المشير عبد الفتاح السيسي بات على رأس السلطة "رسميا"، أو قل توج مسيرته التي بدأت في 3 يوليو 2013. غالبية المراقبين يرون أن الانتخابات الرئاسية القادمة تحصيل حاصل، وتراجع الأمل في انتخابات نزيهة بشكل، جعلها أقرب إلى "الاستفتاء"، والكل يعتقد بأن المقعد الرئاسي في "جيب" المشير منذ ثمانية أشهر مضت. ولأني اعتقد بأنه ليس ثمة يقين في السياسة، وأن "الغيب السياسي" عادة ما يكون مكتظا بالمفاجآت، فإن الإيمان بالسيسي "رئيسا لا شريك" له، يظل تحت رحمة المفاجآت وربما تأتي السفن بما لا يشتهي من راهنوا على هذه الافتراضية منذ اليوم الأول من تولي الجيش حكم البلاد. لقد خلف اعلانه الترشح من على منصة التليفزيون الرسمي، غضبا وانتقادات بعضها صريح والبعض الآخر "مكتوم" أو متداول خلف الأبواب المغلقة.. واعتبرت تقليدا للسلطوية الميري الموروثة منذ انقلاب يوليو 1952، عندما يعلن الرئيس القادم من المؤسسة العسكرية عن خوضه الانتخابات الرئاسية، وهو لا يزال يقبض على كل أدوات الدولة، ولا يجرؤ أي مسؤول في جهازها الإداري والأمني، إلا أن يكون طوع أمره. صحيح أن المشير حتى قبيل ظهوره الأخير على التليفزيون الرسمي، كان نائبا لرئيس الوزراء ووزيرا للدفاع، غير أنه كان من الواجب أن يفرق بين منصبه الرسمي ، واعلانه الترشح.. في الأولي كان يكفي تقدمه باستقالته، والاعلان عنها بطبيعة الحال، في وسائل الإعلام الرسمية والخاصة، غير أن اعلانه للترشح كان ينبغي أن يكون عبر أية وسسيلة مستقلة عن الإعلام الرسمي، في مؤتمر صحفي مثلا في أية مؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني أو غيرها. لقد فهم مخاطبة الرأي العام، عبر التليفزيون المصري، بأنه إشارة إلى أنه مرشح "مؤسسة الدولة" وسيكون مسنودا من كل أجهزتها وأدواتها الباطشة.. صحيح أن قطاعا كبيرا يرى كما قلت بأن الانتخابات تحصيل حاصل، إلا أن ثمة أخطاء قد تعزز من فكرة "المفاجآت".. والرأي العام الذي كان في غالبيته تحت تأثير وهج "الزعيم المنقذ" بعد 3يوليو مباشرة، تبدو عليه الآن، علامات "الاستفزاز" من الضغوط اليومية التي تمارس عليه اقتصاديا وأمنيا واجتماعيا، حتى أنه لم يعد قادرا على التنقل بسهول في شوارع المدن، بسبب تحولها إلى ثكنات عسكرية، معوقة لحركة مرور السيارات، ناهيك عن الانتهاكات اليومية غير المسبوقة لحقوق الإنسان المصري. الحفلات الليلية والنهارية المسرفة والمغالية في الاحتفال بنبأ ترشح السيسي، كانت أيضا مستفزة إلى حد بعيد، وقد تؤدي بالتراكم إلى تآكل ما تبقى من شعبية يراهن عليها في رسم صورة للانتخابات أقرب إلى صورة الاستفتاء على دستور 2014. استنادا إلى ما نراه من "مقدمات" فإن النتائج معروفة.. وإذا استبعدنا وجود أية مفاحآت كبيرة ومفصلية قد تغير من اتجاهات الرأي العام، فإن فوز السيسي بالمنصب الرئاسي لم يعد محل جدل كبير.. ولكن إذا فاز محمولا على أكتاف هذا التزلف الرسمي والخاص واسع النطاق، والمنفلت من أية معايير أخلاقية أو قانونية أو مهنية.. فإن السيسي سيفوز بشرعية "مجروحة" لا يمكنه الاعتماد عليها في اقناع المجتمع الدولي على أن يعترف بها، ويعيد تطبيع علاقات مصر مع عواصم القوة وصناعة القرارات الدولية الكبيرة. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.