طوفت في التاريخ المصري الحديث قراءة وتأملًا فلم يخيب الشعب المصري أملي ابدًا، ولم أجده إنخدع يومًا عن حقيقة أمره وأمر حكامه – اللهم إلا مرتين، الأولى تحت تأثير الآلة الإعلامية الجبارة حين ظن أن قاب قوسين أو أدنى من إكتساح إسرائيل في عام 1967 ثم أفاق على كارثة الهزيمة، فأنكسر نفسيًا وإلى الآن من آثارها شيئ، والثانية أنه ظل إلى حرب أكتوبر 1973 لا يقيم للسادات قدره وذلك تحت تأثير كاريزما عبد الناصر – بإستثناء هاتين المرتين لم يخدع الشعب المصري في العصر الحديث مطلقًا عن حقيقة أحد من الناس أو أمر من الأمور مهما كانت أساليب التضليل والتمويه وقنابل الدخان. قد يقمع الشعب المصري، وقد قمع كثيرًا وطويلًا، لكنه منذ أن أضاء الله بصيرته بنور الإسلام لم يخدع، ولقد حاول الكثيرون وظنوا أنهم نجحوا في خداع الشعب فأثبت لهم أنهم لم يخدعوه وإنما كانوا يخادعونه وهو خادعهم، أولهم نابليون الذي إدعى أن مسلم وانه محب لله ورسوله وانه صديق للخليفة وأنه ما أتى إلا لحرب المماليك، ولبس لبوس المسلمين وحضر موالدهم وظن أنه قد خدعهم فإذا بالشعب المصري يثور عليه بعد ثلاثة أشهر فقط ويطارد حاميته في شوارع القاهرة، وأمتدت المقاومة لتشمل مصر كلها. ثم أيد الشعب المصري زعماء الحركة الوطنية واحدًا وراء الآخر، من عرابي إلى مصطفى كامل إلى سعد زغلول إلى مصطفى النحاس، ولم يسمع فيهم لقول واش أو حاقد، ورد عنهم مطاعن الإستعمار وغيره من القوى المضادة، ولما ظن عبد الناصر أن حب الناس له قد خدعهم عن حقيقة النحاس باشا وانهم قد إستسلموا لدعاياته السوداء ضد الرجل وضد عهد ما قبل الثورة إذا به يفيق يوم جنازة النحاس على طوفان من المشاعر والبشر يسيرون في جنازته، لقد أحب الناس عبد الناصر ولكنهم لم يخدعوا عن إحترامهم وحبهم للنحاس ولمحمد نجيب ولم يسمعوا فيهم قول عبد الناصر وآلته الدعائية. والشعب هو أذكي قوة في الطيف السياسي المصري، هو الذي قاد عبد الناصر نحو القومية العربية، وهو الذي رفض التنحي ووجه خطاه بعد 1967، وهو الذي رفض التطبيع بعد إتفاقية السلام، وهو الذي يميز الغث من السمين من رجالات الحكم، فأشاد بالجنزوري وأدان عاطف عبيد ونظيف، فالشعب له حاسة لا تكاد تخطئ . ومهما أرتدى القوم من ثياب الخداع ووجوه المكر تجد الشعب كاشفًا لهم، فاضحًا لحقيقتهم، ولعل أصرخ مثالين على هذا هو الدكتور زكريا عزمي والدكتور مصطفى الفقي. أما الأول فعاش في دور المعارضة داخل أروقة الحكم، ورغم أن الجميع كان يعرف أنه رجل الرئيس الواسع النفوذ وأحد أعمدة الحكم الفاسد إلا أنه لعب تحت قبة البرلمان دور المحارب للفساد !!، وأشتهرت عنه قولته المشهورة في فساد المحليات أن (الفساد وصل للركب). وأخذها عنه الناس وتناقلوها، وصدقوا على قولته أن فساد المحليات وصل للركب، فظن الرجل أنه قد خدع الشعب عن حقيقته، وأن الشعب يراه محاربًا للفساد لمجرد أنه تناقل قولته، فلما قامت الثورة إذا بالناس في ميدان التحرير تهتف بسقوط زكريا عزمي في أول ما تهتف، لم يفهم زكريا عزمي أن الشعب إذ قبل جملته أن الفساد وصل في المحليات للركب فإنه كان يعرف أن فساده وفساد مبارك وبطانته قد وصل للأذقان !!، بل لقمم الرؤوس، وانه أغرق البلاد والعباد، يوم أن دخل زكريا عزمي سيارة الترحيلات وأخذ الناس يجرون خلف السيارة ينادون عليه باللص والسارق، لعل لحظتها أدرك أنه كل تلك السنوات لم يخدع الشعب، لقد كان فقط يخادع، لكن الشعب كان يخدعه عندما إنتظر اللحظة المناسبة فلما جاءت أورده نتاج عمله. وأما الآخر فرجل أراد كل شيئ، أراد المكانة والمنصب والنفوذ والمال، دون أن يفقد واحدة منها للأخرى، أراد أن يكون المفكر السفير عضو مجلس الشعب العضو النافذ في الحزب الحاكم !!!، وقطع في ذلك أشواطًا كثيرة، حتى إذا وضع أمام الإختيار بين أن يكون عضوًا لمجلس الشعب بالتزوير أو أن يحترم نفسه وفكره وتاريخه ويربأ عن هذه الخيانة للوطن والشعب إذا به يفضل الكرسي على الفكر، والمنصب على الشعب، لكنه طوال الوقت يحاول الحفاظ على الكلمات المنمقة والمظهر البراق، وظل على هذا حتى إذا قامت الثورة فإذا بالشعب يواجهه بحقيقته، ولما رشحته الحكومة – في خطأ فادح – لمنصب أمين عام الجامعة العربية إذا بالشعب يثبت للمرة الألف أنه أذكي من حكومته، وإذا به يهاجمه في المنتديات وعبر الإنتر نت وفي التظاهرات وعبر مقالات الصحف ويكون من الرأي العام ما نجح في إسقاطه في النهاية، وما كانت قطر ولا غير قطر لتتقدم بمرشح لولا أن المرشح المصري لم يكن يحظى أصلًا بقبول شعبي في بلاده، فالشعب المصري هو الذي اسقط مصطفى الفقي وليس قطر ولا السودان....إنه الشعب الذي خادعوه طويلًا فإذا هو خادعهم........... ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله. [email protected]