المرء مرآة أخيه .. يطلعه على عيوبه من باب الحرص عليه ليصلح من شأنه ويقلع عن سلبياته , ولقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول (رحم الله امرأً أهدى إلي عيوبي ), فكأن العيوب التي يذكرها المرء لأخيه هي بمثابة الهدية الجميلة التي تستحق أن يدعو له بالرحمة جزاءً وفاقاً , ولكننا في هذه الأيام لا نكاد نرى أحداً – إلا من رحم ربي – يقبل النصيحة أو يتسع صدره لنقد الآخرين , فكثير من الناس يغضب لمجرد أن تذكر له بعض المعايب المعدودات , فبالرغم من قلّتها في وسط حسناته إلا أنه يحزن لذكرها وعدّها عليه , وينسى القول المأثور ( كفى بالمرأ حسناً أن تعد معايبه ) ولقد كان عمر بن عبد العزيز يرصد جائزة لمن قدم نصيحة ينتفع منها عامة الناس , لكننا اليوم نشاهد غياب شخصية الناصح الأمين بين الناس لخوف رفض المنصوح للنصيحة أو تلافياً لعقوبة تنتظره أو أن يساء فهمها وبالتالي فإن دور الأخ الرشيد الحكيم قد اختفى وسط صراعات تجاوزت إمكانية قبول النصيحة !! , بل هناك من إذا تكلم بكلمة حق يراها تم اتهامه بأنه عميل أو منافق أو خائن!! وكل هذه أمور لا يصح قبولها خاصةً إذا كان تاريخ المتكلمين ليس فيه شئ من هذا , ومن هنا فإن عنوان مقالي يتجلى بوضوح في أن العيب في المرآة , لأن الأخ الذي عليه واجب التوضيح لإخوانه لا يستطيع أن يقول كل الحقيقة , بل أحياناً يجامل ويوافق الناس على هواهم , وبالتالي لا تظهر صورة الإنسان أمام نفسه على النحو الحقيقي الذي شُرعت من أجله النصيحة فيُعيد تقويم مواقفه وتصرفاته ويرتب أوضاعه الجديدة وفق هذه النصائح الغالية , فنحن مثلاً نشاهد من يثني على الحكومة المؤقتة ويطالبها بمزيد من القرارات المشددة وهو في الحقيقة يضر بمواقفها عند عامة الشعب , فتفقد كل يوم أنصاراً لكون كثير من قراراتها تتعارض مع مصالح قطاعات عديدة , فالشعب المصري يحتاج اليوم إلى من يرأف بحاله ويفتح أمامه أبواب الرزق والخير لا أن يضيف إليه آلاماً فوق آلامه ومعاناةً فوق معاناته . وأيضاً هناك من يثني على مواصلة حالة الاضطراب والتصعيد في الشارع السياسي في حين أن الوصول إلى المصالحة الوطنية هو الواجب المتحتم الآن لكون استمرار حالة النزاع فيها نسف لجهود البناء والتنمية في هذا المجتمع الذي نرجوا له التقدم والرقي , ولا شك أن العدو المتربص بمصر لا يريد لها أي نوع من الاستقرار بل يرغب في وضعها في حالة من التوتر تنموا فيها الصراعات على طريق تقسيم البلاد وانهيار مؤسسات الدولة , وهو مالا يرضاه أحد يحب هذا الوطن . إننا ياسادة بحاجة إلى كثير من المرايا توضع في كثير من المجالات والاتجاهات كي تكشف لنا الحقائق وبالتالي نكون قادرين على اختيار العلاج المناسب والخروج من المأزق بسلام والله المستعان .