تختلف الاحلام من شخص لاخر فمنا من يحلم بالمال ، ومنا من يحلم بذرية صالحة ، والاخر يحلم بالستر دنيا واخرة ، الناس احلامهم كثيرة.. كبيرة وبسيطة .. ندعو الله ان يحقق للجميع احلامه بما يعود عليه بالخير، ولكنك تدهش عندما تسمع الفلاح المصرى البسيط الذى لا يجد قوت يومه يخبرك ان احلامه كلها اختزلت فى "جاموسة " او "بقرة " فتتساءل فى حيرة : جاموسة ؟ وماذا ستفعل الجاموسة لعائلة يزيد عدد افرادها مثلا عن سبع ؟ ليخبرك الفلاح البسيط انها ستفعل الكثير فى زمن المجاعة وعولمة الجوع فمنها اللبن الحليب الصافى النقى ومن ألبانها الجبن والقشدة والزبدة ، ومن تناسلها اللحم الطرى الشهى ، وكل هذا يضمن بقاء الانسان على قيد الحياة بدلا من الموت جوعا ، وما ان يتحقق الحلم لهذا الفلاح البسيط حتى ترى الفرحة فى عينيه والزغاريد تملأ داره مهللة بإستقبال الجاموسة ، ذلك الضيف العزيز "وش الخير " على حد قوله . وبعيدا عن رمزية الجاموسة وما تعنيه لفلاح بسيط كان فى الماضى يعتمد فى تسيير امور حياته اعتمادا كليا على الماشية من أبقار وجاموس وأغنام وطيور وأرض يزرعها خضروات وفواكه تحقق له الاكتفاء الذاتى ، وتغنيه عن سؤال اللئيم " كما يقول المثل " دعونا نتساءل لماذا تبخر كل هذا الخير وتلاشى فى قرى مصر العظيمة التى كانت مصدرا للغذاء لاهل المدن ؟ لماذا استبدل ذلك الخير بما هو أقل نفعا وأكثر ضررا عندما حولنا معظم قرى مصر الى أرض بور لا تنبض بالحياة ، وفتحنا اسواقها لمخلفات الغرب من لحوم ودواجن وألبان وخضروات محفوظة أضرت بصحة الانسان المصرى وكست جسده بكافة الامراض المزمنة ؟ ومن هو المستفيد من شل قدرة الفلاح على العطاء والانتاج ومد سكان المدن المصرية باحتياجاتهم من خير بلدنا ؟ أليس هم طبقة رجال الاعمال السادة المستوردين الذين انحصرت كل احلامهم فى ثراء سريع حتى ولو كان على حساب أمن البلاد القومى ، الذين وضعوا كل استثماراتهم لخدمة المنتج الغربى على حساب المنتج المصرى رغم ان الاخير أقل تكلفة واكثر نفعا وفائدة ؟ ان مشكلة الجوع والفقر وارتفاع اسعار السلع الغذائية الجنونى فى مصر لابد ان يدفعنا دفعا للتفكير فى ضرورة إعادة الفلاح المصرى الى قريته وأرضه الى سابق عهده ، واحياء القرى المصرية الاصيلة ودورها التنموى الذى فقدناه على يد لصوص الاراضى الذين تعمدوا (مع سبق الاصرار والترصد ) تبوير الارض وتحويلها من اراض زراعية الى ارض مبانى لترتفع أثمانها ويقام عليها المبان الاسمنتية الخرسانية والمولات التجارية والقصور والفيلات ، فى ظل فساد ذمم بعض القائمين على إدارة شئون الوحدات المحلية ، القوانين المصرية لم تمنع المخالفات وعمليات التعدى على الاراضى الزراعية ، بل ان هناك من الوزارات الحكومية المتهمة بخرق القانون وتقوم بتجريف وتبوير أجود الاراضى الزراعية وإقامة مشروعات من شأنها ضياع الالاف الافدنة الزراعية فى كافة محافظات مصر التى باتت نهبا لمافيا لم ترع حقوق الفلاح المصرى البسيط ودفعته لهجرة أرضه مرغما ومجبرا بشتى الوسائل المشروعة وغير المشروعة ، ورغم أن المادة 151 من القانون رقم 53 لسنة 1966 المضافة بالقانون رقم 116 لسنة 1983 والمعدلة بالقانون رقم 2 لسنة 1985 قد نصت على أنه " يحظر على المالك أو نائبه أو المستأجر أو الحائز للأرض الزراعية بأية صفة ترك الأرض غير منزرعة لمدة سنة من تاريخ آخر زراعة رغم توافر مقومات صلاحيتها للزراعة ومستلزمات إنتاجها التي تحدد بقرار من وزير الزراعة ... كما يحظر عليهم ارتكاب أي فعل أو الامتناع عن أي عمل من شأنه تبوير الأرض الزراعية أو المساس بخصوبتها." الا ان القانون داسه كل طامع فى الثراء السريع دون اى اعتبار لمصلحة وطنية او قومية ... فجريمة تبوير الارض الزراعية لا يجب ان يكون عقاب مرتكبيها بغرامة فقط او بحبس مدد قصيرة كما نصت المادة 155 من ذات القانون على أنه " يعاقب على مخالفة حكم المادة ( 151 ) من هذا القانون بالحبس وبغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه ولا تزيد على ألف جنيه عن كل فدان أو جزء منه من الأرض موضوع المخالفة، بل يجب تشديد العقوبة لاقصى درجاتها لان التبوير فى حد ذاته يعتبر تهديدا مباشرا لامن المواطن الغذائى ولحياته ، ونذير شؤم يهدد بالمجاعة لبلد كانت سلة القمح والخضروات والفاكهة على مر العصور ، بلد من المفترض فى الاصل انه بلد زراعى . الربط بين حلم الفلاح فى اقتناء جاموسة وبين مشكلة تبوير الارض له دلالة على ان المواشى بحاجة الى ارض زراعية كمراعى ، حاجة لا تقل اهمية عن حاجة الانسان لتلك الارض وما يخرج منها ، حينها يكتمل الحلم ويترجم على الارض واقعا ملموسا يلبى حاجة الشعب المصرى من خضروات وفواكه لها طعم ورائحة ..الطعم الاصلى .. الذى فقدناه بسبب تدخل يد العابثين فى المزروعات بمدها بكل ما هو ملوث ومسرطن من مياه مجارى ومبيدات فأثرت على صحة شعب بأكمله يعانى اليوم ويلات الامراض المزمنة واخطرها السرطان دون ان يجدوا اليد التى تردع هؤلاء وتجبرهم على الكف عن ارتكاب جرائم انسانية بحق 80 مليون مصرى . الانسان الحر هو الذى يزرع غذائه بيده ويصنع ما يلبسه وما يأكله " من لا يملك قوته لا يملك حريته " ، وكثير من الاسر ميسورة الحال بدأت تستشعر خطر المجاعة القادم ، وخطر المنتجات المزروعة بوسائل مشكوك فى امرها وساموا طعم الخضروات والفاكهة المغموسة بالمبيدات الكيماوية والتى اهلكت الانسان والحيوان والنبات ، فراحوا يفكرون جديا فى انشاء مزارع صغيرة خاصة بهم تزرع تحت اشراف خبراء متخصصين فى مجال الزراعة ، ومعظمهم هجر القاهرة بضجيجها وصخبها واستمتع بالاقامة فى هدوء تلك المزارع الخاصة متكفلين بتحرير انفسهم من سطوة غلاء الاسعار ورزالة الحكومة ، ومحققين الاكتفاء الذاتى لانفسهم وذويهم ، هذا عن ميسورى الحال .. فماذا عن من لا يملك قوت يومه لا أرض عنده ولا مال ؟ الاحزاب التى قررت دخول الانتخابات التشريعية القادمة دون الحصول على اى ضمانات من الحزب الحاكم تؤكد نزاهتها ، ورصدت لتلك العملية ملايين الجنيهات للفوز بعدد صغير من المقاعد وهى تعلم ان الحزب الحاكم سيتمسك بأغلبيته وسطوته وسيطرته على البرلمان بانتخابات معروف سلفا حجم التزوير الذى سيحدث فيها فى ظل غياب اشراف دولى وقضائى يضمن نزاهتها ،عليها مراجعة نفسها وضميرها وان تنفق هذه الاموال المهدرة سلفا (على وهم التنافس اللاشريف ) على الالاف الفلاحين الذين تنحصر احلامهم فى امتلاك جاموسة او بقرة او قطعة ارض زراعية صغيرة او مزارع صغيرة لتربية الطيور والدواجن ..أليس هذا افيد وانفع وابقى لمصر وفقرائها من الهرولة نحو صراع على سلطة لن تغير من الواقع شيئا ..فتغيير الاشخاص بات امرا غير مجدى ، وانما تغيير الواقع برعاية كل من يزرع ويحصد ويملك قوت يومه هو التغيير الحقيقى لمواجهة ماهو اخطر من النظام ( الفقر والجوع والمرض ) .. غيروا جميعا شعاراتكم وارفعوا شعار ( جاموسة لكل فلاح ) او ( مزرعة دواجن لكل قرية ) او حتى ( أرض مستصلحة لكل شاب عاطل ) حولوا مجتمعكم الى مجتمع منتج ودعونا من الشعارات الجوفاء التى لا تغنى ولا تسمن من جوع ، فمالكم انتم والسلطة وصراعاتها ، فاذا كانت السلطة فشلت فى تحقيق التنمية لشعبها ..تحركوا انتم وابدأوا بتنمية القرى ، واعيدوا للفلاح أرضه وجاموسته ، وللفلاحة دورها فى صناعة خبزها الشهى لها ولاسرتها ، وارحموا الناس من طوابير الخبز ..عودوا للنخطيط التنموى الصحيح الذى يهدف لاعادة الكرامة والحرية للفلاح المصرى فى بيئته الاصلية ..فأموالكم كثيرة بالملايين وحرام انفاقها على ما يسمى بالانتخابات المزيفة ، والدعاية والاعلانات فى القنوات الفضائية وامامكم شعبا نصفه يتضور جوعا .. انفقوها على من يستحق تكسبون حب الناس واحترامهم ، ويلتف حولكم الجميع .. وتذكروا ان فرحة الناس ولو بجاموسة خيرا وأبقى من غضبهم عليكم عندما تكسبون مقاعد البرلمان المحنطة التى لا يجلس عليها سوى مجموعة من البصمجية ، قاطعوا مزوري ارادة الناس ولا تقحموا أنفسكم فى عمليات نصب باتت معروفة للقاصى والدانى ، فالالتفاف حول الفلاح المصرى اليوم هو التغيير الحقيقى والنجدة لشعب من خطر قادم يهدد الجميع بمجاعة تأكل الاخضر واليابس ، ودوركم الحقيقى ليس فى ممارسة العمل السياسى بل فى العمل المنتج يارجال وشباب مصر .