تباينت ردود الفعل إزاء إعلان تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "الخلافة"، حيث يرى البعض أن الأمر مجرد "فرقعة دعائية", فيما ذهب البعض الآخر إلى التحذير من التداعيات الكارثية لهذا التطور, سواء على استقرار العالم الإسلامي, أو على "انتفاضة السنة" في شمال ووسط وغرب العراق. وكتب باتريك كوكبرن في مقاله بصحيفة "الإندبندنت" البريطانية في 2 يوليو أن الخطوة التي اتخذها زعيم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام أبو بكر البغدادي بتنصيب نفسه خليفة لدولة إسلامية جديدة، من شأنها أن تزعزع الاستقرار في العالم الإسلامي, بناء على ما قاله المتحدث باسم التنظيم أبو محمد العدناني بأن "مشروعية كل الإمارات والجماعات والدول والمنظمات تصبح لاغية بتوسيع سلطة الخلافة, ووصول قواتها لهذه المناطق". وتابع الكاتب أن هذا ليس معناه أن كل "المتطرفين الإسلاميين" سينهضون لاتباع الخليفة الجديد، ولكن رسالة العدناني ستجذب الكثير من الأتباع وستجبر الجماعات الجهادية الأخرى على اختيار ما إذا كانت ستتبع الزعيم الجديد. وفيما يتعلق بالعراق، يرى كوكبرن أن إعلان خلافة جديدة تحل محل التي ألغاها مصطفى كمال أتاتورك في تركيا عام 1924 بمثابة "إعلان حرب"، لأن تنظيم "الدولة الإسلامية" مناوئ للشيعة الذين يشكلون نحو 60% من السكان، حسب تقدير الكاتب. وفي تقرير منفصل, أشارت الصحيفة ذاتها إلى أن إعلان تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" إقامة الخلافة, رغم أنه في نظر البعض لا يزيد عن كونه مجرد فرقعة دعائية, يحمل أهمية كبيرة للجهاديين الملتزمين، ولديه القدرة على تشكيل مستقبل ما وصفتها "بالحركة الجهادية العالمية". وأشارت الصحيفة إلى أن أهمية كون تنظيم الدولة الإسلامية أول جماعة جهادية تعلن إقامة خلافة أمر في غاية الأهمية لأنها أعلنت نفسها بالفعل الفائز في السباق العالمي بين الجماعات الجهادية والإسلامية، وقال إن هذا يشكل معضلة حقيقية لتنظيم القاعدة الذي يعتبر نفسه على نطاق واسع زعيم الجهاد العالمي. وبدورها, أكدت هيئة علماء المسلمين "السنة" في العراق أن "إعلان أي جهة قيام دولة أو إمارة إسلامية أو غير إسلامية في ظل هذه الظروف لا يصب في صالح العراق ووحدته"، ونصحت بالتراجع عن ذلك، موضحة أن الأمر "سيُتخذ ذريعة لتقسيم البلد وإلحاق الأذى بالناس". وأضافت الهيئة في بيان لها في 2 يوليو أن "هذه الخلافة قد أُعلنت في مناطق ما زال القتال مستمرا فيها"، مبينة أن "القائمين عليها في المناطق الآمنة منها عاجزون عن توفير الحدود الدنيا من وسائل العيش لأهلها". وأكدت الهيئة أن "هذه الحالة غير ملزِمة شرعا لأحد"، كما نصحت بالتراجع عن هذا الإعلان "خدمة للثورة والثوار ومراعاة لمصالح العباد والبلاد"، على حد تعبير البيان. ومن جهته، أعلن ما يعرف ب"جيش العزة والكرامة" في العراق في بيان أن "السُّنة في البلاد انتفضوا على الحكومة، و"فتحوا مدنهم بوقت قياسي أدهش العالم"، لكن المفاجأة كانت في إعلان تنظيم الدولة الإسلامية ما اعتبره الخلافة "من غير استحقاق". وأضاف أن عدم ذكر العاصمة العراقيةبغداد في بيان تنظيم الدولة "يثير الشك والريبة"، ويفهم منه أن التنظيم قد تخلى عن بغداد في المعركة، وأنه بات يهدد الفصائل الأخرى بالقتل إن لم تبايع، وهو ما سيؤدي إلى وأد الثورة في البلد والحفاظ على "جيش نوري المالكي"، على حد تعبيره. ونقلت وكالة "رويترز" عن بيان "جيش العزة والكرامة" القول :"إنه وبعد الرجوع إلى أهل الفقه والإفتاء، فإن هذه البيعة غير ملزمة وغير منعقدة ولا تتوفر فيها القاعدة والأرضية المناسبة". وكان تنظيم الدولة الإسلامية أعلن في 29 يونيو قيام ما وصفها ب"الخلافة الإسلامية"، ونصب أبو بكر البغدادي "إماما وخليفة للمسلمين في كل مكان"، ودعا ما سمّاها "الفصائل الجهادية" في مختلف أنحاء العالم لمبايعته. كما دعا البغدادي -في تسجيل صوتي بث في مطلع يوليو على الإنترنت- من سماهم "المجاهدين" للهجرة إلى "دولة الخلافة" المعلنة في مناطق بالعراقوسوريا، وحثّ أتباعه على الرفق بالعشائر السُّنية العراقية. وقال البغدادي :"من استطاع من المسلمين أن يهاجر إلى الدولة الإسلامية فليفعل"، مضيفا أنه "بات اليوم للمسلمين دولة وخلافة". وتابع أن الهجرة إلى "دولة الخلافة" باتت "واجبا عينيا" على من يستطيع من المسلمين، وخص بدعوته الفقهاء والعلماء وأصحاب الكفاءات العسكرية والأطباء والمهندسين في كافة المجالات. يذكر أن تنظيم الدولة يسيطر الآن على مدينة الرقة شمال شرقي سوريا وعلى مناطق بحلب، وتمكن مؤخرا من السيطرة على مدينة البوكمال التي تقع قرب الحدود مع العراق، وتبعد 120 كيلومترا عن مدينة دير الزور شرقي سوريا. ويخوض مسلحو العشائر السنية في غرب ووسط وشمال العراق-الذين تقودهم المجالس العسكرية إلى جانب تنظيم الدولة - معارك واسعة منذ 10 يونيو الماضي ضد القوات الحكومية, التي تدعمها ميليشيات شيعية, بما يصفونه ب"معارك تحرير لتخليص البلاد من نظام سياسي طائفي"، ويتهمون حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي بانتهاج سياسة اضطهاد وتمييز ضد "العراقيين السنة". ويؤكد المسلحون أنهم لم يستدعوا تنظيم الدولة للقتال إلى جانبهم ضد القوات الحكومية، لكنهم وجدوه معهم في المواجهات التي بدأت فعليا بعد فض القوات الحكومية بالقوة الاعتصام السلمي في مدينة الرمادي بمحافظة الأنبار غربي العراق في نوفمبر 2013 , قبل أن تمتد المواجهات مباشرة إلى الفلوجة القريبة, وبعد ذلك, وتحديدا منذ 10 يونيو 2014 إلى "مناطق سنية أخرى" في شمال ووسط العراق. وذكر شهود كانوا في مدينة الرمادي عند بدء المعارك في نوفمبر 2013 لقناة "الجزيرة" أن "عشرات السيارات التي ترفع راية تنظيم الدولة دخلت الرمادي آنذاك وهي محملة بالأسلحة والمقاتلين، وبدأت تقاتل إلى جانب "ثوار" العشائر الذين لم يكن لهم في غمرة انشغالهم بالدفاع عن أنفسهم ضد قوات حكومية ضخمة أن يمنعوا هؤلاء المقاتلين أو يخرجوهم من المدينة"، وذلك قبل أن يتكرر الأمر ذاته في الفلوجة بعد أيام قليلة.