نتابع إيجاز بعض الخصائص التي ميزت الرسالة المحمدية. السادسة: خيرة الأصحاب لقد خصّ الله سبحانه وتعالى رسوله الكريم بأصحاب لم يخص بهم أحداً من رسله، إذ لم يوجد لرسول أصحاب رحماء بينهم باذلو أنفسهم وأموالهم متعبدون لله ركع سجود، ما وُجد لمحمد (صلى الله عليه وسلم). وقد أثنى الله تعالى عليهم في القرآن الكريم بقوله: }وَالسّابِقُونَ الأَوّلُونَ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالّذِينَ اتّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدّ لَهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الفَوْزُ العَظِيمُ{. وأثنى عليهم الرسول (صلى الله عليه وسلم) وقال: «لا تسبوا أصحابي. لا تسبوا أصحابي. فوالذي نفسي بيدِه لو أن أحدَكم أنفق مثلَ أحدٍ ذهباً، ما أدرك مدّ أحدِهم، ولا نصيفه». هؤلاء الأصحاب قرة عين الدنيا، لم يخذلوا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كما فعل أصحاب موسى (عليه السلام) في أول معركة. أما أصحاب محمد (صلى الله عليه وسلم) فقالوا: لا نقول لك كما قال أصحاب موسى لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون. ولكن نقول لك اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، والله لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد. هؤلاء الأصحاب هم الذين حفظوا لنا القرآن وهم الذين رووا السنن وهم الذين فتحوا الفتوح ونشروا الإسلام. السابعة: تربية إلهية للرسول إن الله عز وجل أعدّ محمداً (صلى الله عليه وسلم) إعداداً خاصاً، إذ إن عَيْن الله تعالى هي التي رعته وهيأته ليحمل الرسالة الخالدة، وعَلّمه الله عز وجل فأحسن تعليمه وأدبه فأحسن تأديبه، وقد مات كل من كان يرعاه لتكون عين الله هي التي ترعاه، ويهيئه الله تعالى ليرعى الغنم ليتعلم منها حسن الرعاية وليعتمد على نفسه بعد الله وعلى كد يمينه. صحيح أنه من عائلة كبيرة ومن أخيار قريش وجده سيد مكة، ولكنه يعمل ويكدح في الحياة وهذا هو الذي علمه الله له، وكان نعم الشاب في حياته لم يُعرف عنه أنه استقوى على أحد ولا شرب الخمر ولا شارك في لهو ولو عرفوا لأشاعوا عنه ذلك، يقول الله عز وجل: }وَإِنّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ{، هذه شهادة لها معناها من ربه الذي خلقه. الثامنة: تميّزه بالأمية فموسى حينما حَدّث قومه قال لهم إن هناك نبياً أمياً سيأتي، كما حدثنا القرآن بذلك، النبي الأمي، لم يقرأ كتاباً ولم يتعلم، أبعده الله عن تعلم القراءة والكتابة حتى لا يُقال إن هذه أشياء تعلمها من كتب النبيين السابقين أو الفلاسفة أو الحكماء من الأمم المختلفة كما قال الله تعالي: }وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلاَ تَخُطّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لاّرْتَابَ المُبْطِلُونَ{، ليتلقى من الله عز وجل تلقيناً خالصاً فالقرآن لا تشوبه شائبة: }وَإِنّكَ لَتُلَقّى القُرْآنَ مِن لّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ{. التاسعة: الله تولى بقاء هذه الأمة إلى يوم القيامة فما دامت هي الرسالة الباقية فمن الحكمة أن تبقى هذه الأمة لتكون حاملة لها إلى العالم، ولذلك ضَمِن الله عز وجل لرسوله ألا يُسلط على هذه الأمة عدواً من غيرها يستبيح بيضتها ويستأصل شأفتها. ومن هنا رأينا عبر التاريخ أن الصليبيين أغاروا على هذه الأمة في حملات تسع من أوروبا، والمسلمون في غاية الضعف والتشرذم والتفرق، وجاء الصليبيون فاكتسحوا البلاد ودبروا المؤامرات أكثر من مئتي سنة ولم يستطيعوا القضاء عليهم. وجاء من بعدهم وفي عهدهم التتار من الشرق، واكتسحوا الممالك دولة بعد دولة، وعلى الرغم من أنهم قتلوا مليونين لم يستطيعوا القضاء على الأمة الإسلامية، حيث هيأ الله تعالى للأمة رجالاً ينفخون فيها الروح ويبدؤون معارك التحرير حتى حرروا الأمة من الفرنجة والتتار. العاشرة: أن الله حفظ الأمة مادياً ومعنوياً أي تبقى حاملة للرسالة، فقد يضل منها من يضل وينحرف من ينحرف، ولكن الأمة في مجموعها لا تجتمع كلها على ضلالة، إذ إن هناك أناساً موكلين من الله تعالى يدافعون عن الحق ويقاومون الباطل كما قال سبحانه وتعالى: }وَمِمّنْ خَلَقْنَا أُمّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ{، فسيظل هناك من يحمل علم النبوة وميراثها، كما جاء في الحديث: «يحمِلُ هذا العِلمَ من كلِّ خلَفٍ عدولُه ينفونَ عنهُ تحريفَ الجاهِلينَ وانتحالَ المبطلينَ وتأويلَ الغالينَ»، وسيظل هذا الدين محمياً من الله بواسطة هؤلاء.