ثمة محاولات خبيثة، بعضها معلن وأكثرها يجري التحضير له خلف الأبواب، لإجهاض الثورة والالتفاف على مطالبها، وتفريغها من مضمونها الذي يرمي إلى إحداث تغيير جذري لأوضاع ما قبل 25 يناير، وصولاً إلى إقامة مجتمع ديمقراطي يقوم على العدالة الاجتماعية ويحقق أشواق الحرية. وحين رفعت الثورة بعد ثلاثة أيام تقريبًا من بدايتها، بعدما تأكد لها أن النظام القائم لا يمكن إصلاحه من داخله أو ترقيعه.. شعار: الشعب يريد إسقاط النظام، والشعار الآخر: الشعب يريد إسقاط الرئيس؛ كانت تدرك أنه لا تعارض بين الشعارين ولا انفكاك؛ فهو نظام - مع تجاوز في استخدام كلمة "نظام"!- قام على شخصنة الدولة في شخص واحد هو الرئيس، وفي الوقت نفسه لا تمثل إزاحة الرئيس كل مطالب الثورة؛ لأن الرئيس كان حوله شلة كبيرة بامتداد البلاد من المنتفعين والفاسدين والمرتشين والذين باعوا ضمائرهم وأوطانهم بثمن بخس! ولذلك فإن إزاحة الرئيس ما هي إلا بداية لتحقيق جملة من المطالب، أقلها: إزاحة هذا النظام بأكمله! الآن يجري الالتفاف على مطلب إسقاط النظام بأساليب خبيثة كثيرة، على رأسها رفع شعار: عفا الله عما سلف، وأننا لا نريد نصب محاكم تفتيش، وعلينا أن نبدأ صفحة جديدة، وأن مطالب الثورة قد تحققت بإسقاط الرئيس! لا أيها المخادعون! لا تحسبوا أن سماحة الشعب المصري يمكن أن تكون مطية لأكاذيبكم وتلوّنكم بكل لون مع أي عهد جديد. إن عفو الله سبحانه - وبالتالي عفو الشعب- لا يكون إلا لمن تاب وأناب وأصلح واعترف بذنبه، والأهم: لمن ردَّ الحقوق لأصحابها. أما الاستمرار في نهب المال العام، وإضفاء المشروعية على ما سبق من جرائم بما يشبه غسيل الأموال تحت زعم: عفا الله عما سلف؛ فلا يمكن أن نقبل به، ولا أن يخدعنا مرة أخرى. يجب الضرب بيد من حديد على كل مفسد، سواء كان إفساده اختلاسًا ونهبًا ل"المال" العام، أو كان تزييفًا وخداعًا ل"الوعي" العام. لا مفر إن أردنا الحفاظ على مكتسبات الثورة والاستمرار في تحقيق مطالبها، التي لم يتحقق منها إلا مطلب واحد هو إسقاط الرئيس، لا مفر من أن نواصل هدم ذلك العهد البائس بكل رموز فساده من رجال الأعمال ومسئولي الأمن ومروجي الوهم من الإعلاميين والصحفيين وفلول من يُسمون بالمثقفين. كيف يمكن أن تطل علينا الوجوه القديمة البائسة من جديد بعد تغيير لون وجهها الأسود؟! إنني أخشى وأحذِّر في الوقت نفسه أن تحاول مراكز القوى هذه التي فقدت نفوذها برحيل الرئيس السابق، أن تجمع شتاتها، وتلتف على مطالبنا من جديد بمسميات أخرى! ويجب أن يكون واضحًا لهؤلاء أن الشعب قد شبَّ عن الطوق، وبلغ رشده، ولن تنفع معه حيل الخداع والتمويه.. إن ملفات الفساد السياسي والأمني والإعلامي والاقتصادي يجب أن تفتح، ولا نستثني أحدًا، من الرئيس السابق إلى أقل خفير! وهنا نتساءل: لماذا لم يضم الرئيس السابق وعائلته إلى قائمة المطلوب تجميد أرصدتهم في الخارج؟! هل يملك أحد أن يتسامح في أموال الشعب بينما الفقر ينهش عظام الملايين بعد أن أكل النظام السابق لحمهم؟! هل بوسع أحد أن يتنازل عن دماء الشهداء التي لم تجف بعد؟! وماذا عن المعتقلين السياسيين الذين دفعوا ضريبة غالية من حريتهم وحقوق أبنائهم.. من يعوض هؤلاء؟! وماذا عن رؤساء مجالس إدارات وتحرير الصحف القومية الذين تورطوا في التستر على فضائح النظام السابق وتشويه الثورة؟! إن الشعب هو وحده "سيد قراره"، ولا أحد فوق المساءلة والمحاسبة.. أو هكذا يجب أن يكون..