على الرغم من أنه لم يصدره بيانًا ينعي فيه وفاة المفكر الإسلامي محمد قطب، قبل شهر ونصف، إلا أن الدكتور ياسر برهامي، نائب رئيس "الدعوة السلفية" تذكره أخيرًا، لا ليثني على كتاباته ومؤلفاته التي كان لها دور كبير في مواجهة الفكر العلماني، ولكن ليحمله مسئولية انتشار الفكر التكفيري بين قطاع من السلفيين. ففي الوقت الذي قال فيه برهامي عن الأخ الشقيق لسيد قطب، الذي أعدمه نظام الرئيس الراحل جمال عبدالناصر في منتصف الستينات، إنه "كانت له كتابات جيدة في الرد على التغريب والعلمانية"، إلا أنه عدد بعض المآخذ على كتابات المفكر الراحل. وأضاف أنه "كان له أثر كبير في نشر الفكر القطبي، وفكرة التوقف في الطبقة المتميعة -على حسب تعبيره- في المجتمع الجاهلي الذي وإن لم يلزم -عنده- تكفير أفراده؛ إلا أنه مصطلح أقرب إلى "دار الكفر"، وهذا تسرب إلى طوائف كثيرة حتى مَن تَعلَّم في "بيئة سلفية"؛ مما أدى إلى انقسام داخل المنتسبين للسلفية". وتابع برهامي: "فلابد مِن الحذر من الأفكار المنحرفة "وإن انتفعنا بالكتابات الجيدة"، ولا يتم ذلك إلا بضبط مسائل العقيدة "خاصة مسائل الإيمان والكفر" على مذهب أهل السنة والجماعة" وفق قوله. وكان برهامي يرد على سؤال عبر موقع "أنا السلفي" من سائل يطلب منه التعليق حول أن "أحد الأخوة" كتب على صفحته معلقًا على وفاة قطب "إن صح الخبر فالحمد لله، ورحمه الله". وأضاف: "بعد استنكار واستفهام من البعض برر ذلك بقوله: "ربنا يرحمه كان رأسًا أو سببًا في انتشار بدعة الفكر القطبي، وترويج بعض مسائله". فالحمد لله، نسأل الله أن تنتهي، وربنا يرحمه ويرحم كل أموات المسلمين". وتوفي محمد قطب في أوائل الشهر الماضي في جدة بالسعودية حيث عاش فيها منذ لجأ ومعه مجموعة من رموز التيار الإخواني المؤيدين لفكر سيد قطب والمتتلمذين على يديه إلى المملكة، بعد أعوام طويلة قضوها في الصدام مع حكم الضباط الأحرار في مصر، أدت بهم إلى السجن وانتهت بإعدام سيد قطب وانتقال شقيقه محمد قطب مع ثلة من رفاقه إلى المملكة، التي فتحت الأبواب للفارين آنذاك من الإخوان، ليقضي الراحل بقية عمره فيها (حوالى نصف قرن) معلمًا وداعية ومحاضرًا ومشرفاً على الأقسام والأطروحات العلمية والمناهج الدينية في المملكة، حتى تقدمت به السن وعانى من المرض إلى أن أدركته الوفاة عن عمر يناهز ال95 عامًا. وزخرت حياة قطب بعدد كبير من المؤلفات في مجال الفكر والدعوة الإسلامية، كان من بينها: "الإنسان بين المادية والإسلام"، و"جاهلية القرن العشرين"، و"واقعنا المعاصر"، و"منهج التربية الإسلامية"، و"حول تطبيق الشريعة". ويعد قطب في نظر كثير من الباحثين الإسلاميين من التيار الصحوي وغيره، علامة فكرية بارزة وصاحب مؤلفات مهمة. ربما يرجع ذلك إلى عنايته بجانب الربط بين مضامين الدين والواقع المعاصر، لكن مما انتقده به خصومه من الإسلاميين المنتمين إلى بعض التيارات السلفية أنه كان يسعى بطريقة هادئة إلى التنظير لمدرسة إسلامية ذات طابع حركي. بيد أن مناصريه ينفون ذلك، ويرون أن محمد قطب كان من أبرز المفكرين الذين نبهوا باكرًا إلى خطر الصدام مع الأنظمة السياسية في العالم العربي، وأنه كان يرى تأجيل مرحلة المواجهة في قضايا الحكم وتحكيم ما أنزل الله إلى أن تتم تربية المجتمعات على الفكر الإسلامي، مستدلاً على ذلك بقوله تعالى: "وكذلك نفصّل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين".