مازالت ردود الفعل تتوالى على التسجيل المصور, الذي ظهر فيه أبو بكر البغدادي, زعيم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش", وهو يلقي خطبة الجمعة في جامع "الحدباء" بمدينة الموصل العراقية في 4 يوليو. وكانت مؤسسة "الاعتصام" التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية بثت أول تسجيل مصور لزعيم التنظيم إبراهيم البدري, وشهرته أبو بكر البغدادي،وسرعان ما تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي هذا التسجيل. وقال البغدادي في التسجيل إنه ابتلي بهذه الأمانة الثقيلة التي تتمثل في تنصيبه "خليفة للمسلمين" أواخر يونيو الماضي. وتابع "وُلّيتُ عليكم ولست بخيركم ولا أفضل منكم، أطيعوني ما أطعت الله فيكم فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم"، مقتبسا من خطبة الخليفة أبي بكر الصديق عند تنصيبه أول خليفة على المسلمين. وكان تنظيم الدولة أعلن في 29 يونيو الماضي قيام ما وصفها "بالخلافة الإسلامية", وتنصيب البغدادي "إماما وخليفة للمسلمين في كل مكان"، ودعا الفصائل الجهادية في مختلف أنحاء العالم إلى مبايعته. كما أعلن التنظيم حينها أنه تم إلغاء الاسم القديم "تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام" ليقتصر على "الدولة الإسلامية"، وهو قرار اتخذه أهل الحل والأعيان والقادة، بحسب المتحدث باسم التنظيم أبو محمد العدناني. وبعد ذلك, دعا البغدادي, الذي نصبه التنظيم "خليفة للمسلمين", في بيان له, من سماهم المجاهدين للهجرة إلى "دولة الخلافة". وفي تعليقها على ما سبق, تحدثت صحيفة "صنداي تليجراف" البريطانية في تقرير لها في 7 يوليو عن أن البغدادي تحول من باحث خجول إلى أبرز قادة "الجهاديين" المطلوبين، وأنه نصّب نفسه خليفة للمسلمين، مشيرة إلى أنه حصل على درجتي الماجستير والدكتوراه من الجامعة الإسلامية في بغداد. كما أشارت الصحيفة إلى أن البغدادي كان لاعبا ماهرا لكرة القدم، وأن رفاقه كانوا يشبهونه بلاعب أرجنتيني مشهور، بحسب ما قاله "أبو علي", زميل البغدادي في فريق لكرة القدم تابع لأحد المساجد في البلاد. وأضافت الصحيفة أن البغدادي عاش نحو عقد من الزمان في غرفة ملحقة بأحد المساجد في حي الطوبجي في بغداد حتى 2004، مشيرة إلى أنه كان هادئا ولم يظهر عداء للأميركيين، لكنه ربما كان يخطط بصمت. كما أشارت إلى أن البغدادي أيضا كان معتقلا لدى القوات الأميركية في العراق، وأنه قال عند الإفراج عنه :"سأراكم في نيويورك يا رفاق"، لكن الحراس لم يأخذوا كلامه على أنه يشكل تهديدا. وبدورها, أشارت صحيفة "الإندبندنت أون صنداي" في 7 يوليو إلى أن البغدادي دعا المسلمين إلى مبايعة الدولة الإسلامية، وأنكر شرعية حكام الدول الإسلامية في شتى أنحاء العالم، مضيفة أنه لا عجب أن تقوم السعودية عقب خطبة البغدادي بنشر ثلاثين ألف عسكري لحماية حدودها الشاسعة مع العراق. وأضافت الصحيفة أن نجاح تنظيم الدولة الإسلامية يعتمد على قدرته على تحقيق انتصارات مذهلة ضد الصعاب، وأن انتصاراته هي التي تجعله جذابا للشباب، خاصة أنه يمكن له أن يدفع لهم المقابل المادي. وبدورها, وصفت صحيفة "صنداي تايمز" البريطانية البغدادي بأنه "خليفة إرهابي"، وأضافت أنه كشف عن وجهه كي يدعو الناس إلى الجهاد. كما أشارت صحيفة "واشنطن تايمز" الأميركية في تقرير لها في 7 يوليو إلى أن "أبو بكر البغدادي ظهر في شريط فيديو وهو يخطب في أحد المساجد في الموصل ويحث أتباعه وغيرهم من المسلمين لاستغلال شهر رمضان للتصعيد من الجهاد ضد أعداء الله". وأضافت الصحيفة أن وزارة الخارجية الأميركية سبق أن وصفت البغدادي في 2011 بأنه زعيم تنظيم القاعدة في العراق، وبأنه "إرهابي" على مستوى دولي، وخصصت عشرة ملايين دولار مكافأة لمن يدلي بمعلومات عن مكان وجوده. ومن جانبها، أشارت صحيفة "واشنطن تايمز" الأميركية إلى أن البغدادي دعا المسلمين إلى طاعته، وأنه خطب فيهم الجمعة الماضية بمسجد في مدينة الموصل شمالي العراق، وقال لهم :"ولّيت عليكم ولست بخيركم ولا أفضل منكم، أطيعوني ما أطعت الله فيكم فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم". وكان الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين برئاسة الشيخ يوسف القرضاوي أكد أن إعلان تنظيم الدولة الإسلامية, الذي سيطر على مناطق واسعة من العراقوسوريا إقامة "الخلافة"، هو "باطل شرعا ولا يخدم المشروع الإسلامي". وقال بيان للاتحاد في 5 يوليو :"نتمنى أن تقوم الخلافة اليوم قبل غد على منهاج النبوة والشورى، لكن الخطوة التي اتخذها تنظيم الدولة تترتب عليها آثار خطيرة على أهل السنة في العراق والثورة في سوريا". وأضاف الاتحاد أن إعلان تنظيم الدولة عما سماها الخلافة الإسلامية ما هو إلا افتقار لفقه الواقع وأشبه بالانقضاض على ثورة الشعب التي يشارك فيها أهل السنة بكل قواهم، من العشائر والفصائل المتنوعة من مناطق عديدة في العراق. وتابع أن إعلان "خلافة إسلامية" وتنصيب من أطلقوا عليه "خليفة المسلمين" مطالبين المسلمين في العالم بمبايعته والانصياع لأوامره، كل ذلك من الأمور التي يراها الاتحاد بلا أي معايير شرعية ولا واقعية، وضرره أكثر من نفعه. وشدد الاتحاد على أنه لا يمكن قبول إبطال شرعية جميع التنظيمات الإسلامية على الساحة العالمية لمجرد إعلان من طرف واحد لما أطلقوا عليها الخلافة والخليفة، ووسط غياب كامل للأمة، الأمر الذي يعتبر مرفوضا بشكل كلي. كما أكد بيان الاتحاد أن ربط مفهوم الخلافة الإسلامية بتنظيم بعينه اشتهر بين الناس بالتشدد، والصورة الذهنية عنه سلبية حتى بين أبناء الأمة الإسلامية أنفسهم، لا يخدم المشروع الإسلامي أبدا. ويجمع كثيرون أن إعلان "تنظيم الدولة" عن إقامة "دولة الخلافة"، لا يؤثر فقط بالسلب على الثورة السورية و"انتفاضة السنة" في العراق, وإنما هو أيضا ضد الواقع والمنطق, بل وتساءل البعض عن مقومات بقاء هذه الدولة وتوسعها، خاصة في ظل رفضها من قبل العالم, وعدم التعامل معها, ومحاربتها.