أشرت في الجزء الاول من هذا المقال لاسباب نتائج الانتخابات النصفية في الكونجرس الامريكي والتي اعادت الجمهوريين للسيطرة على مجلس النواب وعدد كبير من مقاعد حكام الولايات علاوة على زيادة مقاعدهم في مجلس الشيوخ. فكيف سيكون تأثير تلك النتيجة التي وصفها الرئيس الامريكي اوباما نفسه في مؤتمره الصحفي صبيحة الانتخابات بانها "كانت علقة ساخنة". تلك النتيجة تعني بلا شك تداعيات عديدة على عدد من القضايا الخارجية عن طريق الأليات التالية: 1- سيطرة الجمهوريين على قيادة لجان مجلس النواب ولعبهم دورا اكبر في لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، ما يعني ان عددا كبيرا من جلسات الاستماع والتحقيقات والاسئلة والاجوبة تتعلق بالشأن العربي والايراني سيتم عقدها بدعوات من الأعضاء ذوي الميول المتشددة والكثير منهم يميل لصالح إسرائيل. 2- سيتمكن الكونجرس الجمهوري من تكثيف الضغوط على ايران تحديدا حيث ان التقارير والجلسات التي ستعقد لدراسة استراتيجية الإدارة تجاه إيران عبر العاميين الماضيين ستكون عاملا مؤثرا على التكتيكات القادمة في العامين القادمين. كما ستعمل تلك الجلسات التحقيقية، من جانب آخر، كآلة تحريضية على ضربات عسكرية تصلح كأداة ترويجية مستقبلية لاية ادارة جمهورية تأتي للبيت الابيض فيما بعد لتأمين موافقات على عملية عسكرية. وهذا هو ما ادركه الباحث الاكاديمي في شئون الشرق الاوسط البروفيسور مارك لينش، المدرس بجامعة جورج واشنطن، الذي كتب على مدونته بعد ظهور نتيجة الانتخابات ان الكونجرس القادم تحت قيادة الجمهوريين "سيصبح منصة للصقور المطالبين بالحرب على إيران". والمعلوم ان سيناريو الحرب على العراق تم بطريقة مشابهة عن طريق استغلال فعاليات مكثفة للكونجرس من جلسات واستجوابات وتقارير في نشر تبريرات الحرب. الا ان هذا التصعيد من الكونجرس لا يعني بالضرورة قيام حرب مماثلة حتمية او حتى شن ضربة عسكرية في الوقت الحالي نتيجة انخراط امريكا في عمليات عسكرية مكلفة في افغانستانوباكستان والعراق وعمليات مراقبة وامداد عسكري في مناطق اخرى حول الشرق الاوسط وهو ما يرهق العسكرية الامريكية المنخرطة في حروب طال امدها بالفعل استنزف فيها الجنود الأمريكيون وقلت من شعبية العمليات العسكرية بين الأمريكيين في الوقت الحالي. 3- سيطرة النائبة الجمهورية المتطرفة ايلينا روس ليتنين، التي تمثل احدى مقاطعات فلوريدا ذات الكثافة السكانية اليهودية، على رئاسة لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب. والمعروف ان النائبة ليتنين أكثر صهيونية في ميولها من بعض اليهود انفسهم نتيجة قربها من دوائر التمويل الصهيونية في امريكا. و ليتنين معروفة بانتقادها الشديد للامم المتحدة ودعمها غير المحدود لإسرائيل علاوة على رغبتها الدائمة في تغيير الانظمة المناوئة لامريكا في ايران وسوريا وكوبا وفنزويلا والصين وكوريا الشمالية. وهذه الاتجاهات التي تمثلها ليتنين اكثر ضراوة من ميول الديمقراطيين الذين يسعون لاستخدام الدبلوماسية كمقدمة للاجراءات العنيفة. هذا وستشكل ليتنين عائقا كبيرا امام اية رغبة في سياسة براجماتية لاية ادارة امريكية حيث من المتوقع ان تقاوم اية ضغوط على رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو لتحقيق التسوية مع السلطة الفلسطينية. ومع ميلها لإسرائيل فانها من المتوقع كذلك ان تعقد جلسات للتحقيق في مبيعات الاسلحة للملكة العربية السعودية التي اعلن عنها مؤخرا. وستسعى ليتنين للحصول على معلومات كثيرة عن هذا الموضوع والذي يشمل اسلحة بقيمة 60 بليون دولار، وهي اكبر صفقة اسلحة في تاريخ الولاياتالمتحدة. وكانت اسرائيل قد ابدت بعض المعارضة على هذه الصفقة. اما عن العراق ودول عربية اخرى فان من المتوقع ان تستخدم النائبة ليتنين ورقة المساعدات الامريكية كمبرر لتطويع سياسات تلك البلاد لواشنطن. 3- سيطرة الجمهوريين على اللجنة الفرعية للارهاب في مجلس النواب وهي احدى اهم الاليات لتمرير العقوبات على معارضي إسرائيل مثل ايران وسوريا. ومن المرشح ان يقودها واحد من ثلاثة كلهم موالون تماما لإسرائيل هم النائب ايد رويس، الذي يمثل احدى دوائر كاليفورنيا،او الجمهوري المتشدد بيتر كنج، الذي يمثل احدى دوائر نيويورك او النائب سبنسر بوكس من ولاية الاباما، وكلهم بالطبع من الجمهوريين. 4- نجاح النائب اليهودي المغالي إيريك كانتور في هذه الانتخابات في فيرجينيا سيجعله يحصل على أعلى منصب لسياسي يهودي داخل الكونجرس، وهي المرتبة الثانية في سلم زعامة الاغلبية في مجلس النواب. وبهذا ستسمر سياسة الاستيطان الاسرائيلية بدون حتى مسرحية الضغوط الامريكية من ادارة اوباما وبتصفيق حاد من الكونجرس. 5- وصول الجمهوريين للسيطرة على مجلس النواب سيعني كذلك اجهاضا كليا لإستراتيجية اوباما الضعيفة اصلا في اجراء مفاوضات مباشرة بين الفلسطنيين والإسرائيليين، مع ميل الجمهوريين لارضاء المتدينين من الكنائس الانجيلية الامريكية صاحبة الدعم غير المحدود لاسرائيل وبالتالي من غير المتوقع وجود اية ضغوط على رئيس حزب الليكود ورئيس الوزراء بنيامين نتانياهو في ظل الكونجرس الجمهوري. بل ان بعض الجمهوريين ذهبوا اثناء الحملة الانتخابية الى المطالبة بضم المساعدات العسكرية لاسرائيل ضمن ميزانية وزارة الدفاع الامريكية، بدلا من ميزانية وزارة الخارجية، لحمايتها من اية ضغوط على إسرائيل واستغلال المعونة في المفاوضات وهو ما طالب به النائب إيريك كانتور نفسه. 6- خروج السيناتور الديمقراطي رس فاينجولد، المعروف بميوله اليسارية، من مجلس الشيوخ وفقدان مقعده في لجنة العلاقات الخارجية حيث كان يعتبر ثالث اقوي ديمقراطي في اللجنة بعد السيناتور جون كيري والسيناتور كريس دود، الذي سيتقاعد لاحقا هو الآخر. وكان فاينجولد من القلائل الذين عارضوا اجندة الرئيس الامريكي السابق جورج بوش العسكرية بعد احداث 11 سبتمبر/ايلول فيما يتعلق بتوسيع ما يسمى بالحرب العالمية على الإرهاب. كما انه طالب مرارا بوضع خطط زمنية سريعة لتقليل القوات الامريكية في العراق وافغانستان. 7- وصول السيناتور الجمهوري جو مانشاين من ولاية ويست فيرجينيا على اساس انتخابي يتبنى معارضة تقليل القوات الامريكية المزمع من افغانستان في أغسطس/آب 2011، وهو الموقف الرائج بين الجمهوريين حتى ان السيناتور المخضرم جون ماكين، الجمهوري الذي نافس اوباما على مقعد الرئاسة في 2008، صرح يوم الاربعاء 3 نوفمبر/تشرين ثان، اي بعد يوم واحد من الانتخابات، ان نتيجة الانتخابات النصفية تعني بالضرورة تأجيل الانسحاب و تقليل القوات في افغانستان. فمن المرجح إذا ان تؤدي سيطرة الجمهوريين الى اطالة امد الوجود العسكري الامريكي في كل من افغانستان والعراق. 8- توقع زيادة الضغوط حتى على الدول المعتدلة مثل مصر والسعودية وباقي دول الخليج مع ميل الكونجرس الجمهوري لاستخدام ورقة الجلسات والتقارير عن إدعاءات اوضاع حقوق الانسان والديمقراطية والمعونة. ويتوقع ان يتم الهجوم على تلك الدول على انها تهادن ايران، في حال عدم تأييدها للمزيد من الضغوط على إيران، من جانب وانها لا تحترم حقوق الانسان ولا مبادئ الديمقراطية. 9- سيشهد الكونجرس صعودا لا لاعضاء الكونجرس الجمهوريين المتشددين وحسب بل ايضا لنشطاء الشرق الاوسط المتشددين تجاه الدول العربية وايران خصوصا من بين مراكز البحث اليمينية المنتشرة في واشنطن. فالمعروف ان من يسيطر على الكونجرس وعلى لجان الشئون المختلفة يحق له دعوة من يشاء في الجلسات لالقاء الشهادات والبيانات امام الكونجرس. وبهذا سيكون للكثير من نشطاء اسرائيل الفرصة في الصعود الإعلامي اثناء تغطية تلك المناقشات. وسيتم اعطائهم تغطية إعلامية كخبراء في المنطقة العربية لتمرير وجهات نظر اكثر تشددا ضد ايران وبعض الدول العربية الاخرى. 10- مع وصول عدد كبير من الجمهوريين لواشنطن سنجد الكثير من التصريحات النارية نتيجة رغبة عدد منهم في الترشح عن الحزب الجمهوري في انتخابات الرئاسة في عام 2012 والمعروف حتى الآن ان الحلبة مفتوحة امام الجميع لاختيار شخص ينافس اوباما في تلك الانتخابات. وسيكون العرب والمسلمين هممن يتلقون تلك التصريحات العنترية. المحصلة النهائية: لكن في المحصلة النهائية للامور وبغض النظر عن التفاصيل الدقيقة التي سيتمكن الجمهوريون من خلالها من الضغط على منطقة العالم العربي فان الاجواء لن تختلف في نوع الضغوط التي تأتي من واشنطن او نوع السياسات الامريكية تحت حكم الديمقراطيين عن حكم الجمهوريين. ولكن الاختلاف سيكون كمي واسلوبي بمعنى ان التغيير سيكون في كم تلك الضغوط وسرعة ملاحقتها للعرب، وفي طريقة تمريرها على العرب لا في نوعها. وعلى الدول العربية التهيؤ للتعامل مع معدل اسرع من التشدد الأمريكي. فاللوبي الإسرائيلي،وهو اكبر كيان مهتم بالشئون العربية والإسلامية، يتمتع باستراتيجية ترتكز على الحفاظ على الدعم لإسرائيل من ناحية، والتحريض على الدول العربية في كثير من الاحيان، سواء كان من يحكم واشنطن من الجمهوريين. حتى ان منظمة "إزرايل بروجكت"، احدى منظمات اللوبي الإسرائيلي في امريكا، اصدرت بيانا بعد الانتخابات مباشرة امتدحت فيه النتائج وتوقعت "استمرار الدعم في الكونجرس" الجمهوري كما كان على مستوياته في الكونجرس الديمقراطي. ومما يؤيد تساوي الحزبين فيما يتعلق بالقضايا العربية إلا في شراسة الأداء، انه وعلى الغرم من فوز اوباما بجائزة نوبل للسلام والتي حازها لرغبته في تقليل النزاعات حول العالم، الا ان امريكا ما زالت منخرطة في ثلاث عمليات عسكرية في العراق وافغانستان وفي باكستان تحت حكم اوباما والديمقراطيين. كما ان مناطق مثل اليمن وافغانستان والعراق والصومال وغيرها شهدت الكثير من العمليات العسكرية الامريكية القاسية المباشرة او غير المباشرة. وتاريخيا فان زعيمة مجلس النواب نانسي بيلوسي وكذلك السيناتور هاري ريد، زعيم الاغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ صوتا معا بالموافقة على كل ميزانية حرب طلبها الرئيس الامريكي الجمهوري السابق جورج بوش بما يشير الى تجذر النزعة العسكرية الأمريكية لدى الحزبين فيما يتعلق بالمنطقة العربية. وهذا ما أيده البروفيسور ديفيد لوبلين، الاستاذ بالجامعة الامريكية في واشنطن، في لقاء له مع الصحفيين الاجانب بعد الانتخابات يوم 4 نوفمبر/تشرين ثان اذ قال :"لا اعتقد ان السياسة الخارجية هي نقطة الخلاف بين الادارة (الديمقراطية) والجمهوريين...إن لامريكا مصالح مستمرة بغض النظر عن الانتماء الحزبي لمن من هو في الحكم". وهكذا تتطابق مواقف الجمهوريين والديمقراطيين في المحصلة النهائية في كثير من مواقف السياسة الخارجية وبخاصة ما يتعلق بها بالمنطقة العربية. عماد مكي: كاتب مصري مقيم بواشنطن والقاهرة عمل بجريدة النيويورك تايمز ووكالة أنباء بلومبرج. حاصل على جائزة التميز الصحفي من جامعة سونوما بولاية كاليفورنيا لعامي 2003 و 2005. ويرأس حاليا تحرير وكالة أنباء أمريكا إن أرابيك بواشنطن. [email protected]