الشعب الجمهوري بالمنيا ينظم احتفالية كبرى لتكريم الأمهات المثاليات.. صور    شعبة الأجهزة الكهربائية: المعلومات أحد التحديات التي تواجه صغار المصنعين    برلمانية: 100 ألف ريال غرامة الذهاب للحج بدون تأشيرة    باكستان تقصف 36 هدفًا داخل الهند ضمن عملية "البنيان المرصوص"    انفجارات ضخمة تهز مدينتي أمريتسار وجامو في الهند بعد إعلان باكستان بدء رد عسكري    إغلاق 32 مطار في الهند بسبب الهجمات الباكستانية    جيش الاحتلال يصيب فلسطينيين بالرصاص الحي بالضفة الغربية    كلبشت في إيده وعايزة تحضنه، مقطع الفيديو الذي تسبب في طلاق أردنية بسبب راغب علامة    مدير مدرسة السلام في واقعة الاعتداء: «الخناقة حصلت بين الناس اللي شغالين عندي وأولياء الأمور»    3 نصائح هامة في موسم الحج 2025 لتجنب الإصابة بالأمراض الخطيرة    طريقة عمل الخبيزة، أكلة شعبية لذيذة وسهلة التحضير    الهند تستهدف 3 قواعد جوية باكستانية بصواريخ دقيقة    الترسانة يواجه «وي» في افتتاح مباريات الجولة ال 35 بدوري المحترفين    عقب الفوز على بيراميدز.. رئيس البنك الأهلي: نريد تأمين المركز الرابع    سعر الذهب اليوم وعيار 21 الآن بعد آخر تراجع بمستهل تعاملات السبت 10 مايو 2025    الشقة ب5 جنيهات في الشهر| جراحة دقيقة بالبرلمان لتعديل قانون الإيجار القديم    استشهاد قائد كتيبة جنين في نابلس واقتحامات تطال رام الله    العثور على جثة متفحمة داخل أرض زراعية بمنشأة القناطر    عمرو أديب يكشف تفاصيل أزمة أسرة محمود عبدالعزيز وبوسي شلبي    هل تجوز صلاة الرجل ب"الفانلة" بسبب ارتفاع الحرارة؟.. الإفتاء توضح    زعيم كوريا الشمالية: مشاركتنا في الحرب الروسية الأوكرانية مبررة    «غرفة السياحة» تجمع بيانات المعتمرين المتخلفين عن العودة    «زي النهارده».. وفاة الفنانة هالة فؤاد 10 مايو 1993    ملك أحمد زاهر تشارك الجمهور صورًا مع عائلتها.. وتوجه رسالة لشقيقتها ليلى    «زي النهارده».. وفاة الأديب والمفكر مصطفى صادق الرافعي 10 مايو 1937    تكريم منى زكي كأفضل ممثلة بمهرجان المركز الكاثوليكي للسينما    «ليه منكبرش النحاس».. تعليق مثير من سيد عبدالحفيظ على أنباء اتفاق الأهلي مع جوميز    غدا انطلاق هاكاثون 17.. وحلول تكنولوجية لأهداف التنمية الاكثر الحاحا التعليم والصحة والطاقة والتنمية والمناخ    «صحة القاهرة» تكثف الاستعدادات لاعتماد وحداتها الطبية من «GAHAR»    رايو فاليكانو يحقق فوزا ثمينا أمام لاس بالماس بالدوري الإسباني    حريق ضخم يلتهم مخزن عبوات بلاستيكية بالمنوفية    عباسى يقود "فتاة الآرل" على أنغام السيمفونى بالأوبرا    ستاندرد آند بورز تُبقي على التصنيف الائتماني لإسرائيل مع نظرة مستقبلية سلبية    حدث في منتصف الليل| ننشر تفاصيل لقاء الرئيس السيسي ونظيره الروسي.. والعمل تعلن عن وظائف جديدة    تعرف على منافس منتخب مصر في ربع نهائي كأس أمم أفريقيا للشباب    الأعراض المبكرة للاكتئاب وكيف يمكن أن يتطور إلى حاد؟    «بُص في ورقتك».. سيد عبدالحفيظ يعلق على هزيمة بيراميدز بالدوري    هيثم فاروق يكشف عيب خطير في نجم الزمالك.. ويؤكد: «الأهداف الأخيرة بسببه»    متابعة للأداء وتوجيهات تطويرية جديدة.. النائب العام يلتقي أعضاء وموظفي نيابة استئناف المنصورة    البترول: تلقينا 681 شكوى ليست جميعها مرتبطة بالبنزين.. وسنعلن النتائج بشفافية    سعر الدولار الآن أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية بالبنك المركزي المصري    جامعة القاهرة تكرّم رئيس المحكمة الدستورية العليا تقديرًا لمسيرته القضائية    يسرا عن أزمة بوسي شلبي: «لحد آخر يوم في عمره كانت زوجته على سُنة الله ورسوله»    انطلاق مهرجان المسرح العالمي «دورة الأساتذة» بمعهد الفنون المسرحية| فيديو    عمرو أديب بعد هزيمة بيراميدز: البنك الأهلي أحسن بنك في مصر.. والزمالك ظالم وليس مظلومًا    أمين الفتوى: طواف الوداع سنة.. والحج صحيح دون فدية لمن تركه لعذر (فيديو)    بسبب عقب سيجارة.. نفوق 110 رأس أغنام في حريق حظيرة ومزرعة بالمنيا    النائب العام يلتقي أعضاء النيابة العامة وموظفيها بدائرة نيابة استئناف المنصورة    اليوم.. أولى جلسات محاكمة عاطلين أمام محكمة القاهرة    «لماذا الجبن مع البطيخ؟».. «العلم» يكشف سر هذا الثنائي المدهش لعشاقه    ما حكم من ترك طواف الوداع في الحج؟.. أمين الفتوى يوضح (فيديو)    عميد تجارة عين شمس: دمج المناهج الحالية مع التقنيات الحديثة    خطيب الجامع الأزهر: الحديث بغير علم في أمور الدين تجرُؤ واستخفاف يقود للفتنة    «المستشفيات التعليمية» تنظم برنامجًا تدريبيًّا حول معايير الجودة للجراحة والتخدير بالتعاون مع «جهار»    رئيس جامعة الإسكندرية يستقبل وفد المجلس القومي للمرأة (صور)    البابا لاون الرابع عشر في قداس احتفالي: "رنموا للرب ترنيمة جديدة لأنه صنع العجائب"    هل يجوز الحج عن الوالدين؟ الإفتاء تُجيب    رئيس الوزراء يؤكد حِرصه على المتابعة المستمرة لأداء منظومة الشكاوى الحكومية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العدل أساس الملك
نشر في المصريون يوم 28 - 11 - 2013

يقول الله تعالي " إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا " ( النساء : 58)
العدل أساس الملك : فالمجتمع الفاضل يقوم علي أركان القضاء العادل ، الذي يصل بالمرء إلي أن يعرف ما له من حقوق فلا يطلب أكثر منها ، وما عليه من واجبات فلا يقصر في أدائها ، وهنا يتلاشى الصدام و الخصام ، ويتحقق الحب والوئام ، وينتشر الأمن والسلام
العدل أساس الملك : اسم من أسماء الله الحسنى ، هو الإنصاف، وإعطاء المرء ما له، وأخذ ما عليه ، وقد جاء إلي رسول الله رجلان من الأنصار يختصمان إليه، ويطلبان منه أن يحكم بينهما، فأخبرهما النبي صلى الله عليه وسلم بأن مَنْ يأخذ حق أخيه، فإنما يأخذ قطعة من النار، فبكي الرجلان وتنازل كل واحد منهما عن حقه لأخيه .
العدل أساس الملك : فالمسلم يوفي الميزان والكيل، ويزن بالعدل، ولا ينقص الناس حقوقهم، ولا يكون من الذين يأخذون أكثر من حقهم إذا اشتروا، وينقصون الميزان والمكيال إذا باعوا، وقد توَّعد الله من يفعل ذلك " ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون . وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون . ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون . ليوم عظيم"( المطففين: 1-5) . وقال تعالى: " وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان"( الرحمن: 9) ، العدل أساس الملك : والمسلم يعدل مع زوجته فيعطيها حقوقها، وإذا كان له أكثر من زوجة فإنه يعدل بينهن في المأكل والمشرب والملبس والمسكن والمبيت والنفقة، قال رسول الله عليه الصلاة والسلام : من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشِقُّه مائل ) أبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه )، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقسم بين زوجاته -رضوان الله عليهن- بالعدل، ويقول: اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك . أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه .
العدل أساس الملك :فالمسلم يسوِّي بين أولاده حتى في القُبْلَة، فلا يُفَضِّل بعضهم بهدية أو عطاء؛ حتى لا يكره بعضهم بعضًا، وحتى لا تُوقَد بينهم نار العداوة والبغضاء. يقول النعمان بن بشير: أعطاني أبي عطيةً، فقالت عمرة بنت رواحة (أم النعمان): لا أرضى حتى تُشْهِدَ رسول الله ، فأتى رسول الله ، فقال: إني أعطيتُ ابني من عمرة بنت رواحة عطية، فأمرتني أن أشهدك يا رسول الله. فقال الله صلى الله عليه وسلم: (أعطيتَ سائر ولدك مثل هذا؟ قال: لا. قال الله : فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم البخاري .
العدل أساس الملك : مع كل الناس كافرهم ومؤمنهم ، غنيهم وفقيرهم ، قويهم وضعيفهم ، ابيضهم واسودهم ، الرئيس والمرؤس ، الحاكم والمحكوم ، كيف ؟ " ولا تبخسوا الناس أشيائهم" (الشعراء: 138) . وقال تعالى: " ولا يجرمنكم شنأن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى" ( المائدة: 8) أي: لا تحملكم عداوتكم وخصومتكم لقوم على ظلمهم، بل يجب العدل مع الجميع سواء أكانوا أصدقاء أم أعداء.
العدل أساس الملك : له منزلة عظيمة عند الله، قال تعالى: " وأقسطوا إن الله يحب المقسطين" (الحجرات: 9) . وكان الصحابي الجليل أبو هريرة يقول: عمل الإمام العادل في رعيته يومًا أفضل من عبادة العابد في أهله مائة سنة العدل أمان للإنسان في الدنيا، وقد حُكي أن أحد رسل الملوك جاء لمقابلة عمر بن الخطاب، فوجده نائمًا تحت شجرة، فتعجب؛ إذ كيف ينام حاكم المسلمين دون حَرَسٍ، وقال: حكمتَ فعدلتَ فأمنتَ فنمتَ يا عمر.
العدل أساس الملك، فقد كتب أحد الولاة إلى الخليفة عمر بن عبد العزيز- رضي الله عنه- يطلب منه مالاً كثيرًا ليبني سورًا حول عاصمة الولاية. فقال له عمر: ماذا تنفع الأسوار؟ حصنها بالعدل، ونَقِّ طرقها من الظلم.
العدل أساس الملك : فعندما يتوفر العدل في مجتمع ، فإنه يهيء المناخ المناسب لإيجاد الشاب العابد ، والرجل المعلق بالمساجد ، والمحب في الله الواحد ، يوفر المناخ للخائفين من الله ، والمتصدقين في الله ، والذاكرين لله ..!! وهذا ما عناه حديث رسول الله : سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل الا ظله : امام عادل , وشاب نشا في عباده الله عز وجل , ورجل قلبه معلق بالمساجد , ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه . وتفرقا عليه , ورجل دعته امراه ذات جمال وحسن . فقال : اني اخاف الله , ورجل تصدق بصدقة فاخفاها حتي لا تعلم شماله ماتنفق يمينه , ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه متفق عليه .. ذكر الإمام العادل في أول الخصال لعظم أمر الإمامة والعدل فيها ، وعرف عن عمر بن الخطاب أنه إذا ذكر ذكر معه العدل ، ولما كان في قصر كسري بن هرمز نار تعبد من دون الله , فأول أمر أصدره سعد بن ابي وقاص رضي الله عنه بعد الفتح أن يرفع الآذان , ومع قول المؤذن: الله أكبر الله . أشهد ان لا اله الا الله حتى كانت نار الشرك قد انطفأت بقوة التوحيد , وبعدها جمعت الغنائم , ووزعت على أفراد الجند, ثم أرسل بنصيب بيت المال الى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع أساور كسرى, وما أن استلمها الفاروق عمر حتى نظر الى علي بن أبي طالب رضي الله عنهما وقال له: قوما فعلوا هذا لأمناء.... فردّ عليه علي رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين! عففت فعفّت رعيتك, ولو رتعت لرتعت رعيتك.
هذا هو ميزان الحكم الذي يجب أن يسود في المجتمعات ... ولو أنّ خلفاء المسلمين على هذه الأرض المسلمة عفّت وعدلت كما عفّ وعدل صحابة النبي صلى الله عليه وسلم لخلت السجون من روادها ولما وجدنا فيها قاتلا أو سارقا أومتعديا .
والإمام : هو من يوضع في موضع المسئوليه في تحديد احوال الناس فاما ان يكون ظالما واما ان يكون عادلا يحكم بما امره به الله ولا يظلم الناس اشيائهم فهو يحكم بين الناس بما امره الله لا يظلم ولا يتسلط ولا يتبع اهواء نفسه وجزاء صبره ومجاهدته لنفسه في اقامه العدل انه من السبعه المكرمين ...
أما العدالة السائدة اليوم في مجتمعاتنا العربية والاسلامية فهي بعيدة كل البعد عما ذكرناه سابقا إلا من رحم ربي ، يقولون عدالة انتقالية في بلداننا العربية والاسلامية .. هي ليست انتقالية ولكنها عدالة انقلابية انتقائية انتقامية بامتياز !! كيف ؟
كوبونات من السماء هدايا وأعلام علي فريق بينما يُرمي الاخرون ببيانات تهديد ووعيد !! فمن قسم الشعب ومن زرع الضغينة ومن اسس للظلم ؟!! ، فلا عجب ان يأتي احد المعجبين ويقول احنا شعب وانتو شعب ، وأخر متيم يقول نساءنا حبلي بنجمك ألا لعنة الله علي الظالمين !!
غلق قنوات والابقاء علي اخري تعربد كيف شاءت في اركان المجتمع وتحرض متي ارادت علي القتل والنهب والاعتقال !! هذه عدالة انتقالية أم انتقائية ؟!!
خروج الفرعون وبطانته والتي ارتكبت علي مدار ثلاثين عاما من الظلم والبطش والقتل ما لا يعد ولا يحصر ويختطف رئيس شرعي منتخب مع فريقه لا لشيء الا لانهم ينحازون للطبقة المتوسطة من الشعب ، ويتطلعون لدولة مدنية بمرجعية اسلامية هذه عدالة انتقالية أم انتقائية ؟!!
يحول قضاة مستقلون ارادوا الانحياز للشعب واعلنوا نتائج الانتخابات صحيحة كما وقعت تماما بينما يقرب فئة اخري كان احدهم يستقوي بالخارج عندما قال لاوباما : لوكنت تعلم فتلك مصيبة ولو لم تعلم فالمصيبة اعظم ، فضلا علي الاتهامات بالفساد والتوريث وغيره !! هل هذه عدالة انتقالية أم انتقامية ؟!!
الذين قتلوا الشعب بالمئات ولهم صور وفيدوهات موثقة ( بالصوت والصورة ) طلقاء ، والذين قتل ابناؤهم وذويهم وراء القضبان يواجهون المؤبد اوالاعدام لانهم قتلوا ابنائهم !! هل هذه عدالة انتقالية أم انتقامية ؟!!
عندما يتم الافراج عن طلبة الالتراس خوفا علي مستقبلهم ( ونحن مع ذلك ) ويحول طلبة الازهر وغيرهم للجنايات او الجنح ، قابعين في اماكن الحبس الاحتياطي - وأوضاعها معلومة للجميع - حتي يحكم علي كل منهم بعد ذلك بسبعة عشر عاما وغرامة أربعة وستون الف جنيه فهل هذه عدالة انتقالية أم انتقامية !!
عندما يفرج عن يساريين وعلمانيين كانوا متهمين باهانة القضاء لكن الاسلاميين يظلوا قابعين احتياطيا تحت الاهانة والتعذيب لحين الحكم عليهم باحكام مغلظة !! هل هذه عدالة انتقالية ؟!!
لماذا يقتل الجنود الابرياء وبعضهم في عمر الزهور أمامهم مستقبل وزواج ، لكن للاسف يقتلون مرات ومرات بنفس الطريقة وبذات الاسلوب ولم يُعرف الجاني ولم يُحاكم القاتل ولم يُحاسب الفاعل مع ان المقتولين مصريين أبرياء ، والقتل مرفوض مع كل الاطراف وعلي كافة المستويات ؟!!
ابناء الشعوب الاسلامية .. كلما توافقوا مع ذواتهم وعبروا عن أحلام شعبهم.. والشعب يحلم بالحرية والخلاص من التسلط والاستبداد .. أعلنوا ذلك في الميادين والشوارع وأخيرا في ملاعب كرة القدم.. فلا غرابة في أن الانتصارات تأتي على أيدي المؤمنين بقضية شعبهم ، اصحاب المبادئ.. بينما تأتي الهزائم ويستمر التراجع على يد الطامعين في دماء وثروات شعبهم والمنقلبين على إرادته.. وعندما ينكسر الانقلاب في ملعب للكرة أو على يد بطل فوق منصة التتويج ، فإن ذلك لا يعني إلا رسالة للظالمين ومن ساروا في ركابهم تفيد بأن ظلمكم لن يمر ، واستبدادكم لن يدوم ، وعدلكم مغشوش وعدالتكم انتقائية انتقامية انقلابية ..!! اذن كيف تؤسس لملك في الدنيا والاخرة ..؟ !! لما لا نؤمن بالرأي و ونضيق بالرأي الاخر ؟ لماذا الاقصاء والاملاء والابتعاد عن عدالة السماء؟!
الخليفة العادل الزاهد عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه إطعم الجياع فلم يبقي جائع ، وزوج الشباب فلم يبقي عازب ، وقضي الديون فلم يبقي مدين ، ونشر الحبوب علي اسطح المنازل لتأكل الطير ، فلما سئل في ذلك قال : حتي لا يقال ان الطيور قد جاعت في عهد عمر بن عبد العزيز ..!! ولما حضره .. دخل عليه مسلمة بن عبد الملك بن مروان .. وقال: إنك يا أمير المؤمنين قد فطمت أفواه أولادك عن هذا المال.. فحبذا لو أوصيت بهم إليك.. أو إلى من تفضله من أهل بيتك.. فلما انتهى من كلامه قال عمر: أجلسوني.. فأجلسوه.. فقال : قد سمعتُ مقالتك يا مسلمة.. أمَا إنّ قولك: قد فطمت أفواه أولادي عن هذا المال.. فإني واللهِ ما منعتهم حقاً هو لهم.. ولم أكن لأعطيهم شيئاً ليس لهم.. أما قولك: لو أوصيت بهم إلي.. أو إلى من تفضله من أهل بيتك.. فإنما وصيي وولي فيهم الله الذي نزل الكتاب بالحق.. وهو يتولى الصالحين.. واعلمْ يا مسلمة أن أبنائي أحدُ رجلين.. إما رجل صالح متقن فسيغنيه الله من فضله ويجعل له من أمره مخرجا.. وإما رجل طالح مكبٌّ على المعاصي فلن أكون أول من يعينه بالمال على معصية الله تعالى.. ثم قال ادعوا لي بنيّ....
فدعوهم وهم بضعة عشر ولداً.. فلما رآهم ترقرقت عيناه.. قال مسلمة : تركتهم عالة لا شيء لهم.. وأنت الخليفة.. فبكى بكاءً صامتاً.. ثم التفت إليهم.. وقال أي بنيّ لقد تركت لكم خيراً كثيراً.. فإنكم لا تمرون بأحد من المسلمين.. أو أهل ذمتهم.. إلا رأوا أن لكم عليهم حقاً.. هذه السمعة الطيبة.. كيفما مشى ابن الرجل الصالح يقال له: رحمة الله على والدك.. ( العدل أساس الملك ) هذه ثروة كبيرة جداً.. قال: إنكم لا تمرون بأحد من المسلمين أو أهل ذمتهم.. إلا رأوا أن لكم عليهم حقاً..
يا بنيّ إن أمامكم خياراً بين أمرين.. فإما أن تستغنوا.. أي أن تصبحوا أغنياء.. ويدخل أبوكم النار.. وإمّا أن تفتقروا ويدخل الجنة.. ولا أحسب إلا أنكم تؤثرون إنقاذ أبيكم من النار على الغنى .. كذلك ربّاهم تربية عالية.. ربّاهم على محبته.. ومحبة الحق.. ثم نظر إليهم في رفق وقال: قوموا عصمكم الله.. قوموا رزقكم الله.. فالتفت إليه مسلمة وقال: عندي يا أمير المؤمنين ما هو خير من ذلك.. فقال: وما هو؟ قال لدي ثلاثمائة ألف دينار - من ماله الشخصي - لدي ثلاثمائة ألف دينار.. وإني أهبها لك ففرِّقها عليهم.. أو تصدّق بها إذا شئت.. فقال له عمر: أَوَ خير من ذلك يا مسلمة؟! قال: وما هو يا أمير المؤمنين؟ قال تردُّها لمن أخذتها منه.. أنى لك بهذا المبلغ الضخم؟ تردّها إلى من أخذتها منه.. فإنها ليست لك بحق.. فترقرقت عينا مسلمة وقال: رحمك الله يا أمير المؤمنين حياً وميتاً.. فقد ألَنْتَ منا قلوباً قاسية.. وذكّرتها.. وقد كانت ناسية.. وأبقيت لنا في الصالحين ذكرا.. ثم تتبع الناسُ أخبارَ أبناء عمر من بعده.. فرأوا أنه ما احتاج أحد منهم ولا افتقر..
قالت فاطمة بنت عبد الملك: كنت أسمع عمر يقول في أيام مرضه: اللهم أخف عنهم موتي ولو ساعة من نهار، فلما كان اليوم الذي قُبض فيه خرجت من عنده، وجلست في بيت بيني وبينه باب، فسمعته يقول: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ (القصص، الآية: 83). ثم هدأ فجعلت لا أسمع له صوتًا ولا حسًا ولا كلامًا.. فقلت لوصيف كان يخدمه: لو دخلت على أمير المؤمنين فدخل وصاح، فقمت ودخلت عليه وقد أقبل بوجهه إلى القبلة وأغمض عينيه بإحدى يديه وأغمض فمه بالأخرى، ومات رحمه الله.
يقول ابن الجوزي في سيرة عمر: بلغني ان المنصور قال لعبدالرحمن بن القاسم بن محمد بن ابي بكر يعظه: مات عمر بن عبدالعزيز رحمه الله وترك احد عشر ابنا، وبلغت تركته سبعة عشر ديناراً، كفن منها بخمسة دنانير، واشتري له موضع قبره بدينارين، وقسم الباقي على بنيه، وأصاب كل واحد من ولده تسعة عشرة دراهم ، ولما مات هشام بن عبدالملك وخلف احد عشر ابنا قسمت تركته واصاب كل واحد من تركته الف الف اي مليون ورأيت رجلا من ولد عمر بن عبدالعزيز قد تصدق بمائة فرس في سبيل الله عز وجل ورأيت رجلا من ولد هشام يتصدق عليه، أي يسأل الناس أعطوه أو منعوه ..وصدق الله " وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا"( النساء :9)
تحية تحية لكل صادع بالحق في طريق يسلكه أو شارع يعبره أو ملعب يتبارى خلاله.. تحية للأبطال الذين لم تنسهم نشوة انتصارهم قضية شعبهم.. أهم قضاياه التي يجب أن ينتصر فيها.. قضيايا الحق والعدل والحرية.. وتحية للجماهير الصابرة والابطال المرابطة الذين صنعوا البسمة على شفاه الصامدين في الشوارع والميادين..
نعم العدل أساس الملك وحصن الامن في الدنيا والاخرة ، فطوبي لمؤسسي العدل في رعيتهم ، وطوبي للمدافعين عن الحق في أوطانهم ، وطوبي لكل صادع بالحق في طريق يسلكه أو جهد يبذله أو عمل يعمله" وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ " ( التوبة : 105) " وسيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون "( الشعراء : 227) ... بل نختم بما كان به البدأ " إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا " ( النساء : 58)

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.