أستعير هذا التعبير " البليغ ! " الذى استخدمته السيدة الارستقراطية ، بنت الذوات [ الفنانة شويكار ] ، فى إحدى مسرحياتها مع الفنان فؤاد المهندس ، لوصف ما يكاد يجمع عليه المجتمع كله ، من عدم تصديق صحة إلصاق جريمة الاعتداءعلى المصلين فى كنائس الإسكندرية ، التى فجرت أزمة خطيرة ، منذ أيام ، ولا زالت توابعها الزلزالية تتفاعل فى الواقع الراهن ! . لم يصدق الشعب المصرى مبادرة المسئولين فى النظام بالإدعاء – قبل أى تحقيق نزيه وجدى – أن مرتكب هذه الجريمة المركبة هو " شخص مريض نفسيا ً " ، تماما ً ، مثلما لم يصدقوا أن مرتكب جريمة " بنى مزار " ، والتى تم فيها – بدقة بالغة – تشريح أجساد القتلى ، ونزع أجزاء من أجسادهم وأعضائهم التناسلية ، هو أيضا ً واحد من طائفة المرضى النفسيين ، " السوبرمانات " ، الذين يمكنهم – بحسب النموذج الأمريكى المعتاد – قهر كل الأعداء بضربة واحدة ، والطيران فى الفضاء ، وقيادة غواصات الأعماق ، واقتحام المحطات النووية ، والخروج من كل المآزق دون أن تتسخ الأيدى ، أو حتى تنال من نظافة البدلة التى يرتديها السيد السوبرمان ، ذرة تراب واحدة !! . فبالله عليكم أفهمونا كيف يمكن لمريض نفسيا ً ، هذا حاله ، أن يخطط لاقتحام ثلاث أو أربع كنائس فى وقت واحد ، ويقتل ويتنقل من كنيسة لأخرى ، ويدخل ويخرج ، دون أن يقف فى سبيله عسكرى أو يمنعه مخبر ، فيما يعرف الجميع ، وأنا أولهم أن مجرد تجمع بضعة أفراد غلابة ، لا حول لهم ولا طول ، للاحتجاج السلمى على تدهور الأوضاع ، فى ميدان عام ( وليس أمام كنيسة عليها حراسة ومعرضة للاقتحام ) كفيل بأن تتحرك الأساطيل وتجيش الجيوش ، وتحيطنا جحافل " الأمن المركزى " وفرق " مقاومة الشغب " ، وقوات " مقاومة الإرهاب " ، من كل جانب ، مضافا ً إليهم – فى الفترة الأخيرة – وهذا تطور نوعى مشهود ! ، طوابير " البلطجة " وجماعات " الصيّع " و" المبرشمين " و" معتادى الإجرام "، و" السوابق " ، وسيدات المناطق العشوائية ( لزوم " الردح " وإطلاق قذائف الشتائم المنتقاه ! ) ، على النحو الذى شاهدناه فى واقعة يوم الاستفتاء الأسود ( 25 مايو الماضى ) ، وأمام كثير من اللجان الانتخابية فى انتخابات البرلمان الأخيرة ! . فأين كان حراس الكنائس المكلفين بحمايتها .؟! ، ولماذا [ إذا صدقنا أن المريض النفسى ذى المواصفات الخارقة قد تغلب عليهم فى موقعة الكنيسة الأولى ] لم يتم تحذير باقى الكنائس وحراسها للانتباه واتخاذ الحيطة والحذر ؟! ، حتى لا يتسلل " السوبرمان " إياه ليرتكب جريمته الثانية ، ثم الثالثة ، ويحاول فى الرابعة فيتم الإمساك به ، بعد أن يكون قد " أدى واجبه " على أفضل وضع ، وبعد أن يكون قد سمم مجرى النيل المقدس ، وألقى بالبنزين على اللهب المشتعل ، وايقظ الفتنة النائمة ، التى ُلعن من يوقظها فى كل كتاب ؟!! . أعتقد ، ويعتقد الجميع معى بالفعل ، أن هذا الأمر هو بالضبط الشىء الذى لا يصدقه " عكل " !! ، إلا ّ إذا كان نظامنا البهى يعتبرنا أمة من البلهاء ، أو فى أحسن الفروض من " المرضى النفسيين " ، الذى يسهل خداعها والضحك عليها ، وإلهائها عن رؤية الحقيقة الكارثية التى تحيط بها إحاطة السوار للمعصم ، مثلما تحاول الأم أن تلهى إبنها عن إلحاحه فى طلب شيء ، فتشير للسماء بأصبعها هاتفة " شوف العصفورة " ، فينسى الطفل بكائه وإلحاحه فى الطلب ، ناظرا ً لأصبع الأم عله بجد العصفورة المرتقبة !! . صحيح أن هناك " تعبئة طائفية " متبادلة ، وهناك " ثقافة " عدائية تم ترسيخها على امتداد العقود ، تفرق بين الأخ وأخيه ، وتقيم الحجب بين المواطن والمواطن ، لكن الأصح أن هناك من ينفخ فى رياح السموم – قصدا ً – ليزيد أوار نيران الفتنة اشتعالا ً ، كلما اقتربت الساعة ، واحتدمت الأزمة ، واحتاج الحكم لمبرر يقدمه من أجل إتمام قبضته على الوضع ، ومواجهة معارضيه ومنتقديه بشدة !! . إننى اتهم – بوضوح – النظام الحاكم فى مصر ، بأنه ، ومع سبق الإصرار والترصد ، ُيعََّرضُ أمن الوطن للخطر العظيم ، ويفسح الطريق – بقصد وبغير قصد معا ً – للاقتتال الطائفى ، الذى ستسيل فيه دماء المصريين ( مسلمين وأقباطا ً ) أنهارا ً ، لخدمة أغراض ذاتية ، انتهازية ، تتعلق أساسا ً بإحكام سيطرته على السلطة فى مصر ، دون منافس ، وتوريثها دون مقاومة . . ولما كان كل هذا يتطلب استمرار وتجديد حالة الطواريء [ التى ستعرض على مجلس الشعب الشهر القادم ] ، فقد كان من الضرورى اختلاق ظروف تصلح كمسوغ لفرض هذا الأمر ، فى مواجهة الرفض الكلى ، الداخلى ، والخارجى ، لتجديد هذه الحالة ( الاستثنائية ! ) الممتدة منذ ربع قرن [ وهى أطول مدة طوارىء مستمرة فى العالم كله !! ] . إننى أتهم – دون مواربة – النظام الحاكم فى مصر ، أنه اصطنع هذه الجريمة [ بالتواطؤ أو التغاضى ، أو بالمسلكين معا ً ] ، حتى يجد مبررا ً يقدمه للرأى العام الداخلى والخارجى ، وهو يطلب المد لجريمة حالة الطواريء ، فكيف يمكن أن يرفعها والمسلمون والمسيحيون يقتلون بعضهم البعض ؟! . إننى أتهم هذا النظام بأنه يلعب بالنار ، ويبيع مستقبل الأمة بحفنة دولارات وبضع كراس ٍ ، ولا يتورع عن تدمير استقرار الوطن من أجل غايات أنانية خاصة ! . ولقد علمتنا خبرة التاريخ أن من يلعب بالنار يحترق بها ، والمثل الشائع يقول " طباخ السم لازم يدوقه " !! . [email protected]