مصر غضبى .. فلم يتعلم نظامها من الدرس التونسى ، لم تصغ آذانه لقرع أجراس إنذاره ، لم يمكنه إستيعاب أن الأمن ليس أساس الملك وأنه لن يكون أبدا يوما ما كما كتبت من قبل ، لم تتعلم بعض قيادات أمنه الحكمة من رأس الذئب التونسى الطائر ، ولا ذنب لهم بعد أن قدَّر نظامهم أن يحملهم مسئولية الدفاع عن وجوده وعن سياساته الفاشلة ، وأن يدفعوا وحدهم ثمن ما يعانونه كمواطنين من استعلاء واهدار لكرامة الشرفاء واكتناز المليارات وسرقة الوطن والاستحواذ على مقدراته وكل ما من شأنه استفزاز غضبة الجماهير . مصر غضبى .. فقد اختار نظامها الحل الأمنى الذى أثبت التاريخ فشله أو حتى نجاحه الى حين ، بينما كان فى مصلحته أن يمر يوم الغضب بهدوء فى كنف حماية الأمن بدلاً من وضعه فى المواجهة وهو الأب أوالابن أوالأخ ، فكسروا هيبته وحولوه الى هدف وعدو ظاهر يتوارى خلفه أعداء الشعب الحقيقيون ، كان من المفيد أن يصبر النظام كفرصة ، أو حتى كحيلة ، يسعى خلالها لإسترضاء الجماهير الغاضبة بدلاً من قمعها بتلك الوحشية التى لن تثمر شيئا ، الا إنه رفض ! ليس إستكباراً ولا إستعلاءً ولا أخذته العزة بالإثم كعادته كما يظن البعض ! ولكنه رفض مُكرهاً لأنه لم يعد يملك خيارات أخرى فآثر الدفاع عن وجوده ، ليس لديه ما يقدمه حتى لو أراد ، لم يعد بوسعه الاصلاح بعد أن اتسع الخرق على الراتق واستشرى فساده وفساد بطانته وسماسرته وتحولوا الى ورمٍ ضخم وتكتلٍ رهيب حتى بات ولا يوجد رأس لتقطعه ! لم يفهم كهنته مفتاح اللغز .. أن لماذا هتفت الجماهير ضد رأس الدولة مقترنا بالرجل الأوحد فى حزبه دون ذكرٍ لبقية الرموز الأبدية فى أروقة الحكم ، رغم أن أغلب تلك الجماهير لا علاقة له بالسياسة وربما لم يدل بصوته فى أية انتخابات ! مصر غضبى .. فقد اختفى نظامها إلا من الأمن .. لم يخرج مسئول يَعِد أو يُهدِّىء أو يستجدى صبر الناس .. توارى قادة الحزب وأركانه ومنتفعيه .. صمتوا جميعاً صمت القبور .. شغلتهم أمور أخرى أهم ربما على رأسها أين المفر ؟ ومن فتح عليه هواه منهم كرر نفس الحجج الخائبة والمبررات الساذجة المملة عن القلة المندسة والجماعة المحظورة ، ظانأً أن هناك من سيصدقه ! مستلهماً مقولة فرعون ، وكل فرعون ، منذ آلاف السنين ''إن هؤلاء لشرذمة قليلون وإنهم لنا لغائظون'' فكانت نتيجته أن أصم الله تعالى أذنيه وأعمى بصيرته وأخذه سبحانه نكال الآخرة والأولى . مصر غضبى .. فلم ينتبه أولئك أن ما حدث يوم الغضب وما تلاه لا مجال معه لإدعاء كائن من كان قيادته للناس أو تحريكهم ، ومن العبط منح أحدٍ شرف ذلك الاتهام حزباً كان أو جماعة ، فالشارع هو الذى خرج بكل ألوانه وانتمائاته دون قيادات أو توجيهات أو توجهات ودون أيدولوجيات عقيمة مركبة أوكلام فى السياسة أو عنها ، خرج تحت وطأة المناخ السىء بكامل عناصره وأدواته وشخوصه ، ودون حساب لمصيره أو حتفه بعد أن ذُعِرَ ذُعْرُه وأكتفى من الداء أن رأى الموت شافيا ! مصر غضبى .. ولن يأتى الحل ، بعيداً عن المؤسسة العسكرية ، من أدوات النظام أو شخوصه أو تشكيلاته الأمنية ، ولا بالمزيد من القمع وتضييق الحريات ، ولن يأتى بتفعيل مقترحات راكبى الموجة وسارقى الفرح مما يسمى بالمعارضة على تعددها وتنوعها بعد أن أسقطت عفوية خروج الجماهير مصداقية الجميع وأبطلت حجتهم . مصر غضبى .. والحل لإسترضائها ، حسب تصورى ، أن يعى الجميع ، خاصة قيادات الأمن ، أن حاجز الخوف قد تحطم الى الأبد وأن الوضع لن يعود مطلقاً الى ما كان عليه صبيحة يوم الغضب حتى لو هدأت الأمور ، وأن يقتنع رأس الدولة بأن نظامه المهترىء ينهار فيبادر مستدركاً ما فات حفاظاً أمام الله تعالى على أمانة الأمة واستجداءً لهدأة الغاضبين ومنعاً للفوضى التى تلوح نُذُرها فى الأفق خاصة اذا سقط النظام فى ظل إنعدام البديل ، وذلك بالعمل على محورين : أولهما : التخلص السريع من الديدان والطفيليات التى أدمنت إذلال الشعب ومص دمائه وتعمد القضاء على مستقبل أجياله واستعادة ما استولوا عليه من مقدراته ، وأظنه يسمع عنهم ويعرفهم جيداً . ثانيهما : الاعلان فوراً .. قبل الفوضى .. عن جمعية تأسيسية لاعادة صياغة دستور البلاد وتشكيل حكومة انتقالية يرضى عنها الشعب تتولى وضع هيكل مؤسسى لخطط الاصلاح وفقاً لرؤية الجمهور ومتطلباته تقوم بعدها باجراء انتخابات حرة حقيقية تأتى بمن يريده الشعب ويتحمل معه نتيجة اختياره دون وصاية لأحد ، على أن تتشكل الهيئتان من أناس متجردين تثق فيهم الأمة من قادة الفكر والرأى فى البلاد وهمو كُثْرُ ، بشرط وحيد .. ألا تضم أىّ الهيئتين أحداً من رموز الحكم ومنتفعيه أو معارضته ، بمعنى أن تكونا خلواً من جميع "الذين أفسدوا الحياة السياسية قبل الثورة" .. أعنى ثورة الغضب . ضمير مستتر: حاقت بنا الأزمات تترى وانبرت ... فينا الخطوب روائحاً وغواديا جفت أمانينا وكن حوافلاً ... وهوت مطامعنا وكن رواسيا إنا لنضرب في غياهب غمرة ٍ... تتكشف الغمرات وهي كماهيا (أحمد محرم) [email protected]