لماذا تلك الحملة العنيفة على الفريق سامي عنان رئيس الأركان السابق؟!. هل هي لمجرد إعلان غير واضح أو قاطع منه بالترشح لانتخابات الرئاسة القادمة؟، هذا إذا أجريت انتخابات من الأصل، فهناك حملات من نوع آخر تسعى لتنصيب الفريق أول عبد الفتاح السيسي رئيسًا بتفويض شعبي يستهدف جمع 50 مليون توقيع، أي ما يعادل عدد الناخبين المقيدين بالجداول. ما الذي تغير بين تسريبات لجس النبض بأنه يفكر بالترشح فيهيج إعلام مبارك عليه وفق سيناريو صار محفوظًا جيدًا بتناوب الفضائيات والصحف عليه واحدة بعد الأخرى وبوقًا بعد الآخر، وبين الشخص نفسه عندما خرج ليلة 3 يوليو وسألته قناة "الحياة" هل تفكر في خوض انتخابات الرئاسة، فقال أنا في خدمة بلدي، فلم تُسنّ عندئذ السكاكين عليه، ولم تنطلق القذائف بوجهه، بل جرى احتفاء واسع بتصريحه من نفس الإعلام ونفس الأبواق. هذا التغير السريع جدًا بين الأمس واليوم مفهوم، ففي لحظة عزل مرسي كان الأمر يتطلب حشد ودعم كل صوت مهما كان لتمرير ما حدث وتصويره للعالم بأنه إجماع شعبي وسياسي وأمني وديني وإعلامي لوضع نهاية لهذا الرئيس ونظامه، وهذا يسوغ الاستفادة من تصريح رئيس الأركان السابق الذي في عهده سقط مبارك وكان مؤثرا في إدارة البلاد منذ 25 يناير وحتى خروجه من العمل العسكري والسياسي في أغسطس 2012، أما اليوم فقد استنفد غرضه، وقد لا يراد أن يكون له دور في المستقبل لأن الساحة لم تعد تتسع له حيث يتم تهيئتها لآخرين يرى الإعلام ومن يحركه أنهم أحق منه. وبين الأمس واليوم نتساءل: ما الذي تغير عندما كانت النداءات توجه من نفس الإعلام والأشخاص تقريبًا للمشير طنطاوي والفريق عنان بالإطاحة بمرسي ودعم الثورة على الإخوان التي كان مقررًا لها 24 أغسطس 2012، لكنها لم تتم، وما الذي تغير عندما غضبت المؤسسة العسكرية بسبب نشر جريدة " الجمهورية " خبرًا يتعلق بالتحقيق مع المشير والفريق في قضايا فساد وتمت الإطاحة برئيس تحريرها جمال عبد الرحيم الذي عاد لمنصبه مؤخرا تنفيذًا لأحكام القضاء؟، وما الذي تغير عندما نأى السيسي بالقوات المسلحة عن صراعات الحكم والمعارضة وشمل هذا أيضًا عدم الاقتراب من القادة السابقين خصوصًا من كانوا في الخدمة خلال الثورة وبعدها حتى انتهاء المرحلة الانتقالية وتسليم السلطة؟، وما الذي تغير بعد 30 يونيو حيث تبجيل الإعلام لقادة حاليين وسابقين وكان جنرالات التحليل ينهشون من يقترب من أحد زملائهم ولو بإشارة في إطار الحفاظ على هيبة المؤسسة العسكرية ورجالها؟، ما الذي تغير في كل هذا وغيره بين الأمس واليوم حتى تُفتح أبواب جهنم على سامي عنان وتوجه اتهامات بالفساد له ولأسرته هذه الأيام بالذات، ناهيك عن التحريض عليه وتقديم بلاغات ضده بشأن نشر مذكراته بدعوى أنها تهدد الأمن القومي ، بل المدهش أن يشارك في الحملة زملائه من الجنرالات ويكونون هم رأس حربتها. الرجل صار مستباحًا مما لا يحصل مع قائد كبير كان له دور محوري في ثورة 25 يناير وقد كشف الجزء المنشور من مذكراته عن جانب في هذا الدور، ومنه اعترافه بالتخطيط لانقلاب ناعم على مبارك والرفض القاطع لإطلاق الرصاص وإسالة دماء المتظاهرين وهو ما يمنح تلك المذكرات مصداقية. لماذا مثلاً ليست هناك حملات مماثلة على ما يتسرب من أخبار حول طرح اسم اللواء مراد موافي أو تجهيزه للترشح، وكذلك نية الفريق أحمد شفيق لدخول السباق مرة ثانية ما لم يترشح السيسي؟!. لماذا لا يُترك عنان يخوض التجربة كعسكري سابق مع أقرانه من العسكريين، ولتكتمل المنافسة بالمرشحين المدنيين دون إقصاء أو ممارسة ترهيب من أي نوع مما يحصل الآن ضده ومعه عبد المنعم أبو الفتوح حيث يتم الربط بينهما وبين الإخوان لتشويه صورتيهما والتحريض ضدهما، وفي النهاية يفوز من ينجح في إقناع الشعب بجدارته حيث ستكون الفرصة واسعة أمام المصريين لاختيار الأفضل. وإذا ترشح السيسي وسط هذا المهرجان وفاز وفرصه كبيرة بالطبع فإنه سيكون فوزًا حقيقيًا في معركة رئاسية جادة وليست هزلية أو تفويضية كما يريد لها البعض مما يضر بالرجل وبأهداف ومقاصد ما جرى في 30 يونيو أمام الخارج. يُحسب لطنطاوي وعنان أنه جرت خلال إدارتيهما للبلاد أنزه انتخابات واستفتاءات في تاريخ مصر، كما كانت الحريات بلا سقف، وإلى حد أنهما تعرضا للإساءة والتطاول، وكان صدرهما واسعًا، وأما الدم الذي سال فهو يحتاج إلى لجان تقصي حقائق جادة لمعرفة حقيقة ما حصل، ومن كان وراء كل ذلك، بل يجب أن يمتد عمل تلك اللجان لكل ما يجرى حتى اليوم. لست أدافع عن عنان فهو قادر على الدفاع عن نفسه، لكني ضد الإقصاء والترهيب والقمع ومحاولة فرض الصوت الواحد والاتجاه الواحد. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.