ويحثها على الثبات على الحق وأضيف على ما ذكرته موقف سحرة فرعون حينما أمنوا برب موسى وهارون فرفضوا أن يتراجعوا حتى قتلوا شهداء عند الله , وكذلك كان موقف الغلام الذي دل الملك على كيفية قتله حيث رمى السهم وهو يقول بسم الله رب الغلام فكان في ذلك إظهاراً للدين والحق مع التضحية بالنفس , وهو أمر جائز له ثوابه عند الله تعالى , فحالات التضحية الفردية بالنفس إعلاءً للدين وإظهاراً للحق أمر مستحب عند أهل العلم , أما إذا تعدى الموقف إلى التضحية بالغير فهذا محظور , فكيف يجرؤ قائد على الدفع بجنوده في معركة أشبه بمن يطرح نفسه على الصف وليس لديه ما يرجو منه الظفر . وأخيراً فإنني ممن لا يحبون المساجلات والمناظرات على الملأ خاصة مع من أحبهم وأتناصر معهم , ولكن توجه إلي الدكتور حفظه الله بالسؤال فلم أجد بداً من التعليق توضيحاً لموقفي وفهمي للقضية وليس من باب آخر , والخلاصة أنني تقدمت بنصيحتي للإخوان قاصداً الخير لهم , واضطررت إلى علانيتها , وهم في النهاية مخيرون في الأخذ بها أو ببعضها أو بطرحها خلف ظهورهم لكونهم مسئولين أمام الله عن جماعتهم وعن التحالف الذي يقودونه , أما عن موقفي فقد وضعت أمامهم تصوري حتى إذا سألني ربي قلت : نصحت لهم . هذا وأسأل الله تعالى أن يوفقنا إلى نصرة الإسلام والعمل على رفع رايته وصلى الله وسلم على سيدنا محمد