دعوى عاجلة جديدة تطالب بوقف تنفيذ قرار جمهوري بشأن اتفاقية جزيرتي تيران وصنافير    سعر الذهب اليوم الأحد 4 مايو 2025 في مصر.. استقرار بعد الانخفاض    مختص بالقوانين الاقتصادية: أي قانون يلغي عقود الإيجار القديمة خلال 5 سنوات "غير دستوري"    الأرصاد تكشف طقس الساعات المقبلة: أمطار وعودة الأجواء الباردة    تنفيذاً لقرار مجلس الوزراء.. تحرير 148 مخالفة عدم غلق المحلات في مواعيدها    مينا مسعود يحضر العرض المسرحي في يوم وليلة ويشيد به    الإفتاء توضح: هذا هو التوقيت الصحيح لاحتساب منتصف الليل في مناسك الحج لضمان صحة الأعمال    عشان دعوتك تتقبل.. اعرف ساعة الاستجابة في يوم الجمعة    جيش الاحتلال الإسرائيلي يؤكد فشله في اعتراض صاروخ اليمن وسقوطه بمحيط مطار تل أبيب    شاهد عيان على جسارة شعب يصون مقدراته بالسلاح والتنمية.. قناة السويس فى حماية المصريين    مد فعاليات مبادرة كلنا واحد لمدة شهر اعتبارا 1 مايو    سعر الدولار الأمريكي أمام الجنيه المصري الأحد 4-5- 2025    اللهم اجعله اختطافًا (خالدًا) وخطفة (سعد) على النقابة (2-3)    الكوابيس القديمة تعود بثياب جديدة! كيف صاغ ترامب ولايته الثانية على أنقاض الديمقراطية الأمريكية    هجوم كشمير أشعل الوضع الهند وباكستان الدولتان النوويتان صراع يتجه نحو نقطة الغليان    الوجهان اللذان يقفان وراء النظام العالمى المتغير هل ترامب هو جورباتشوف الجديد!    رئيس وزراء أستراليا المنتخب: الشعب صوت لصالح الوحدة بدلا من الانقسام    واصفًا الإمارات ب"الدويلة" الراعية للفوضى والمرتزقة"…التلفزيون الجزائري : "عيال زايد" أدوات رخيصة بيد الصهيونية العالمية يسوّقون الخراب    بغير أن تُسيل دمًا    درس هوليوودي في الإدارة الكروية    تمثال ل«صلاح» في ليفربول!!    وجه رسالة قوية لنتنياهو.. القسام تنشر فيديو لأسير إسرائيلي يكشف تعرضه للقصف مرتين    رابطة الأندية تعلن عقوبات الجولة الثالثة من مرحلة حسم الدوري    عاجل.. الزمالك يرفض عقوبات رابطة الأندية    لجنة حكماء لإنقاذ مهنة الحكيم    من لايك على «فيسبوك» ل«قرار مصيرى».. ال SNA بصمة رقمية تنتهك خصوصيتنا «المكشوفة»    إحالة الفنانة رندا البحيري للمحاكمة بتهمة السب والتشهير ب طليقها    بسبب وجبة «لبن رايب».. إصابة جدة وأحفادها ال 3 بحالة تسمم في الأقصر    والدتها سلمته للشرطة.. ضبط مُسن تحرش بفتاة 9 سنوات من ذوي الهمم داخل قطار «أشمون - رمسيس»    روز اليوسف تنشر فصولًا من «دعاة عصر مبارك» ل«وائل لطفى» يوسف البدرى وزير الحسبة ! "الحلقة 3"    بعد ختام الدورة الحادية عشرة: مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير.. وشعار «النضال من أجل الاستمرار»    سرقوا رائحة النعناع الطازج    أهرامات العالم!    عبدالناصر حين يصبح «تريند»!    في ظل فضائح وكوارث حكومة الانقلاب .. مجند يحاول الانتحار فى معبد فيله احتجاجا على طقوس عبادة الشمس    الرئيس السيسى ينتصر لعمال مصر    أول مايو يخلد ذكرى «ضحايا ساحة هيماركيت» عيد العمال احتفاء عالمى بنضال الشقيانين    أثارت الجدل.. فتاة ترفع الأذان من مسجد قلعة صلاح الدين    كلام ترامب    وزير الصحة يوقع مذكرة تفاهم مع نظريه السعودي للتعاون في عدد من المجالات الصحية الهامة لمواطني البلدين    تصاعد جديد ضد قانون المسئولية الطبية ..صيدليات الجيزة تطالب بعدم مساءلة الصيدلي في حالة صرف دواء بديل    الأهلي سيتعاقد مع جوميز ويعلن في هذا التوقيت.. نجم الزمالك السابق يكشف    إنتر ميلان يواصل مطاردة نابولي بالفوز على فيرونا بالكالتشيو    كامل الوزير: هجمة من المصانع الصينية والتركية على مصر.. وإنشاء مدينتين للنسيج في الفيوم والمنيا    حقيقة خروج المتهم في قضية ياسين من السجن بسبب حالته الصحية    الفريق كامل الوزير: فروع بلبن مفتوحة وشغالة بكل الدول العربية إحنا في مصر هنقفلها    كامل الوزير: البنية التحتية شرايين حياة الدولة.. والناس فهمت أهمية استثمار 2 تريليون جنيه    50 موسيقيًا يجتمعون في احتفالية اليوم العالمي للجاز على مسرح تياترو    كامل الوزير: 80% من مشروعات البنية التحتية انتهت.. والعالم كله ينظر لنا الآن    حزب الله يدين الاعتداء الإسرائيلي على سوريا    الشرطة الألمانية تلاحق مشاركي حفل زفاف رقصوا على الطريق السريع بتهمة تعطيل السير    الأوقاف تحذر من وهم أمان السجائر الإلكترونية: سُمّ مغلف بنكهة مانجا    " قلب سليم " ..شعر / منصور عياد    «إدمان السوشيال ميديا .. آفة العصر».. الأوقاف تصدر العدد السابع من مجلة وقاية    مصرع شخص وإصابة 6 في انقلاب سيارة على الطريق الصحراوي بأسوان    تمهيدا للرحيل.. نجم الأهلي يفاجئ الإدارة برسالة حاسمة    فحص 700 حالة ضمن قافلتين طبيتين بمركزي الدلنجات وأبو المطامير في البحيرة    الصحة: العقبة الأكبر لمنظومة التبرع بالأعضاء بعد الوفاة ضعف الوعي ونقص عدد المتبرعين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا تخاف إسرائيل من ثورة مصر
نشر في المصريون يوم 08 - 06 - 2011


رعب إسرائيلي غير خفي
لم يَعُد خافيًا حالة الرعب التي أصيب بها الكيان الصهيوني (إسرائيل) بعد ثورة مصر، وقد بدأ هذا الرعب مبكرًا قبل نجاح الثورة، فقد قالت نيويورك في 31/1/2011: "إن الثورة المصرية أشاعت الاضطراب في الجيش والحكومة الإسرائيلية، كما ركزت كبريات الصحف الإسرائيلية على الأحداث في مصر، وكانت تنبؤات معظمها مفزعة، وتطابقت العناوين الرئيسة لاثنين منها: "شرق أوسط جديد"( ).
ثم أبدت وسائل الإعلام الإسرائيلية قلقها من تعيين الدكتور عصام شرف رئيسًا للوزراء بمصر، ففي تقرير لإذاعة الجيش الإسرائيلي بعنوان: "رئيس وزراء معادي لإسرائيل"، قالت الإذاعة: «إن عصام شرف رئيس الحكومة المصرية الجديد يعارض سياسة تطبيع العلاقات".
كما دعت صحيفة يديعوت احرونوت تل أبيب بالتوجه إلى الشعب المصري رأسًا للدعوة إلى السلام، وذلك في تقرير بعنوان: "اعرضوا السلام على 80 مليون مصري"( )!
بينما استقبل الإعلام الإسرائيلي نبأ تعيين السيد نبيل العربي وزيرًا للخارجية في حكومة شرف بحالة من الغضب والقلق الشديدين، وعنونت صحيفة يديعوت احرونوت الإسرائيلية افتتاحيتها ب "وزير خارجية مصر الجديد اتهم إسرائيل بقتل الشعب"، وأكدت الصحيفة أن العربي "يحمل موقفًا معاديًا لإسرائيل وقد لا يبدي تعاونًا كثيرًا مع إسرائيل خلال منصبه الجديد"( ).
ثم تزايد قلقها من قرار مصر السيادي بفتح معبر رفح أمام الفلسطينيين بالكلية( )، وأخيرًا - وليس بآخرٍ - الرعب الذي أصاب حكومتها الحالية بسبب المصالحة الفلسطينية بين فتح وحماس( ) والتي أنهت خلافًا استمر ببركات عصابة مبارك لمدة أربع سنوات.
وقد قامت هذه المصالحة برعاية مصرية كنتيجة مباشرة لما أحدثته الثورة من تصحيح لدور مصر العربي والإقليمي.
وفي هذا البحث نحاول دراسة أسباب هذا القلق أو بالأحرى الفزع الإسرائيلي من ثورة مصر، وذلك من خلال دراسة أثر الثورة المصرية على المزايا الاستراتيجية الإسرائيلية في المنطقة.
المزايا الاستراتيجية لإسرائيل:
يرى "جوين دايار" الصحفي الكندي المقيم بلندن - والباحث في تاريخ الشرق الأوسط - في كتابه "الفوضى التي نظموها في الشرق الأوسط بعد العراق"، والذي نُشر سنة 2007م، إن التفوق الإسرائيلي في منطقة الشرق الأوسط إنما يعود بالأساس إلى ثلاث مزايا من صنع إسرائيل وحلفائها وميزة رابعة من صنع العرب.
"أولى هذه المزايا احتكارها للأسلحة النووية في المنطقة منذ أربعين سنة، إذ تملك إسرائيل مالا يقل عن عدة مئات من الأسلحة النووية وتشكيلة من وسائل النقل القادرة على بلوغ كل البلدان العربية، إضافة إلى إيران بالطبع، في حين لا تملك أي دولة أخرى في الشرق الأوسط أيًا منها، والثانية هي التفوق العسكري الساحق لقواتها العسكرية التقليدية التي ما تزال قادرة بسهولة على تدمير الجيوش النظامية لكل الدول العربية المجاورة( )، والثالثة هي الدعم المالي والعسكري السخي وغير المشروط تقريبًا الذي تتلقاه من القوى العظمى الوحيدة في العالم – الولايات المتحدة الأمريكية - وهنالك أمر رابع ليس من صنع إسرائيل، إنه الفقر المدقع والعجز والتفكك التي تعاني منه الدول العربية المجاورة لها"( ).
ناقش دايار هذه المزايا وأثر غزو أمريكا للعراق عليها، وسنحاول من خلال مناقشته أن نوضح أثر ثورة مصر على هذه المزايا مرة أخرى.
القنبلة النووية الإسرائيلية وهمٌ أم حقيقةٌ:
إن امتلاك إسرائيل لعدة مئات من الأسلحة النووية، ووسائط نقل قادرة على تهديد الدول المجاورة لها في المنطقة وعدم امتلاك الدول العربية لأيًا من الأسلحة النووية ميزة إستراتيجية لا تُنكر للعدو الصهيوني، ولكن هل تستطيع هذه الميزة الدوام إلى الأبد، بالطبع لا.
ولكن كيف نجزم بذلك؛ إن الأسباب يمكن أن نلخصها فيما يلي:
كُسر من الناحية التقنية احتكار إسرائيل الإقليمي للأسلحة النووية من قبل باكستان الدولة المسلمة التي تملك أسلحة نووية قادرة على تهديد إسرائيل نفسها.
والحقيقة: أن القنبلة النووية الباكستانية هي قنبلة "إسلامية"، قامت بصنعها باكستان بتمويل عربي( )، أي أن الاحتكار التقني لصنع القنبلة النووية قد كُسِر بالفعل، وقد حاول علماء من باكستان تبادل المعلومات التقنية مع غيرهم من علماء الدول العربية.
ومن هنا لابد أن ننبه إلى أن من أكبر ما جنته الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل من غزو أفغانستان هو تحكمها بالقنبلة النووية الباكستانية أو على أقل التقديرات مراقبتها بعدما أشاعت أمريكا إمكانية أن تقع هذه القنبلة في أيدي التنظيمات الإرهابية( ).
وعلى الرغم من صحة هذا الحدث وضعف مكانة القنبلة النووية الباكستانية كسلاح ردع عند العرب - بعدما تخلوا عنه وتنصلوا من دورهم فيها - ومهما يكن من أمرٍ فستظل القنبلة الباكستانية "قنبلة إسلامية"، ومهما توالت على باكستان حكومات عميلة فستبقى في نهاية الأمر وبتأثير من الدين والتاريخ منحازة إلى الأمة الإسلامية والعربية وخاصة عند تعرض أي من الدول العربية إلى تهديد نووي إسرائيلي.
حقيقة التفوق العسكري الإسرائيلي الساحق:
يرى جوين دايار أن تفوق إسرائيل المطلق على كل جيرانها في الحروب التقليدية يتآكل بسرعة مسبقًا( ).
ويعدد سبب ذلك إلى أن أسلوب الحرب في المنطقة قد تغيّر، وتغيره ليس في صالح الأسلوب الحربي الكلاسيكي لإسرائيل، فجيش الكيان الصهيوني يعتمد بالأساس على شق تشكيلات العدو بسرعته الفائقة، وقوته النارية الهائلة وتفوقه التقني العالي( )، وهذا الأسلوب في القتال لا يمكنه الاستمرار في حرب طويلة، فلا تستطيع إسرائيل إبقاء جنودها المواطنين في جبهة القتال لأشهر أو سنوات لأن الاقتصاد سينهار.
وقد ظهر هذا جليًا في الحرب الأخيرة التي شنتها إسرائيل على لبنان( ) عام 2006م. فقد فشلت إسرائيل في تحقيق هدفها من تلك الحرب وهو إعادة ترسيخ مفهوم الردع العسكري التقليدي لإسرائيل، والذي كان قد تقوض بشكل خطير بعد الانتفاضات الفلسطينية المتتابعة والتي أثرت في هيبة إسرائيل، ولم يستطع الجيش الإسرائيلي تنفيذ مهمته بعد أسابيع من القصف المستمر بإخراج مقاتلي حزب الله من مواقعهم، كما لم ينجح المشاة الإسرائيليون في تحقيق هذا الهدف عندما خاضوا الحرب ميدانيًا، وكانت النتيجة أن بدا الجيش الإسرائيلي أقل فعالية مما كان يعتقد العرب، وأصبح هناك أمل كبير في الشرق الأوسط المسلم في إمكانية استنزاف الجيش الإسرائيلي بواسطة حروب عصابات ضمن الأراضي المحتلة وعلى امتداد حدوده.
وهنا لابد أن نسجل ثلاث نقاط مهمة:
الأولى: أدت حقيقة أن الجيش الإسرائيلي جيش احتلال إلى أن أصبحت المهمات الرئيسة له هي مهمات وحدات مكافحة العصابات، وهي مهمات لا يقدر عليها الجيش النظامي، لأن الجنود النظاميين لا يحبون حروب العصابات ولا يحسنون القتال فيها، وذلك لأن الخطر يكون مفاجئًا وغير مرئي (وإن كانت درجته أدنى)، إضافة إلى عدم إمكانية تحقيق نصر حاسم، وبالأحرى لا يقدر جيش إسرائيل من الاحتياط على تنفيذ هذه المهام.
والخلاصة أن العمليات الخاصة بقمع التمرد (الانتفاضات) تنتهي غالبًا بإفساد كل الجيوش واستنزاف عزيمتها ومهنيتها، حيث يضعف الانضباط وتتزايد الانهاكات أو يصبح المتميز بين المدنيين الأبرياء ومقاتلي التمرد (الانتفاضة) غاية في الصعوبة أو غير ممكن بتاتًا( ).
الثانية: لابد أن نذكر هنا ما قام به وزير الدفاع المصري السابق المشير محمد حسين طنطاوي (رئيس المجلس العسكري الحاكم الآن) من الوقوف أمام تحول العقيدة القتالية للجيش المصري النظامي من عقيدة حرب على عدو خارجي والمحافظة على أمن الوطن وسلامة أراضيه إلى حرب على الإرهاب أو كما سبق مكافحة العصابات، الأمر الذي أبقى على أقل تقدير القدرة الروحية والمعنوية للجيش على القتال في الميدان وضمن عدم استنزاف قواه كما حدث للجيش الإسرائيلي.
ويظهر هنا لماذا تخاف إسرائيل من ثورة مصر؟ إن تولي قادة الجيش المصري تحقيق أهداف الثورة المصرية أزعج إسرائيل أيما إزعاج، ذلك لأن عقيدة الجيش المصري لم تتغير "لسنا لنا إلا عدو واحد" وهو إسرائيل، وقد صرح بذلك كثير من القادة العسكريين آخرهم المشير محمد عبد الحليم أبو غزالة - رحمه الله تعالى - (وزير الدفاع المصري السابق)، وأبقى على هذه العقيدة - على الرغم من كل الضغوط التي أحاطت به - المشير محمد حسين طنطاوي.
الثالثة: لابد من الإطلالة على التاريخ لنستشرف به الحاضر والمستقبل، صرح كثير من القياديين المصريين السابقين أن من أهم عوامل وأسباب نصر أكتوبر 1973م، حرب الاستنزاف التي خاضتها مصر و الأردن ما بين سنتي 67 و73، ما أدى إلى إنهاك جيش العدو وتهيئته لهزيمة في سنة 1973م، وهو ما يؤيد ما توصل إليه جوين دايار فيما سبق من عرضي لرأيه وتحليله لقوة الجيش الأسرائيلي.
وأخيرًا يقول جوين دايار: "بات بعض العرب من غير المتدينين المتعصبين( ) يعتقدون فعلاً بإمكانية إلحاق هزيمة عسكرية بإسرائيل، وهكذا أصبحت الميزة الإستراتيجية الثانية لإسرائيل - أي تفوقها القاطع في الحروب التقليدية - سلعة مهددة ومشكوك فيها"( ).
متى تتعارض المصالح الأمريكية والإسرائيلية:
تدعم أمريكا حليفتها الدائمة وربيبتها المدللة إسرائيل دعمًا سخيًا غير مشروط من قِبَل الحكومة والشعب، كما تقوم مجموعات ضغط أمريكية مؤيدة لإسرائيل ومنها لجنة العلاقات العامة الأمريكية الإسرائيلية (AIPAC) بالتأثير على الكونجرس الأمريكي لضمان استمرار هذه العلاقة.
ومن أهم المزايا التي استفادت منها إسرائيل هو حصانتها تجاه معايير حسن السلوك الاعتيادية التي تسري على كل حلفاء أمريكا، فقد زُج عدد كبير من الأمريكيين في السجن لفترات طويلة لتجسسهم لصالح إسرائيل من دون أن يؤثر هذا الأمر على العلاقة الاستراتيجية الأمريكية الإسرائيلية، بل وصل الأمر إلى أن "تخلت الولايات المتحدة في زمن جورج بوش عن سياسة أمريكية عمرها 38 عامًا عندما أسقط بوش الابن الدعم الأمريكي عن قراري مجلس الأمن الدولي 242 و338 وهما المتعلقان بمسألة الأراضي الفلسطينية المحتلة".
هذا بينما يرى باحثون كثر أن كثيرًا من الأهداف والمصالح الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط كانت يمكن أن تتحقق بسهولة أكبر لو لم تكن الولايات المتحدة وثيقة الصلة إلى هذه الدرجة بإسرائيل.
فمن أجل مصالح إسرائيل في المنطقة قامت إسرائيل بحملة لدفع الولايات المتحدة بكل الوسائل الممكنة لتغزو العراق، حتى أنها فبركت دليلاً مزيفًا على برنامج الأسلحة النووية العراقية( ) في حادثة أوكسيد فلز اليورانيوم في النيجر( ).
لقد بالغت إسرائيل بشكل خطير في استغلال علاقتها مع الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة، مستفيدة من عجز إدارة بوش المزمن عن التمييز بين المصالح الأمريكية والإسرائيلية.
ومع كل هذا فالعلاقة الإستراتيجية لا تبدو أنها مرشحة لتدوم إلى الأبد، يقول جوين دايار: "مع ذلك، فالولايات المتحدة تبقى دولة ذات سيادة، والواقعيون في إسرائيل يدركون بأن الحلف الأمريكي ليس منقوشًا على الصخر، واليوم الذي سيطرح فيه هذا الحلف للمساءلة قد لا يكون بعيدًا"( ).
ويبرهن على ذلك بأمور مهمة، فعلى الرغم من أن الشعب الأمريكي، سيدعم التحالف مع إسرائيل حتى لو أدرك بأنه يشكل نقطة ضعف استراتيجية في السياسة الأمريكية، فإنه لا أحد في موقع السلطة في إسرائيل يثق بالنوايا الأمريكية الطيبة بما يكفي لكي يسعى لاكتشاف إذا كان ذلك صحيحًا أم لا؟ بحسب تعبير جوين دايار، ويتجلى هذا الشك الإسرائيلي في كثرة عدد الجواسيس التي تجندهم إسرائيل لحسابها في الولايات المتحدة الأمريكية، وربما يعود إلى الطبيعة اليهودية للشعب الإسرائيلي.
كما تتزايد الرغبة عند الشعب الأمريكي في تقليل الولايات المتحدة صلتها قدر الإمكان بمشاكل الشرق الأوسط الدائمة والمستعصية على الحل، وقد نبه موت كثير من الجنود الأمريكان في العراق وأفغانستان الشعب الأمريكي إلى ضرورة العودة وعدم جدوى هذه الحروب التي تأكد أنها لا تمت إلى الحرب على الإرهاب بصلة، وربما يزداد الأمر سوءً عندما يدرك الأمريكان أن حرب العراق كانت من أجل مصالح إسرائيل لا المصالح الأمريكية.
يقول روبرت نوفاك: "الصحفي الإسرائيلي المحافظ": "أنا مقتنع بأن إسرائيل قدمت مساهمة كبيرة في اتخاذ القرار بشن هذه الحرب، أعرف ذلك قبل بدء الحرب، حيث قال شارون في حديث مغلق مع أعضاء في مجلس الشيوخ بأنهم إذا نجحوا في التخلص من صدام حسين، فإن ذلك سيحل مشاكل إسرائيل الأمنية، كانت إسرائيل الرابح الأكبر في الهجوم الإرهابي في 11 أيلول 2001، فهي منذ ذلك الحين تتمتع بحرية مطلقة في التصرف في الأراضي [المحتلة]" ( ).
ثم ماذا:
يقول جوين دايار: "لكن المزايا الاستراتيجية الثلاث الآنفة الذكر التي تتمتع بها إسرائيل ليست معرضة لخطر داهم حتى الآن، إذ قد تمضي ثلاثون سنة أخرى قبل أن تتمكن أية دولة مسلمة أقرب من باكستان من تطوير أسلحة نووية، وقد يستخلص جيش الدفاع الإسرائيلي العبر من أدائه السيئ الأخير، ويتعلم كيف يتعامل بنجاح مع تحدياته الجديدة، وقد تبقى الولايات المتحدة حليفًا لإسرائيل إلى الأبد، لكن الإسرائيليين في الوقت الحالي (2007) يراهنون بمستقبل بلدهم على أساس الافتراض بأن المزايا الاستراتيجية الثلاث كلها ستبقى كما هي حتى العام 2050م، كما يراهنون على أن كل الدول العربية المجاورة، التي تتفوق على إسرائيل في مجموع عدد السكان بنسبة عشرين إلى واحد، ستبقى ترزح تحت حكومات عاجزة، وستبقى مفتقرة للصناعة الحديثة والعلم والتكنولوجيا، وستبقى ضعيفة من الناحية العسكرية بحيث أنها لن تقدر أبدًا على تحويل تلك الأفضلية العددية الهائلة إلى ميزة إستراتيجية، ليس خلال السنوات العشر القادمة، بل الخمسين القادمة، أو ربما إلى الأبد، أي أنهم يضعون سياستهم على أساس الافتراض بأن الزمن الاستراتيجي الجميل سيدوم إلى وقت غير محدد، وهذه قد تعتبر ممارسة إدارية سيئة من قبل صاحب كشك هامبرجر ناجح"( ).
"لم يكن أكثر الناس تفاؤلاً في مصر يتصور أن تزول دولة ظلم بهذه السرعة الفائقة، وبسياسة عض الأصابع الذكية، وبضربة الجماهير القاضية في بلد اتهم شعبه على مدى عقود بالسلبية واللامبالاة"( ).
كذلك لم تتوقع إسرائيل أو الولايات المتحدة الأمريكية نجاح ثورة 25 يناير بل لم يتوقعا قيامها، كما لم يكن يتوقعها الباحثون السياسيون (وجوين دايار) مثال على ذلك، ونجاحها هو قلب لسياسة إسرائيل بالكلية، ولكن تقويض الكيان الصهيوني إنما هو مكفول بما ستقدمه الثورة وشبابها لاستعادة قوة مصر العربية والعالمية، من خلال ما تضمنه من سياسات للحكومات المصرية المقبلة في اتجاه المصلحة المصرية العربية العليا، فعلى الرغم من كون الثورة بنفسها هي مقوض رئيس وسبب كفيل للرعب الإسرائيلي والقلق الأمريكي، فقد ذكر تقرير معهد واشنطن الأمريكي لدراسات الشرق الأدنى: (الثورتان المصرية والتونسية قد أدهشتا "إسرائيل")، وتمثل هذه الثورات والاضطرابات الأخرى التي يشهدها الشرق الأوسط في البحرين وليبيا مصدر قلق للدولة العبرية بسبب انعكاساتها الاستراتيجية المحتملة". وأضاف التقرير: "تعد التطورات في مصر ذات أهمية خاصة نظرًا لدور القاهرة التقليدي في المنطقة، وكذلك الطبيعة الخاصة للعلاقات الدبلوماسية والأمنية والاقتصادية بين القاهرة وتل أبيب"( ).
نعم الثورة خطوة كبيرة إلى الأمام لكن تبقى جهود لابد من بذلها ودراسات مستفيضة من كل أبناء الوطن كي تنجز الثورة ما يتمناه المصريون منها.
ولقد قامت كل من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل عن طريق مراكز البحث سواء الأكاديمية أو الخاصة بدراسة الحالة المصرية وتحديد كيفية التعامل مع شرق أوسط جديد( )، والمعادلة الأمريكية والإسرائيلية بسيطة غير مركبة هي الحفاظ على مصالح كل من الدولتين في منطقة هي من أهم مناطق العالم من خلال التاريخ والجغرافيا والثروات.
وما لم نقم نحن مَنْ قام أو أيد الثورة بجهود مماثلة لبحث سبل النهضة بمصر والأمة العربية سنكون كمن قاد السيارة إلى أول الطريق السريع الذي يطلبه ثم وقف معجبًا بكثرة السيارات الفارهة التي تمر بجانبه.
وفي بحث آخر نود أن نشير إلى أهم ما يمكن أن نقوم به في سياستنا الاستراتيجية سواء في ذلك الخارجية أم الداخلية من أجل الحفاظ على الثورة وتعزيز مكاسبها.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.