كثيرا ماكانت نارا ثم أصبحت رمادا.. كما أن دوام الحال من المحال.. أليس كذلك ؟ ! ... إلا أن التحول من حال إلى حال ليس أمرًا قريب المنال.. بل هو مماقد يعجز الأشدّاء من الرجال.. خاصة إذا كان التحول بين حالين على طرفي نقيض ..هكذا علمنا أساتذتنا والمربّون الكبار . فإذا ما تلبّست الرجال ذوي المروءات تحت وطأة الحاجات وعسر الفاقات ، حال من العجز والضيق والقهر (نعوذ بالله من العجز و قهر الرجال )؛ فنفثت فى ظنونهم : دخن اليأس وعتمته؛ فأصبح لا يري من حوله إلا ما انبعث فى داخله؛ فهو لا ريب تحول إلى حال حرجة يُخشى معها على مصيره فى الدنيا والآخرة . تتبدد طاقته النفسية والذهنية والروحية والجسدية دون أمل فى براء أو انتظار شفاء (نسأل الله العافية) ، وتزداد الأمور حرجاً وتعقيداً عندما نعلم من الخبراء والمربين : أن المسئول الأول والأخير عن إنقاذ اليائس أو المبتئس أو المحبط من نفسه هو : البائس أو المبتئس أو المحبط نفسه (( إنَّ الله لا يُغيّر ما بقوم حتى يُغَيّروا مابأنفُسِهمْ )) (11الرعد)؛فتكون المحنة المركبة : إذكيف ينبعث من دخن اليأس وعتمته بصيص الأمل ونوره ؟!كيف يعطى الشيء من يفقده ؟!.. هنا تحديدا تبرز أهم ملكة من الملكات الإنسانية التي منحها رب العزة لخلقه أجمين ، وهى :ملكة الإرادة المستقلة القادرة على الاستنفار الذاتي وتحفيز النفس وحملها حملا على التحول بمشيئة الله وعونه من الظلمات إلى النور ،من القنوت والعجز إلى الأمل والحيوية ، من ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة ، إنه يسير على من استقل وأراد ويسره الله عليه فهو سبحانه : (( يُخْرِجُ الحَىَّ من الميِّتِ ومُخْرِجُ الميِّتَ من الحَىّ ))( 95 الأنفال ) وهو سبحانه القائل : ((...وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ)) ( 5الحج ) .. ((.. وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ.. )) (74البقرة). ((وَآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا..)) (33 يس ) هكذا : تخرج الحياة من الموت ، تنبعث البهجة من الهمود ، تتفجر من الحجارة الأنهار . إنها لجسارة أن يحول المرء في مسابقة ما هزيمته إلى فوز أو في ميدان المعركة إلى نصر.. أما أن يحولها داخل نفسه من كسر إلى جبر ومن هزيمة إلى نصر ومن قنوط ويأس إلى تفاؤل وأمل واستبشار وإسهام فكرى وعملي في صناعة الحياة... هنا ترتقي الجسارة إلى آفاق سماوية شعارها : لا يدرك العظمة إلا عظيم . والمؤمن يستشرف من قدرة الخالق حول المخلوق وقدرته فلا حول ولا قوة إلا بالله.. فبحول الله وقوته وتدبيره جل شأنه تنبعث من روث البهائم جنات خضراء يستطعم ثمارها ويستفيء ظلالها عباده الصالحون والطالحون ، وتضخ إكسير الحياة (الأكسجين ) بحيوية البناء الضوئي ..بالتدبير الإلهي تتحول الجيفة إلى سماد تبعث الورق الأخضر البهيج يضخ الحياة غذاءا وكساءا وبناءا ..بالتدبير الإلهي تتحول الرمم وبقايا الأشجار عبر العصور إلى زيت الحياة .. طاقة تحرك الدنيا بلا انقطاع . الضياء من الرمم ..الغذاء من الجيف ..الحى من الميت .. المنح من المحن ...الفرج من الضيق ..والنصر مع الصبر ..ورياح التغيير خلف صناديق التزوير... ودفن المستبدين في مقابر أفعالهم!! .. هي خبرة العظماء و المُمتَحنين الكبارلم يبخلوا بها علينا :"من أراد أن يكون بطلا فليتحمل الضربات القاسية" ، و"مالم يكسر الظهر يقويه" ,و المحنة هي بيئة المعالي وصناعة الحياة وإلا فهي بيئة االانهزام والانكسار والانسحاق أمام بطش الظالمين والمزورين و الطغاة ..!!. ولقد استقر علماء النفس وخبراء التربية على كون : الهزيمة والنصر ، الأمل واليأس ، القنوط أو الاستبشار : إن هي إلا أفكار في عقول أربابها تشقيهم أو تسعدهم بقدر مايتفاعلون معها ..وأن كل امريء في تعامله مع الله أو نفسه أو الناس..إن هو إلا مترجما لأفكاره عن ربه أو نفسه أو الناس..وكل فكرة متي استقرت أفرخت ..ومتي احتضنت تعدت وتفشت؛ «لأن الأفكار معدية » ..فالتخلي من أفكار اليأس والإحباط والتخذيل قبل أن تنتشر العدوي واجب ..والتحلي بأفكار الاستبشار والأمل في رحمة الله أمر لازم ..ونعوذ بالله من أن يضع أحدنا أو بعضنا حمقه بينه وبين ربه أيا كانت الأسباب فيشترط أويسخط ، ونعوذ بالله أن نبوء بجزاء من سخط أو أن ندخل في زمرة من لم يحسنوا الظن بربهم : ((من كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاء ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ)) (15الحج) ونسأله أن نكون من المستجيبين لنداءه ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ )) (24 الأنفال ) والعالمين بقدرته (( وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ)) (24 الأنفال ) ..فالراشدون يعلمون: أنهم ممتحنون بدنياهم ..والمؤمنون يستعينون بالله ولا يعجزون ويتلمسون وسط الظلمات أسباب الضياء ..وإن من الصبر( مع الحركة ) حيلة ! ..وإن من انتظار الفرج (مع الأخذ بالأسباب ) عبادة ! .. اللهم نسألك باسمك الأعظم الذي إذا دعيت به أجبت وإذا سُألت به أعطيت أن : تعافنا من أفكار اليأس والقنوط الابتئاس فإنها مهلكة ، وأن تلهم قادة الإصلاح والتغيير السعي الرشيد ..وأن تهيء لأمتنا ولمصرنا الحبيبة أمر رشد : يسود فيه أهل الإصلاح والمروءة والرشاد ويزول معه أهل التزوير الفساد والطغيان.. ورب دعاء خرج من قلب مظلوم أو مقهور أو مكسور تفتح له أبواب السماء فيطوي الله لنابه هذه الأيام الحبلى بعجائب المستبدين وبطش الجبارين وفقهاء ومفتين : يغلظون للمنحور ويغضون الطرف عند الناحر !! . الحرية هي الحل . [email protected] www.ashrafawzy.blogspot.com