قد يكون من الخيال تخلى أي فريق من أطراف النزاع في مصر عن هدفه في السلطة سواء بوصول السيسي لسدة الحكم أو بعودة مرسي مرة ثانية، وقد يكون من غير المنطقي لدى المواطن البسيط استبعاد فكرة المصالحة للخروج من الأزمة الحالية، كما قد لا تجد سعة صدر من التيارات الثورية إذا طالبتهم بالتراجع عن دعواتهم لإطلاق ثورة جديدة، لكن في حقيقة الأمر الجميع مدعو للتفكير خارج إطار الحلول الأربعة لهذه الأسباب :
* أولاً - وصول المشير السيسي للسلطة لن يخرج الحالة الاقتصادية والسياسية المحتقنة في البلاد من كبوتها وستظل دائرة العنف كما هي كونه جزءا رئيسا في الصراع السياسي، وهو ما قد يزيد الأوضاع سوءا في ظل تواصل الاعتماد على الحلول الأمنية، وتفاقم الأوضاع المعيشية على خلفية ارتفاع الأسعار، إلى جانب المؤشرات الاقتصادية المتدهورة التي تؤكد ارتفاع نسبة البطالة، وانهيار قطاع السياحة، وندرة فرص الاستثمار، وعدم قدرة الدولة على إيجاد حلول لمشكلة انقطاع الكهرباء المرشحة للتفاقم في الصيف المقبل، فضلا عن تزايد الاضرابات لدى قطاعات مختلفة في الدولة. في وقت تتلقى الحكومة رسائل متواصلة من السعودية والإمارات مفادها أن الدعم المالي لن يستمر وأن مصر لابد أن تعتمد على نفسها، وهو ما انعكس في دعوة السيسي مؤخرا إلى الشعب بالتقشف، وسط حالة انتقاد واسعة خاصة من الطبقات الفقيرة التي تعيش بالفعل حالة تقشف، وهو ما ينذر باستمرار الأوضاع على حالها إذا تولى السيسي الرئاسة.
* ثانياً - عودة الرئيس السابق محمد مرسي إلى الحكم مرة ثانية كانت المطلب الرئيس لتحالف دعم الشرعية لكنها في نفس الوقت لم تعد الدافع الأساسي للمتظاهرين من شباب الإخوان الذين يحملون قادة الجماعة بما فيهم مرسي مسؤولية ما وصلت إليه الأوضاع بسبب عدم الاستماع إلى نصائح مستشاريه بعد توليه الحكم، وتجاهل النصائح التي حذرته قبل 30 يونيو من احتمال عزله عن السلطة، وكلها أمور أفقدت كثيرا من شباب الإخوان الثقة في رؤية قادتهم وتقديرهم للأمور، الأمر الذي حول مسار التحالف من الدفاع عن شرعية مرسي، إلى الترويج مؤخرا على لسان بعضهم لفكرة عودته فقط لتفويض صلاحياته ثم الاستقالة. في الوقت نفسه لا تزال فكرة عودة مرسي للسلطة محل رفض من جانب القوى الثورية الشبابية التي تتهمه بإضاعة ثورة 25 يناير، وأيضا من جانب قطاعات من الشارع لا تزال ترى فيه "إرهابيا" وفقا للاتهامات الموجهة له حاليا من جانب السلطات، والخطاب الإعلامي المكثف ضده وضد جماعة الإخوان، وهو ما يعني أن رجوعه للسلطة لن يساهم في تقليل حالة الاحتقان والاستقطاب التي تعززت خلال العامين الماضيين.
* ثالثاً - دعوات المصالحة تزايدت في الفترة الأخيرة على لسان العديد من الشخصيات العامة، لكنها تبدو غير واقعية على الأرض لأن قرار التفاوض لم يعد في أيدي قادة الإخوان الذين يخشون الاصطدام بشباب الجماعة الذين انتقدوا سابقا اعتمادهم على مبدأ الحلول الوسط في معالجة الأزمات التي تفاقمت لاحقا. كما أن القوى الداعمة لفكرة ترشح السيسي، ومن بينها أعضاء الحزب الوطني المنحل، ومالكو الصحف والقنوات الفضائية يشنون حملات يومية لرفض فكرة الاستجابة لأي وساطة بين السيسي والإخوان، وهو ما يجعل إنجاز أي مصالحة بين الطرفين شبه مستحيلة، وحتى إذا حدثت ستكون مؤقتة وستؤسس فقط لتقاسم السلطة ولحرب باردة بين الطرفين لا تنجز استقرارا حقيقيا راسخا على أرض الواقع.
* رابعا - النداءات إلى إطلاق ثورة جديدة كانت هي السمة الأساسية لتحركات القوى الثورية في الآونة الأخيرة، غير أن إحياء ثورة 25 يناير في ذكراها الثالثة والاعتصام في الميادين والشوارع اصطدم بحلول أمنية أعنف، وحملة اعتقالات واسعة، وهو ما جعل إقامة أي اعتصام يمهد لثورة أقرب إلى الانتحار منه إلى الحسم، في وقت اختفى عنصر المفاجأة الذي أربك الشرطة في ثورة 25 يناير، حيث تتحرك قوات الأمن حاليا وفق استراتيجية معدة سلفاً، ومدعومة من وسائل الإعلام الحكومية والخاصة، وبدفعة قوية في ظهرها من الجيش الذي يمكنه التدخل سريعا في حالة انهيار الشرطة لفض أي حشد، وهو أمر يجعل نجاح أي ثورة جديدة لا يتم إلا بانهيار الجيش والشرطة معا، أي سقوط الدولة بمفهومها الأمني الشامل.
وعلى ضوء النقاط الأربعة سالفة الذكر، لا يمكن لأي طرف في هذا الصراع مواصلة الحشد في الاتجاه الذي يراه فقط لأنه باختصار سيقوده في النهاية إلى الاصطدام بواقع تم صناعته بأخطاء جيل متحجر لم يبق أمامه فرصة سوى الاعتراف بأخطائه، ورحيله الكامل عن الساحة السياسية طوعا لصالح حكم مدني ديمقراطي يقوده الشباب، بدلا من مواصلة سيناريو التدمير الذاتي من أجل سلطة زائفة لن تدوم على حساب وطن لا يزال يبحث عن لقمة العيش.. فلا تزيدونا فقرا أو تقتلونا جوعا.