اقتنعت دائما بأن كرة القدم هى مجرد وجه آخر من وجوه السياسة أو الاقتصاد أو المجتمع.. وأنها أمر إنسانى مهم وضرورى جدا سواء للناس الذين يقعون فى غرامها، أو لمن يحكم الناس ويدير شؤونهم وشجونهم.. لا أقصد اهتماما بالشكل الخطأ الذى عاشته مصر قبل الثورة، بعدما فقد الناس الأمل والثقة فى كل شىء فاختاروا الكرة بديلا حتى عن الوطن.. وحيث القادة والمسؤولون قرروا استنزاف الوطن واستخدام أى شىء لذلك حتى الكرة.. وإنما أقصداهتمام يجعلنى أفتش عن الرؤية الصحيحة للكرة سواء عند كثيرين بدأوا تأسيس أحزاب سياسية أو آخرين أعلنوا رغبتهم فى خوض سباق انتخابات الرئاسة.. وليس يعنينى أن يقول لى أحد هؤلاء إنه يشجع الأهلى أو الزمالك أو إنه يحب الكرة.. أو يعلن أى حزب جديد اهتمامه بالكرة على طريقة أمانة سياسات الحزب الوطنى التى تم اختصارها فى مرافقة المنتخب القومى فى رحلاته وبطولاته.. أو التدقيق فى أبناء المرشحين للرئاسة خوفا من تكرار تجربة جمال وعلاء.. فكل هذا أراه تبسيطا ساذجا ومعتادا وشائعا للعلاقة بين السياسة والكرة.. وإنما يعنينى شىء آخر تماما.. وهناك تجارب عالمية كثيرة حولنا يمكن الالتفات إليها واستيعابها ويجوز أيضا تكرارها فى مصر.. مثل كأس العالم للمشردين.. حين التقى الصحفيان النمساوى هارالد شميدت، والإسكتلندى ميل يونج على هامش مؤتمر دولى عن المشردين فى العالم استضافته جنوب أفريقيا عام 2001.. وهناك اتفق الاثنان على تنظيم كأس عالم لكرة القدم للمشردين.. كانت الفكرة ولاتزال شديدة النبل والعمق معا.. فمعنى أن ينال الطفل المتشرد حق لعب كرة القدم أنه قد تم توفير أساسيات الحياة له أولا.. سقف البيت والتعليم والطعام والرعاية والثياب التى يستر بها جسده العارى وعورات زماننا وحكوماتنا.. وقد نجحت الفكرة وكنت لحسن الحظ أحد متابعيها منذ بدايتها.. وقالت لى كات بايلز، مديرة إعلام المؤسسة وواحدة من المسؤولين عنها، إن كرة القدم بهذه الفكرة نجحت فى توفير بيوت وكساء وتعليم ودواء للأطفال المشردين الفقراء فى أكثر من ثمان وأربعين دولة.. وبعدما أصبح صديقا عزيزا أعتز به وبالحوار الدائم معه قال لى أدولف أوجى، الرئيس السويسرى السابق والمستشار الرياضى السابق أيضا للأمم المتحدة، ونحن على مائدة عشاء أثناء قمة الرياضة العالمية فوق قمة جبل ماجلينجن فى سويسرا، إنه كان يصطدم طول الوقت بسخرية الرؤساء والحكومات حين يحدثهم عن الكرة وهم يعيشون واقعا يفيض بأزمات الفقر والجوع والمرض والفساد والمخدرات.. ولولا تشجيع وحماسة السكرتير السابق للأمم المتحدة كوفى أنان للرياضة ما كان الرئيس السويسرى قد استمر فى محاولاته التى كان من أبرزها نجاح كرة القدم فى مقاومة إدمان المخدرات والاتجار بها فى مدينة ميدلين فى كولومبيا.. وحكيت أنا له عن تجربة صديقتى الرائعة جيل روبينز، المديرة التنفيذية لكرة الشوارع بالولاياتالمتحدة، التى نجحت بالكرة فى تغيير سلوك الأطفال الفقراء والمهمشين، وبصفة خاصة أطفال المهاجرين إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية، ليواصلوا تعليمهم دراسيا وأخلاقيا وألا يخرجوا على أى قانون جنائى أو أخلاقى.. ونجحت «جيل» بهذه التجربة فى 75 مدينة أمريكية.. ولاأزال أذكر أنه يومها على مائدة العشاء نفسها كان يجلس بلاتر، رئيس الفيفا، يصغى بحرص واهتمام.. وبالمصادفة التقيت بعد تلك الليلة بشهرين جير لونستيد، مدير أكاديمية نوبل للسلام، فى مكتبه فى مدينة أوسلو.. وقال لى لونستيد إن «بلاتر» جمع كل حكايات الكرة سياسيا واجتماعيا وإنسانيا واتصل به يريد الفوز بجائزة نوبل للسلام.. لكن لونستيد أكد لى أن «بلاتر» أبدا لن يفوز بها.. ولا كرة القدم أيضا.. لأن الكرة فى حقيقة الأمر لا تفعل شيئا.. لكنها تفتح فقط الأبواب أمام كل من يريد أن يفعل ويبنى لا أن يتاجر بالناس وهواهم الكروى.. وهى رؤية أتمنى أن أراها قريبا جدا فى مصر بعد الثورة. ياسر ايوب المصري اليوم
